الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تموقعت أزمة غزة على أجندة قمة المنامة 2024؟

  • مشاركة :
post-title
صورة تذكارية للقادة العرب في المنامة

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

استحوذت حرب غزة خاصة والقضية الفلسطينية عامة، على اهتمام كلمات الزعماء والقادة ورؤساء الوفود وأمناء المنظمات الإقليمية والدولية المشاركة في أعمال القمة العربية الثالثة والثلاثين، التي عُقدت يوم الخميس 16 مايو 2024 في قصر الصخير بمملكة البحرين.

وتكتسب القمة أهميتها من كونها أول قمة عربية في المنامة، وجاءت في ظرف عربي استثنائي، تنتشر فيه الأزمات والصراع في أرجاء الإقليم، بينما يكابد الشعب الفلسطيني مرارات القتل الممنهج وواسع النطاق، وتفشي الأوبئة والأمراض على وقع حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ عملية "طوفان الأقصى" 7 أكتوبر 2023، وهو ما كان حاضرًا بقوة في كلمات القادة، وعبرت عنه القمة في بيانها الختامي، لتخرج ببيان للقادة مخصص حول العدوان على غزة.

مسارات وآليات دعم القضية

جاء البيان الختامي في نحو 20 بندًا، تناول ثلاثة منها الوضع في غزة خاصة وأهمية وقف الحرب والانطلاق في مسار حل الدولتين، بينما مثل البند 4 وحده نحو 1007 كلمات من إجمالي 2700 كلمة تقريبًا، وبلغ مجمل ما تضمنه "إعلان البحرين" في الشأن الفلسطيني نحو نصف عدد كلمات الإعلان، وفيما يلي أبرز ما تناولته القمة وفعالياتها حول أزمة غزة:

(*) إدانة العدوان الإسرائيلي: أجمع القادة العرب على إدانة العدوان الإسرائيلي بأشد العبارات، وتحميله مسؤولية منع تفاقم الكارثية الإنسانية ومعالجة آثار عدوانه، إلى جانب الانسحاب الفوري وغير المشروط لآلياته وجنوده من القطاع، ومن ثم رفض إعطاء أي شرعية لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، وهو الموقف الذي تمسكت به كل من مصر والسلطة الوطنية الفلسطينية رغم الاتفاق على أولوية أن تؤول السيطرة على المعابر الفلسطينية مع مصر من الجنوب وإسرائيل من الشمال والشرق إلى سلطة فلسطينية موحدة، دون صدام داخل البيت الفلسطيني، إلى جانب الدعوة لتمكين الآليات الدولية المعنية بمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن جرائم الإبادة في غزة عبر تحقيق مستقل ونزيه.

(*) المصالحة ورفض الانقسام الفلسطيني: انتقد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، إعطاء فصائل المقاومة في غزة الذريعة لسلطات الاحتلال وحكومة نتنياهو من اليمين المتطرف لاحتلال القطاع وإيقاع نحو 120 ألف من المدنيين الفلسطينيين بين شهيد وجريح ومفقود، فضلًا عن تدمير 70% من البنية التحتية والمباني والمنشآت المدنية في قطاع غزة.

ودعا البيان الختامي للقمة كل الفصائل الفلسطينية للانضواء تحت مظلة "منظمة التحرير الفلسطينية"، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، بما يضمن التوافق على مشروع وطني جامع يدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وهو ما استقبلته "حماس" بالترحيب ببيان القمة ومخرجاتها.

رسائل الرئيس المصري بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

(*) التحرك الجماعي والالتزام بالحل السياسي: استكملت قمة المنامة منجزات القمة العربية الإسلامية الطارئة المنعقدة في الرياض في نوفمبر الماضي على وقع الحرب في غزة، والتي أسفرت عن تشكيل لجنة وزارية عربية إسلامية (تمثل مصر والسعودية والأردن وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا) أجرت العديد من المباحثات في عواصم صنع القرار الدولي؛ سعيًا لوقف الحرب وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، ودعت القمة لمواصلة اللجنة الوزارية العربية الإسلامية لعملها في إطار دعم مساعي تنفيذ حل الدولتين.

