الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انعكاسات مقتل "يايا ديلو" في تشاد

  • مشاركة :
post-title
المعارض التشادى الراحل "يايا ديلو"

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

قبل أقل من ثلاثة أشهر من الموعد المقرر لإجراء الانتخابات الوطنية، أعلن المدعى العام التشادي عمر محمد كديلاي، خلال مؤتمر صحفي يوم 29 من فبراير الماضي، عن نبأ مقتل السياسي المعارض يايا ديلو في اليوم السابق؛ نتيجة لأعمال عنف شهدتها العاصمة نجامينا، بتبادُل لإطلاق النار بالقرب من مقر الحزب الاشتراكي بين ممثلي الحزب وقوات الأمن، وبرر جهاز الأمن هذا الهجوم لاقتحام عضو الحزب أحمد الترابي، وكالة أمن الدولة الوطنية ومحاولة قتل رئيس المحكمة العليا سمير آدم النور، وهذه الاتهامات نفاها ديلو، وتفاقمت الأوضاع بأنّ عمّ الرئيس الانتقالي الجنرال صالح ديبي، انضم إلى حزب ديلو، وورد أنه تم اعتقاله لاحقًا.

يذكر أن اليوم الذي قُتِل فيه "ديلو" يصادف الذكرى السنوية لمقتل والدته في 28 فبراير 2021 أثناء هجوم عنيف على منزل ديلو، فعلى الرغم من الظروف غير الواضحة لمقتل ديلو، إلا إن حجم المخاطر التي يواجهها المعارضون في تشاد كبير، وكشفت أعمال العنف التي وقعت خلال الأسبوع الأول من مارس الجاري عن مدى التعقيد الذي يتخلل الروابط العرقية والعائلية التي تشكل سياسات النخبة الحاكمة في تشاد.

إنفوجراف عن الزعيم المعارض الراحل "يايا ديلو"

تأسيسًا على ما سبق، يسعى التحليل للإجابة على سؤال: ما انعكاسات مقتل زعيم المعارضة "يايا ديلو" واعتقال عم الرئيس "صالح ديبي" على الوضع الأمني في تشاد؟

اضطرابات داخلية

أدى مقتل يايا ديلو واعتقال صالح ديبي، إلى حدوث فوضى في الداخل التشادي، إذ اضطربت الأوضاع بسبب:

(*) انقسامات داخل النخبة الحاكمة: جاء اعتقال صالح ديبي؛ لتصفية حسابات شخصية ناتجة من قيادته جماعات مسلحة تستهدف أبناء أخيه من ضمنهم الرئيس الحالي محمد ديبي، ويتزعم صالح ديبي منظمة قبلية سياسية تسمّى M29 تتسم بالعنصرية. فعقب مقتل يايا ديلو، تم اعتقال صالح ديبي نتيجة انحيازه له. ويبدو أن الأسرة الحاكمة انقسمت عقب الإعلان عن وفاة ديلو، فمنهم انحاز لديلو وتأثر بوفاته وعارض الرئيس الحاكم أمثال صالح ديبي، وآخرون مؤيدون للرئيس الحالي ويقبلون الوضع الراهن، وهذا يعنى أن محمد ديبي سيكون محاصرًا بمعارضين جدد.

(*) خلافات بين المعارضة والحكومة: حدثت خلافات شخصية بين ديلو ومحمد ديبي؛ بسبب محاولات الأول الكشف عن حقيقة وفاة الرئيس السابق، إذ دعا يايا ديلو قبل وفاته إلى ضرورة إجراء تحقيق في وفاة الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي؛ نظرًا لوجود شكوك من جانبه بشأن تورط الرئيس الحالي محمد ديبي ونائبه الشخصي في الوفاة. لذلك، كان الخلاف القائم بين ديلو ومحمد ديبي؛ نتيجة انحياز ديلو لسالاى ديبي الشقيق الأصغر للرئيس الراحل إدريس ديبي، وهذا الانحياز يرفضه محمد ديبي.

(*) انقسامات بشأن موعد الانتخابات: وفقًا للمراقبين تبدأ مرحلة انتقال تشاد للحكم الديمقراطي، بإجراء انتخابات حرة نزيهة، عرقلها محمد ديبي؛ وكان من المقرر إجراء الانتخابات في موعد سابق لكنه قرر تمديد الموعد النهائي إلى 18 شهرًا؛ نتيجة تمسكه بالسلطة، فهو يرغب في البقاء بالسلطة، وينتهج سياسة والده بفرض قرارات فردية، يعد أهمها قراره بتمديد الفترة الانتقالية، بالإضافة إلى محاولته -وفقًا للمتخصصين- الخلاص من منافسيه في انتخابات مايو المقبل.

