في الأشهر السبعة التي تلت بدء إسرائيل قصف قطاع غزة وفرض الحصار على سكانه، تعرض اقتصاد القطاع للسحق، واضطر الناس إلى الفرار من منازلهم ووظائفهم، بعد قصف الأسواق والمصانع والبنية التحتية وتسويتها بالأرض. أمّا الأراضي الزراعية، فقد تعرضت للحرق؛ بسبب الغارات الجوية أو احتلتها القوات الإسرائيلية.
من هنا، نشأ "اقتصاد الحرب" في القطاع، وهو سوق يركز على الأساسيات اللازمة للبقاء، مثل الغذاء والمأوى والمال، والذي تناوله تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
يقول التقرير: "يُمكن للناس أن يكسبوا بضعة دولارات يوميًا، من خلال إجلاء النازحين على ظهور الشاحنات والعربات التي تجرها الحمير، بينما يحفر آخرون المراحيض، أو يصنعون الخيام من الأغطية البلاستيكية والخشب".
يضيف: "نظرًا للأزمة الإنسانية المتزايدة، أصبح الوقوف في الطابور بمثابة عمل بدوام كامل، سواء في مواقع توزيع المساعدات، أو في المخابز القليلة المفتوحة، أو في عدد قليل من أجهزة الصراف الآلي أو محلات الصرافة".
ونقلت الصحيفة عن، رجا الخالدي، الاقتصادي الفلسطيني المقيم في الضفة الغربية المحتلة، إشارته إلى أن القطاع يعيش على "اقتصاد الكفاف".
وقال: "إنها ليست مثل أي حرب رأيناها من قبل، حيث يتم استهداف منطقة معينة وتكون مناطق أخرى أقل تأثرًا، ويمكنها إعادة الانخراط بسرعة في الظروف الاقتصادية".
سلاح التجويع
في السنوات التي سبقت العدوان الإسرائيلي على القطاع، بدأ الاقتصاد في غزة -حتى في ظل الحصار الجوي والبري والبحري الخانق الذي فرضته إسرائيل- في التحسن.
الآن، يواجه غالبية الفلسطينيين في قطاع غزة الفقر على مستويات متعددة، بشكل يتجاوز نقص الدخل، ويشمل محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والإسكان، وفقًا لتقرير صدر أخيرًا عن البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وقال التقرير إن نحو 74% من السكان عاطلون عن العمل، بينما قبل الحرب، كان معدل البطالة، على الرغم من ارتفاعه، وفقًا للعديد من المعايير، يصل إلى 45%.
وقال التقرير إن الصدمة التي تعرض لها اقتصاد غزة، هي واحدة من أكبر الصدمات في التاريخ الحديث، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي للقطاع بنسبة 86% في الربع الأخير من عام 2023.
أيضًا، قبل الحرب، كانت تدخل إلى قطاع غزة يوميًا نحو 500 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية والوقود والسلع التجارية.
وبعد بدء الحرب وفرض قيود إسرائيلية جديدة، انخفض هذا العدد بشكل ملحوظ، ليصل إلى 113 يوميًا في المتوسط، على الرغم من ارتفاعه بشكل متواضع في الأشهر الأخيرة.
يقول التقرير: "حتى مع الضغوط، فإن هذا أقل بكثير مما تقول وكالات الإغاثة إنه ضروري لإطعام سكان غزة".
والآن، توقف تدفق المساعدات والسلع تقريبًا، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح الفلسطينية وإغلاق جيش الاحتلال للمعبرين الرئيسيين الحدوديين بشكل شبه كامل. ما أدى إلى انتشار الجوع في جميع أنحاء القطاع، فيما وصفته جماعات حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة باستخدام إسرائيل التجويع كسلاح.
ارتفاع الأسعار
منذ تضييق الخناق على رفح الفلسطينية، ارتفعت أسعار السلع في الأسواق. وتلفت "نيويورك تايمز" إلى أنه "حتى قبل تدهور الوضع في رفح، كانت عمليات تسليم المساعدات غير متسقة وفوضوية بسبب القيود العسكرية الإسرائيلية".
يضيف التقرير: "بدون إيصال المساعدات الكافية، يجب على السكان اللجوء إلى الأسواق المؤقتة. وهناك غالبًا ما تتبع الأسعار تصاعد وتيرة العدوان".
كان السكر يباع في أسواق رفح الفلسطينية بـ 7 شيكل -أي أقل من دولارين- وفي اليوم التالي، مع إغلاق معبر كرم أبو سالم الحدودي، ارتفع السعر إلى 25 شيكل. وفي اليوم التالي، انخفض سعر السكر إلى 20 شيكل.
وفي مقابل المزاعم الإسرائيلية بأن حركة حماس تقوم بالاستيلاء على مواد الإغاثة الدولية، نقلت الصحيفة عن، إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي لحركة حماس في القطاع، ومدير عام شبكة الرأي الفلسطينية، أن الادعاءات بأن الحكومة في غزة تسرق المساعدات كاذبة وغير صحيحة على الإطلاق.
وأوضح "الثوابتة" أن عمليات نهب المساعدات يقوم بها عدد صغير من الأشخاص، مًشيرًا إلى أن الحركة حاولت قمع عمليات النهب هذه، لكن الشرطة وأفراد الأمن التابعين لها تعرضوا للاستهداف من قبل الغارات الجوية الإسرائيلية.