الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انعكاسات حضور نائب وزير الدفاع الروسي حفل تنصيب "ديبي"

  • مشاركة :
post-title
ألكسندر فومين نائب وزير الدفاع الروسي

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

بعد مرور ثلاث سنوات من حكم المجلس الانتقالي لتشاد، 23 مايو 2024، شهدت العاصمة التشادية نجامينا حفل تنصيب الرئيس محمد إدريس ديبي، عقب فوزه رسميًا في الانتخابات الرئاسية التي جرت 6 مايو الجاري، بنسبة 61.03% من الأصوات، وشارك كبار الشخصيات الإفريقية والدولية في فعاليات حفل التنصيب وأداء اليمين الدستوري، وكان من أبرز الشخصيات التي لفتت أنظار الحاضرين، ألكسندر فومين، نائب وزير الدفاع الروسـي، رفقة وفد روسي رفيع المستوى.

وأوفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وزيره المنتدب المسؤول عن التجارة الخارجية والفرانكفونية فرانك ريستر؛ لتمثيله في حفل التنصيب، لكن أحدث حضور فومين جدلًا، وتعددت التفسيرات التي عمدت إلى محاولة تحليل أسباب حضوره في حفل تنصيب ديبي، ولا شك أن حضوره في هذا الحدث المهم سينعكس بالفعل على الدور الفرنسي في تشاد بصفة خاصة ومنطقة الساحل الإفريقي بشكل عام.

تأسيسًا على ما سبق، يسعى هذا التحليل لتوضيح انعكاسات حضور نائب وزير الدفاع الروسي حفل تنصيب "ديبي" على الدور الفرنسي.

تفسيرات متعددة

تتمثل أبرز التفسيرات حول معنى حضور ألكسندر فومين، نائب وزير الدفاع الروسي في:

(*) رسالة لفك الارتباط عن الغرب: يمكن تفسير حضور فومين حفل تنصيب ديبي على أنها بمثابة رسالة يحرص الرئيس التشادي على إرسالها إلى الغرب عامة وفرنسا خاصة؛ لتأكيد تعزيز العلاقات بين روسيا وتشاد، بما يؤكد رغبة ديبي في فك الارتباط مع الشركاء الغربيين، ومن ثم محاولة إقناع الغرب أن تشاد لن تتأثر بغياب شركاء آخرين غربيين ما دامت روسيا تتصدر المشهد الأمني والعسكري، إلى جانب إثبات حقيقة قدرة تشاد على تنويع شركائها في ظل الديناميات السياسية المعقدة التي تمر بها منطقة الساحل الإفريقي، خاصة مع تراجُع السلطات التشادية ثقتها في حلفائها الغربيين تحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا؛ إذ فشلتا من وجهة نظر دول إفريقية في تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة وإبطال العمليات التي تسعى الجماعات الإرهابية لتنفيذها في حق المدنيين الأفارقة، فضلًا عن عجزها عن حماية دول الساحل الإفريقي من جملة التوترات السياسية التي تعرضت لها تشاد ودول الجوار تحديدًا مالي، النيجر، وبوركينا فاسو.

(*) تعزيز العلاقات بين موسكو ونجامينا: بالاطلاع على آخر التطورات بين كل من روسيا وتشاد، يتضح أن الرئيس ديبي حريص على إرسال إشارات قوية واضحة تؤكد رغبته في أن تصبح روسيا هي الشريك القادم لتشاد، كما يشير حضور نائب وزير الدفاع الروسي في جميع الزيارات المتبادلة بين موسكو ونجامينا في الآونة الأخيرة إلى مدى تركيز تشاد على تعزيز العلاقات التشادية الروسية في مجال الدفاع والأمن بمنطقة تحف بمخاطر كبرى كمنطقة الساحل الإفريقي.

وفي 23 يونيو 2021، شارك وفد تشادي بقيادة الفريق الراحل داوود يحيى إبراهيم، في المؤتمر الدولي التاسع للمؤتمر الأمني بموسكو، والتقى الوفد التشادي آنذاك ألكسندر فومين، نائب وزير الدفاع الروسي، ويتزامن اللقاء مع موعد تشكيل المجلس الانتقالي في تشاد برئاسة "محمد ديبي"، ولتعزيز العلاقات الثنائية بين موسكو ونجامينا، وقعت اتفاقيات عسكرية تبشر بتواجد عسكري روسي قوي في المنطقة.

