كشف تحقيق لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، اعتمد على مقابلات مع مسؤولين حاليين وسابقين في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، ووزارة الخارجية ووكالات المعونة العاملة في غزة، أن إدارة الرئيس جو بايدن رفضت أو تجاهلت مناشدات لاستخدام نفوذها للسماح بدخول مساعدات إنسانية كافية للقطاع لوقف المجاعة.
وقال مسؤولون سابقون في الوكالة، حسب التحقيق، إن الولايات المتحدة قدمت غطاءً دبلوماسيًا لإسرائيل لتهيئة الظروف لحدوث مجاعة، من خلال عرقلة الجهود الدولية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، أو تخفيف الأزمة، مما يجعل تسليم المساعدات أمرًا شبه مستحيل.
ونقلت الصحيفة عن جوش بول، المسؤول السابق في وزارة الخارجية، والذي استقال بسبب دعم الولايات المتحدة للحرب، قوله: "هذا لا يعني مجرد غض الطرف عن المجاعة التي يعانيها شعب بأكمله، بل هو تواطؤ مباشر".
وخلصت الصحيفة البريطانية، في سياق التحقيق، إلى أنه "كان من الممكن منع وفاة هؤلاء الأطفال، لو كان رد فعل الرئيس بايدن أكثر قوة"، متهمًة الرئيس والإدارة الأمريكية بالتواطؤ مع الاحتلال.
معارضة داخلية
وأشار مسؤولون تحدثوا للصحيفة البريطانية، إلى أنه منذ ظهور أولى التحذيرات في ديسمبر الماضي، كان من الممكن أن يؤدي الضغط الأمريكي المكثف على إسرائيل لفتح المعابر البرية من أجل المساعدات، إلا أن بايدن رفض جعل المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل مشروطة، وبدلاً من ذلك، اتبعت الإدارة الأمريكية حلول مساعدات جديدة وغير فعّالة، مثل المشاركة في عمليات الإنزال الجوي، والرصيف العائم الذي توقف تشييده حاليًا.
ولفت التحقيق إلى أن مستوى المعارضة داخل الوكالة الحكومية الأمريكية المسؤولة عن إدارة المساعدات الخارجية المدنية ومكافحة الجوع العالمي "لم يسبق له مثيل".
ومنذ بداية العدوان، تم إرسال ما لا يقل عن 19 مذكرة معارضة داخلية من قبل العاملين في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تنتقد الدعم الأمريكي للحرب في غزة.
وفي مذكرة معارضة جماعية داخلية، صاغها العديد من موظفي الوكالة هذا الشهر ، اتُهمت إدارة بايدن بالفشل في دعم المبادئ الإنسانية الدولية والالتزام بتفويضها لإنقاذ الأرواح.
ودعت مسودة المذكرة الإدارة الأمريكية، إلى ممارسة الضغط من أجل "إنهاء الحصار الإسرائيلي الذي يسبب المجاعة".
أجساد هزيلة
ووفق آرفيند داس، قائد فريق أزمة غزة في لجنة الإنقاذ الدولية "أصبح من المعتاد الآن رؤية الأطفال والنساء الذين صاروا بلا لحم حرفيًا".
وقال: "لقد رأيت أطفالاً بلا طعام، ولا مياه صالحة للشرب".
وأكد طبيب طوارئ من المملكة المتحدة، يعمل في مستشفى في غزة بالقرب من خان يونس، أن الأطفال على وجه الخصوص يعانون بشكل كبير.
وقال: "لدينا هنا أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عامًا، ووزنهم يعادل وزن أطفال تتراوح أعمارهم بين أربع أو خمس سنوات.. هناك سوء تغذية مزمن لدى معظم الأطفال -إن لم يكن جميعهم- ومن المحزن للغاية أن نرى ما يحدث لهم".
وفي السياق ذاته، قال مسؤولون في الأمم المتحدة ووكالات إغاثة لصحيفة "الإندبندنت"، إن عمليات التفتيش الشاملة للشاحنات، والقيود المنهجية على عمليات التسليم، والرفض التعسفي لدخول المواد "ذات الاستخدام المزدوج" مثل الشاحنات والإمدادات، التي تقول إسرائيل إن حماس قد تستخدمها في الحرب، أدت إلى تفاقم أزمة الجوع في غزة.