وفتحت القمة أفقًا جديدًا لآلية وزارية عربية تعمل على دعم إجراءات اعتراف أكبر عدد من دول العالم بالدولة الفلسطينية، لكسر محاولات تجميد مسار حل الدولتين عبر التعطيل الدائم للمفاوضات من قبل الجانب الإسرائيلي، وتقليص فاعلية الفيتو الأمريكي أمام إرادة العديد من دول العالم، وكذلك الدعوة الجماعية لعقد مؤتمر سلام دولي بات يكتسب زخمًا متزايدًا في الدول والمجتمعات الغربية التي انقسمت على نفسها إزاء الموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما ظهر في تأييد 143 دولة لأحقية فلسطين بالعضوية الكاملة خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 مايو الجاري، والتي أوصت مجلس الأمن بإعادة النظر في قراره برفض إعطاء فلسطين العضوية الكاملة منتصف أبريل الماضي.

(*) إلزام المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته: وجّه القادة خطاباتهم للمجتمع الدولي، واستحثّت بعض الخطابات الضمير الإنساني الذي لا يفرق بين البشر وعلى أُسس عرقية، في إشارات مباشرة لازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع الحرب في أوكرانيا والإسراع في الدعم العسكري والسياسي والإنساني لكييف والشعب الأوكراني من جهة، واستمرار الحرب في غزة ومواصلة الدعم العسكري والدبلوماسي للعدوان الإسرائيلي وضمان إفلاته من المحاسبة، عبر الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الدولي وشحنات الأسلحة الفتاكة المتواصلة لجيش الاحتلال بعد أكثر من 223 يومًا من بدء الحرب.

وكان من اللافت المفردات والعبارات التي تناولتها خطابات الرئيس المصري في هذا الصدد، إذ كان الرئيس السيسي أول المحذرين من انفجار الأوضاع في ضوء سياسة "إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" خلال القمة العربية السابقة بالمملكة العربية السعودية، وخلال الأيام الأولى للحرب، لفتت أركان الدولة المصرية -وفي المقدمة الرئيس السيسي- إلى سيناريو التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم بقطاع غزة كخطوة أولى لتهجير أهالي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ومن ثم تقويض أسس القضية الفلسطينية العادلة، بفقدان أحد الأركان الأساسية لمشروعية حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

وتطرقت القمة كذلك لتنفيذ القرارات والإجراءات الأممية بشأن التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية عبر تسريع تنفيذ وتفعيل الآلية الأممية لتسهيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وفق قرار مجلس الأمن 2720 والتي عين بموجبها الأمين العام للأمم المتحدة السيدة سيجريد كاخ منسقة عليا للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، في أواخر ديسمبر الماضي.

رسائل الرئيس المصري للمجتمع الدولي بشأن غزة

وتأكيدًا على خطورة الوضع الراهن في ضوء استمرار التوغل الاستيطاني في الضفة الغربية وتآكل الارتباط الجغرافي بين بعض المحافظات والمدن الفلسطينية في الضفة، إلى جانب مخططات مواصلة العمليات في قطاع غزة لفترة زمنية تتجاوز سنوات وتستنسخ نموذج التوغل العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية، دعت القمة لنشر قوة حماية وحفظ سلام دولية تتبع منظمة الأمم المتحدة، لتجسيد الحل الشامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ينتهي بتأسيس الدولة الفلسطينية ومنع تقويض حل الدولتين.

وختامًا؛ يمكن القول إن قمة البحرين أرست الأرضية لتحرك عربي شامل ومتعدد المسارات لدعم الحق الفلسطيني في المحافل الدولية وتحقيق الاعتراف بدولة فلسطين ذات السيادة القابلة للحياة والمترابطة جغرافيًا، انطلاقًا من ثوابت ومقررات الشرعية الدولية بشأن إنفاذ حل الدولتين، واستعادة الثقة بعدالة النظام الدولي منعًا للوصول إلى لحظة انهيار تنعكس آثارها على الأمن والسلم الدوليين.

إن التأكيد العربي على مركزية القضية الفلسطينية، ليس فقط في وجدان الدول والشعوب العربية، وإنما كذلك على حالة الاستقرار والأمن الإقليمي، يشير إلى خطورة التصعيد في المنطقة والوقوف على حافة انفجار إقليمي جراء التصعيد والتعنت الإسرائيلي لاستمرار الحرب، وهو ما اقتضى أن تراعي الرؤية العربية المتمخضة عن قمة البحرين التأكيد على السلام وفتح الباب أمام الالتزام بمقررات الشرعية الدولية وكل القنوات التي تضمن تحقيق حل الدولتين، بالتوازي مع رفض تجزئة الصراع في أحد أبعاده دون النظر لشمول الأزمة في غزة على جذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعدم جدوى استراتيجية "إدارة الصراع" الدولية في تهدئة الصراع أو المساعي الإسرائيلية في تقويض فرص قيام دولة فلسطينية.