وفي 24 يناير 2024، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نظيره التشادي محمد ديبي والوفد المرافق له في موسكو، والتقى الدجو يعقوب، وزير الدفاع التشادي، وألكسندر فومين، نائب وزير الدفاع الروسي، وتم توقيع عدد من الاتفاقيات العسكرية بين البلدين؛ لتحقيق التعاون العسكري بينهما على أرض الواقع، لذلك تحرص نجامينا على التقارب مع موسكو في ظل ارتفاع المشاعر المعادية لفرنسا.

انعكاسات على الدور الفرنسي

يعكس التقارب الروسي التشادي الذي عبر عنه حضور نائب وزير الدفاع الروسي، حجم المخاوف التي تنتاب فرنسا، إذ خسرت باريس وجودها العسكري في دول التحالف الثلاثي "مالي، النيجر، وبوركينا فاسو"، عقب التوترات السياسية التي شهدتها، وتخشى خسارة دولة تشاد التي تُعد حلقة الوصل الأخيرة بين باريس ومنطقة الساحل الإفريقي، وأحد أهم مفاصل العمود الفقري الفرنسي بإفريقيا، وتمتلك فرنسا ما يقرب من 1000 جندي معروفين باسم القوات الفرنسية بتشاد مكلفون بضمان حماية المصالح الفرنسية والمواطنين الفرنسيين، إلى جانب تقديمهم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للجيش التشادي، وكانوا أيضًا جزءًا من المبادرات الإقليمية ومبادرات مكافحة الإرهاب، ولهم قواعد في العاصمة نجامينا وأبيشي في الشرق ومفرزة في فايا بالشمال.

وخلال الفترة الانتقالية التي قادها ديبي، أثارت جماعات المعارضة المحلية في تشاد احتجاجات ضمت آلاف الأشخاص في مناسبات متعددة للمطالبة برحيل ما يقرب من 1000 جندي فرنسي البلاد للتحرر من السياسات الفرنسية الأبوية والاستعمارية، التي استمرت لعقود من الزمان. وفي الثامن من مارس 2024، صرّح جان ماري بوكل، مبعوث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إفريقيا والمكلف ببحث الانتشار العسكري الفرنسي الجديد في القارة، بأن باريس ستبقي على قواتها البالغ قوامها قرابة 1000 جندي في تشاد، فمخاوف فرنسا تتزايد بشأن قاعدتها العسكرية في نجامينا كلما زاد التقارب الروسي التشادي خاصة مع مشاعر العداء الصاعدة لفرنسا. لذلك شكل حضور "فومين" توترًا لحكومة باريس بشأن نفوذها في تشاد، بالإضافة إلى خشيتها من إصدار قرار تشادي غير محسوب شأن الولايات المتحدة الأمريكية التي قررت تشاد سحب قواتها العسكرية من قاعدة "أدجي كوسي" الجوية المتمركزة في نجامينا. ووسط مزاحمة روسية في تشاد، تواجه فرنسا تحديات جمة، وما بين فك الارتباط الفرنسي عن تشاد وإعادة التموضع، لا يزال الدور الفرنسي في تشاد يتراجع يومًا بعد يوم.

ختامًا، يمكن القول إن الانتصار الانتخابي لـ"محمد ديبي" في الانتخابات الرئاسية التشادية 2024، يؤكد الاستجابة للتحركات الروسية المكثفة التي تسعى لزيادة نفوذها في تشاد، ومن ثم تقويض النفوذ الغربي تحديدًا الفرنسي، فما زال الطريق التشادي محفوفًا بالمخاطر، وباتت الحاجة إلى تحقيق الإصلاح الديمقراطي في تشاد على المحك، حتى لا تؤثر عواقبها على ما هو أبعد من حدودها، ولا شك أن قرارات "محمد ديبي"، خلال الفترة المقبلة ستغير المشهد على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومن المرجح ألا يؤدي زيادة التعاون بين تشاد وروسيا بالضرورة إلى استبعاد استمرار التعاون التشادي مع الشركاء الغربيين.