وكشفت مقابلات مع ما يزيد على عشرة من مسؤولي الأمم المتحدة وعمال الإغاثة والدبلوماسيين الذين يقومون بتنسيق المساعدات، أن هناك أيضًا قيودًا على توصيل المساعدات داخل غزة، مما يزيد الضغط على شمال القطاع المحاصر.
وكان نحو ثلثي سكان غزة يعتمدون على المساعدات الغذائية قبل الحرب، وكانت تدخل أكثر من 500 شاحنة إلى القطاع يوميًا، بما في ذلك الوقود.
إعاقة المنظمات الدولية
أظهرت وثائق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي تضمنها التحقيق، أن الموظفين كانوا ينقلون مخاوفهم بشأن عدم اتخاذ إجراءات، إلى مديرة الوكالة سامانثا باور، وغيرها من كبار القادة، في شكل رسائل ومذكرات معارضة داخلية، دون جدوى في كثير من الأحيان.
ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن مذكرات المعارضة -وهي نوع من الاحتجاج الداخلي المسموح به لتقديم تعليقات انتقادية- نادرة نسبيًا في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مقارنة بوزارة الخارجية.
ومع ذلك، قال موظف بالوكالة، إنهم على علم بما لا يقل عن 19 مذكرة تم إرسالها اعتراضًا على عدم اتخاذ الوكالة –والحكومة- أي إجراء بشأن المجاعة التي تلوح في الأفق، بينما لم تشهد الوكالة مذكرة واحدة طوال عهد الرئيس أوباما أو الفترة الأولى لبايدن.
أمّا الأونروا، وهي أكبر وكالة تابعة للأمم المتحدة تعمل في غزة، كانت قبل العدوان تقوم بتوفير وتوزيع الضروريات الأساسية للقطاع، مثل الغذاء والدواء والوقود.
وكانت الولايات المتحدة أكبر جهة مانحة للأونروا على الإطلاق، حيث ساهمت بما يقرب من نصف ميزانية التشغيل السنوية للوكالة، إلا أن الولايات المتحدة علقت هذا التمويل في أعقاب مزاعم إسرائيلية بأن حوالي 12 موظفًا في الأونروا متورطون في عملية "طوفان الأقصى"، وأن حوالي 10% من موظفيها لديهم علاقات مع حركة حماس؛ بينما وجدت مراجعة مستقلة أجرتها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا أن إسرائيل لم تقدم أي دليل داعم لهذه المزاعم.
وبحلول نهاية فبراير الماضي، قالت الأونروا إن إسرائيل منعتها فعليا من دخول شمال غزة.
وقالت المنظمة إن ما لا يقل عن 188 من موظفيها قتلوا منذ بداية الحرب، وأصيب أكثر من 150 من منشآتها -من بينها العديد من المدارس- وقُتل أكثر من 400 شخص "أثناء البحث عن مأوى تحت علم الأمم المتحدة".
أيضًا، قال جان إيجلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، وهو منظمة إنسانية تضم عشرات من عمال الإغاثة العاملين في غزة، إن "العجز الدبلوماسي كان مذهلاً".
وأضاف: "هنا رؤساء ورؤساء وزراء يسافرون إلى إسرائيل للتسول والحث على المناشدة، والجواب هو لا. وبعد ذلك يواصلون تقديم الأسلحة والدعم. من هي القوى العظمى هنا؟"
وقال جوش بول، الذي استقال من وزارة الخارجية احتجاجًا على الدعم الأمريكي للحرب في أكتوبر، إن هناك "معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل" في إدارة بايدن، بدءًا من الأسلحة إلى احترام القانون الإنساني الدولي.
وأضاف أن الإدارة لديها مجموعة من الأدوات تحت تصرفها للضغط على إسرائيل لوقف القيود على المساعدات "كان بإمكان الإدارة القيام بذلك من خلال تطبيق المادة 620I من قانون المساعدة الخارجية، الذي يحظر تقديم المساعدة إلى البلدان التي تقيد المساعدات الإنسانية التي تمولها الولايات المتحدة".
وفي الفترة ما بين 7 أكتوبر ونهاية فبراير، انخفض متوسط عدد الشاحنات الداخلة إلى القطاع لتصبح 90 شاحنة فقط في اليوم، أي بانخفاض قدره 82% عما كان عليه العدد في السابق.