أعلنت السلطات الإيرانية بعد حادث سقوط طائرة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له في 19 مايو 2024، عن خارطة طريق لعقد الانتخابات الرئاسية المبكرة في 28 يونيو 2024، التى تأتي في الذكرى الأربعين لرحيل رئيسي ومرافقيه السبعة، حيث يسعى النظام لتوظيف الحدث في رفع نسبة المشاركة في الانتخابات. وحدد مجلس صيانة الدستور الفترة من 30 مايو حتى 3 يونيو 2024 لتقدم المرشحين الراغبين بأوراقهم، لخوض السباق الانتخابي الرئاسي، ليعلن بعد ذلك المجلس القائمة النهائية ممن يحق لهم خوض تلك الانتخابات، لتبدأ الحملة الانتخابية الرئاسية في الفترة من 12 يونيو حتى 26 يونيو 2024 ليبدأ الصمت الانتخابي لمدة يومين. وتثار العديد من التساؤلات حول ماهية المتنافسين المحتملين لخوض الانتخابات الرئاسية في مرحلة ما بعد رئيسي، ومؤهلاتهم السياسية ومسيرتهم داخل النظام الإيراني، وفرص نجاح أي منهم؟
أسماء متداولة
هناك العديد من الأسماء المطروحة لخوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية ما بعد رئيسي، ويمكن الإشارة إلى أبرز هؤلاء المرشحين وهم:
(*) محمد باقر قاليباف: ولد محمد باقر قاليباف فى أغسطس 1961 في بلدة طرقبة، قرب مدينة مشهد قاعدة خراسان، وثاني كبرى مدن إيران. وتعني كلمة قاليباف المركبة من قالي وباف "حائك السجاد" بالفارسية، وتولى العديد من المناصب منها تدرجه القيادي داخل الحرس الثوري الإيراني، ثم قيادة الشرطة الإيرانية، ورئاسة بلدية طهران. ويتولى رئاسة مجلس الشورى (البرلمان)، كما أنه سحب ترشحه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2021، ليعطى الفرصة لإبراهيم رئيسي كمرشح للتيار المحافظ، وبما يؤدي إلى تماسك التيار ودعمه لإبراهيم رئيسي الذى فاز فى الانتخابات، وكان يسعى للحصول على فترة رئاسية ثانية، كما كانت هناك تقديرات تشير إلى أنه كان أحد أبرز المرشحين المحتملين لخلافة المرشد الأعلى علي خامنئى، في حين أعلنت وكالة "رويترز" عقب وفاة رئيسي أن مجلس الخبراء رفع اسم إبراهيم رئيسي من قائمة الخلفاء المحتملين لعلي خامنئي منذ ستة أشهر.
(*) علي لاريجاني: لاريجاني من مواليد 1958، ولد في النجف بالعراق، ودرس في جامعة طهران وحصل منها على الماجستير ثم على دكتوراة في الفلسفة الغربية، عمل وزيرًا للثقافة والإرشاد الديني في حكومة الرئيس هاشمي رافسنجاني، كما شغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي 2005-2007، كما شغل لاريجاني منصب رئيس مجلس الشورى ( البرلمان) 2008- 2020، وقد استبعده مجلس صيانة الدستور من خوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2021 برغم السماح له بخوضها عام 2005.
(*) محمود أحمدي نجاد: ولد محمود أحمدي نجاد في 28 أكتوبر 1956 في قرية أردان الواقعة على بُعد 90 كلم من العاصمة طهران، تلقى دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في العاصمة طهران، ثم التحق بجامعة العلوم والتقنيات، حيث درس الهندسة المدنية وحصل منها على ماجستير في العلوم، ثم حصل على درجة الدكتوراة في الهندسة المدنية والتخطيط في مجال النقل. تولى الحكم لولايتين رئاسيتين من 2005- 20013، برغم ذلك استبعده مجلس صيانة الدستور من خوض الانتخابات الرئاسية في 2021.
(*) محمد مخبر: يبلغ محمد مخبر من العمر 68 عامًا، ويحمل درجتي دكتوراة في القانون الدولي والإدارة، ترأس لجنة تنفيذ أمر الإمام الخميني وهي مؤسسة حكومية مختصة بالشؤون الخيرية، شغل منصب المدير التنفيذي ونائب الرئيس التنفيذي لشركة خوزستان للاتصالات، أدرجه الاتحاد الأوروبي عام 2010 على قائمة العقوبات لصلته ببرنامج إيران الصاروخي، كما أدرج على لائحة العقوبات من قِبل وزارة الخزانة الأمريكية في يناير 2021. وفي أغسطس 2021 اختاره الرئيس إبراهيم رئيسي نائبًا له.