إنفوجراف عن رئيس تشاد الحالي والمرشح لخوض الانتخابات المقبلة محمد إدريس ديبي

(*) انقطاع الخدمات: عقب الإعلان عن مقتل ديلو، شهدت العاصمة نجامينا في السادس من مارس 2024 توقفًا في خدمات شبكات الهاتف المحمول والإنترنت، بالإضافة إلى انتشار جنود من الجيش في أرجاء البلاد حتى تم تقييد الوصول إلى المناطق الرئيسية، بما في ذلك القصر الرئاسي. وعلى الرغم من محاولات الحكومة إحكام السيطرة ومنع التصعيد، إلا إن السكان أعربوا عن قلقهم بشأن تلك الاضطرابات التي أثرت على حياتهم الاجتماعية، وأشعرتهم بالعزلة عند انقطاع بعض الخدمات.

انعكاسات محتملة

انعكاسات محتملة سببها اضطراب الوضع الأمني الناتج عن مقتل يايا ديلو واعتقال صالح ديبي، يتمثل أبرزها في:

(*) تقويض العملية الانتخابية: استهداف يايا ديلو، من المرجح أن يؤدي إلى تراجع بعض المرشحين عن قرار ترشحهم للانتخابات المقبلة، هذا بالإضافة إلى تشكك المعارضة فى نتائج الانتخابات؛ نتيجة السياسات المتبعة مع المرشحين المحتملين.

(*) إثارة غضب عشيرة الزغاوة: ينتمي كل من يايا ديلو ومحمد ديبي إلى أقلية الزغاوة العرقية التي هيمنت على السلطة في تشاد لأكثر من ثلاثة عقود، لكن العشيرة يتخللها الانقسام بشأن شرعية الرئيس الانتقالي محمد ديبي، فمنهم من كان يؤيد ديلو المعارض وآخرون يؤيدون ديبي الحاكم. ومن المحتمل أن يغذي مقتل ديلو واعتقال صالح ديبي، رغبة الزغاوة في الانتقام بإعلان الحرب على النظام الحاكم.

(*) تصاعُد مخاوف الغرب: تعتبر تشاد من الدول التي يخشى الغرب خسارتها في إفريقيا الوسطى، وتحديدًا فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وينظر الغرب إلى تشاد على أنها محور الاستقرار في إفريقيا الوسطى. ونلاحظ مع حدوث تلك الاضطرابات الأمنية لم تبد أية دولة غربية رد فعل، ويمكن تفسير ذلك بأن الغرب يسعى للحفاظ على مصالحه دون التدخل فى الشؤون الداخلية للدولة. حيث تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية تشاد حليفًا مهمًا، وتمتلك نجامينا لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن. أما فرنسا، فتعد من الدول ذات الوضع الحساس في القارة السمراء؛ نتيجة انسحابها من مالي والنيجر وتشاد، فتخشى انسحاب قواتها وقواعدها العسكرية من تشاد كما حدث مع دول التحالف الثلاث، لذلك تسعى فرنسا لعدم تكرار المشهد الذي كلفها الكثير، وتحاول القضاء على أية مشاعر مناهضة ضدها فى المنطقة.

(*) استغلال الجماعات المسلحة الأوضاع المضطربة: من المحتمل أن يمكن الموقع الجغرافي لتشاد بين السودان وليبيا، الجماعات المسلحة من استغلال الوضع الأمني؛ لتهريب الأسلحة التي تستخدمها فى هجماتها الدامية ضد المدنيين، خاصة أن هذه المنطقة تشهد زخمًا من الصراعات والنزاعات.

ختامًا، يمكن القول إن أحداث مقتل المعارض يايا ديلو واعتقال صالح ديبي، بمثابة سحابة سوداء تخيم على انتخابات انتقال تشاد للحكم الديمقراطي المقرر انعقادها في الـ6 من مايو 2024، وأكد المراقبون أن الانتخابات ستفقد نزاهتها ومصداقيتها في حال تفاقُم الأوضاع، خاصًة أن مجلس النواب التشادي يعتمد الرئيس الحالي محمد ديبي رئيسًا للبلاد. 

ومن المتوقع، في حالة تخلص محمد ديبي من تلك الخلافات، أن يفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة خاصًة في ظل غياب المعارضة القوية التي يمكن أن تشكل تهديدًا له في السباق للرئاسة، فالانتخابات ستحسم الجدل بشأن استمرار تلك الاضطرابات أو تلاشيها.