فرص مقيدة
على الرغم من تداول العديد من الأسماء لخوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة، إلا أن فرص هولاء المرشحين تظل مقيدة بموافقة مجلس صيانة الدستور، الذى يحق له تحديد الأسماء التى تخوض السباق الانتخابي أو منع آخرين من خوض ذلك السباق، ويؤدي ذلك الواقع إلى أن اختيار الرئيس القادم يخضع لتوازن القوى داخل هيكل النظام السياسي الإيراني ويكشف عن متغيرين رئيسيين يحسمان نتيجة السباق قبل أن يبدأ، وهما:
الأول: الهندسة الانتخابية: فالديمقراطية في إيران يمكن وصفها بالديمقراطية المدارة، فالمتتبع لواقع الانتخابات الرئاسية الإيرانية على مدى العقود الماضية يكتشف أن هناك العديد من الشخصيات السياسية التي تخوض معظم الفعاليات الانتخابية مثل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومجلس خبراء القيادة، بما يعنى أن النخبة الإيرانية مغلقة ويعاد تدوير عناصرها في المناصب بمستوياتها المتعددة، وبالتالي فإن الانتخابات الرئاسية تكون أقرب للفعاليات الانتخابية المدارة كديمقراطية إيران، وبما يعني أيضًا أن الفائز في الانتخابات يكون محدد سلفًا.
الأمر الذي عكسته الانتخابات الرئاسية عام 2021 التي أوصلت "رئيسي" إلى الحكم، واتسمت بالإقصاء الممنهج للمنافسين المعتدلين والمؤيدين للتغيير فى سياسات البلاد، ومنهم استبعاد علي لاريجاني من خوض المنافسه الانتخابية، ولم يقتصر الأمر على استبعاد المعتدلين بل شمل ذلك الاستبعاد أيضًا المحسوبين على التيار المحافظ ومنهم محمود أحمدي نجاد الرئيس الإيراني الأسبق، فضلًا عن انسحاب محمد باقر قاليباف رئيس مجلس الشورى، لإعطاء مساحة أوسع لإبراهيم رئيسي.
الثاني: مركزية دور المرشد الأعلى فى تحديد شخص الرئيس القادم، لكونه مركز الثقل الرئيسي داخل النظام السياسي الإيراني، لأن علي خامنئي، هو أعلى سلطة دينية وسياسية في إيران تولى منصبه منذ عام 1989 ويبقى فيه مدى الحياه، ووفقًا للمادة 110 من الدستور يتولى المرشد الأعلى العديد من الصلاحيات المؤثرة داخل النظام الإيراني، ومنها تعيين وإقالة كبار القادة والمسؤولين الحكوميين وقيادة القوات المسلحة، وقيادة الحرس الثوري الإيراني. يضاف إلى ذلك فإن المرشد الأعلى يعين نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور البالغ 12 عضوًا، ويختار النصف الآخر مجلس القضاء ويوافق على تعيينهم مجلس الشورى، إضافة إلى حق مجلس صيانة الدستور فى إبطال قوانين يصدرها البرلمان (مجلس الشورى)، فإنه يملك السلطة أيضًا لحظر المرشحين من خوض الانتخابات، بما يعني الدور المحوري للمرشد الأعلى في تحديد مَن يخلف إبراهيم رئيسي، ليظل الاحتمال الأكبر في أن يأتي الرئيس الجديد من نفس التيار المحافظ الذي جاء منه رئيسي ويدعمه المرشد الأعلى.
مجمل القول من المرجح أن يبحث النظام الإيراني عن رئيس جديد يمكنه من الحفاظ على وحدة التيار المحافظ المتشدد، وضمان استمرار الولاء للمرشد علي خامنئي، لذلك ثمة احتمال أن يدعم التيار المحافظ محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الإيراني والمدعوم من خامنئي، الذي حاول مرات متعددة الوصول إلى منصب الرئيس، ويعتبره الكثيرون تكنوقراطيًا أكثر منه أيديولوجيًا، لا سيما أنه شغل مناصب قيادية داخل الحرس الثوري الإيراني خلال الحرب الإيرانية العراقية، ومن المرجح أن يحظى بدعم أوساط الحرس الثوري، إذا ما قرر خوض المنافسة الانتخابية، وأقر مجلس صيانة الدستور أن يكون ضمن قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية، التي يبدو أنها أيضًا ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات، ومنها إمكانية وصول علي لاريجاني لسُدة الحكم، لتبقى فرص التيار المعتدل أيضًا قائمة.