الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الرسائل العشر للقمة العربية الإسلامية غير العادية

  • مشاركة :
post-title
قادة الدول العربية والإسلامية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء انعقاد القمة العربية الإسلامية غير العادية في العاصمة السعودية الرياض 11 نوفمبر 2023 بهدف بحث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، الذي راح ضحيته ما يزيد على 11 ألف شهيد فلسطيني، وسقوط ما يزيد على 25 ألف جريح، بسبب استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي للمدنيين العزّل، وللمنشآت السكنية، والمدارس والمستشفيات والبنى التحتية ومقرات منظمات الإغاثة، ورافق ذلك العدوان عدم احترام إسرائيل لأي من مبادئ القانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني أو القواعد المتعارف عليها فى حماية المدنيين خلال المواجهات العسكرية، الأمر الذي أدى لأن يكون قرار القمة الختامي، يرتكز على إدانة العدوان الإسرائيلي، ورفض توصيف هذه الحرب بأنها دفاع عن النفس.

دلالات متعددة:

جاء انعقاد القمة في هذا التوقيت، ليعكس عددًا من الدلالات، يمكن الإشارة إلى أهمها فيما يلي:

(*) مركزية القضية الفلسطينية: عكست القمة العربية الإسلامية التي شاركت فيها 57 دولة عربية وإسلامية "مركزية القدس" في الوجدانين العربي والإسلامي، وعكست تفاعلات تلك الدول، سواء على مستوى النخب الحاكمة أو على مستوى الجماهير في الشوارع بأن القضية الفلسطينية لا تزال تمثل قضية العرب الأولى، كما أن للقدس الشريف رمزيته الدينية لدى الشعوب الإسلامية باعتباره أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الرسول الكريم، فضلًا عن كونه ثاني مسجد بني في الإسلام بعد المسجد الحرام.

(*) التشاور السياسي: جاء انعقاد القمة العربية الإسلامية غير العادية باعتبارها منصة ضرورية للتشاور السياسي بين قادة الدول العربية والإسلامية في ظل ظروف استثنائية يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة من قتل وحصار وعقاب جماعي، واستهداف للمدنيين ومحاولات التهجير القسري، الأمر الذي أجمع على رفضه وإدانته المشاركون في فعاليات القمة.

(*) السقوط الأخلاقي للمنظومة الغربية: جسَّد انعقاد القمة العربية الإسلامية غير العادية الرغبة في موازنة الموقف الغربي الداعم والمنحاز لإسرائيل، الذي مثل سقوطًا مدويًا للمنظومة القيمية والأخلاقية الغربية التي ترفع شعارات زائفة حول حق الشعوب فى تقرير مصيرها، وحماية حقوق الإنسان، وتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف خلال الحروب.

كما كشف هذا الموقف عن المعايير المزدوجة وتهافت الادعاءات الإنسانية التي سقطت مع اعتبار أن ما تقوم به دولة الاحتلال هو من قبيل "الدفاع عن النفس" ضد شعب أعزل، فقد مثّل الموقف الغربي وفى مقدمته الأمريكي انحيازًا وتسويغًا للعدوان الإسرائيلي على غزة في ظل دعم عسكري لا محدود بحرًا وجوًا جسّده وصول حاملتي الطائرات "فورد" و"أيزنهاور"، فضلًا عن الغواصة النووية "أوهايو".

الرسائل العشر

حملت القمة العربية الإسلامية غير العادية رسائل متنوعة بين معالجة آثار العدوان والتأكيد على أولوية استعادة مسار المفاوضات، ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الرسائل على النحو التالي:

الرئيس الفلسطيني خلال القمة

(&) إدانة العدوان على غزة: أكد قادة الدول العربية والإسلامية في كلماتهم أمام القمة إدانتهم ورفضهم العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي راح ضحيته آلاف الضحايا المدنيين العُزّل من الأطفال والنساء والشيوخ، وجاء البند الأول من قرار القمة ليدين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللا إنسانية التي ترتكبها حكومة "الاحتلال الاستعماري" خلاله، ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية والمطالبة بضرورة وقفه فورًا

(&) رفض التهجير القسري: جدد القادة رفض كافة الممارسات التي تستهدف التهجير القسري للفلسطينيين في كافة الأراضي المحتلة إلى أي مكان خارج أرضهم، ورفض سياسة العقاب الجماعي لأهالي غزة من قتل وحصار، وأن هذا العدوان الغاشم لا يمكن تبريره بالدفاع عن النفس ولا بأية دعاوى أخرى.

(&) الوقف الفوري لإطلاق النار: طالب القادة المشاركون في القمة بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار دون قيد أو شرط، ووقف العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وتوفير ممرات إنسانية لإغاثة المدنيين، وتمكين المنظمات الدولية الإنسانية من أداء دورها فى إدخال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء ومستلزمات طبية.

(&) حل الدولتين: اعتبر قادة الدول العربية والإسلامية بأن التوصل إلى صيغة لتسوية الصراع، بناءً على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، التي تتطلب إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة التي أقرتها الأعراف والمواثيق الدولية، على أن يكون الحل السياسي شاملًا لكل أراضي فلسطين الضفة والقدس وغزة.

(&) امتداد الصراع: اعتبر قادة الدول العربية والإسلامية أن الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة يعرّض المنطقة برمتها إلى صدام كبير يدفع ثمنه الأبرياء من الجانبين، وتطال نتائجه العالم كله، كما حذّر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من أن "التخاذل عن وقف الحرب ينذر بتوسع المواجهات العسكرية في المنطقة"، وأنه "مهما كانت محاولات ضبط النفس، فإن طول أمد الاعتداءات وقسوتها غير المسبوقة كفيلان بتغيير المعادلة وحساباتها بين ليلة وضحاها".

(&) فشل المجتمع الدولي: دعا قادة الدول العربية والإسلامية المشاركين في القمة غير العادية إلى ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤوليته، لضمان أمن المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطيني، واعتبروا أن الإخفاق في وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية للقوانين والأعراف والقانون الدولي الإنساني يشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي، وتبرهن على ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيق القواعد، كما أنها تهدد الأمن والاستقرار العالميين.

(&) حرب إبادة: جاء في كلمات بعض القادة وعلى رأسهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن الشعب الفلسطيني يتعرض لأبشع عدوان وحشي على يد آلة الحرب الإسرائيلية الجبانة التي انتهكت القانون الإنساني، وتخطت كل الخطوط الحمراء في غزة باستشهاد وجرح أكثر من 40 ألفًا غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ، علاوة على تدمير آلاف البيوت على ساكنيها.

(&) محاسبة إسرائيل: انتقد بعض القادة السماح غير المقيد لدولة الاحتلال بضرب القوانين عرض الحائط، مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وذلك من خلال المجلس الأممي لحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، وتشكيل محكمة دولية لمحاكمة ومعاقبة قادة إسرائيل، فضلًا عن ضرورة الكشف عن القدرات النووية التي تمتلكها إسرائيل من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.

(&) صندوق لإعادة إعمار غزة: جاء من ضمن المقترحات خلال القمة العربية الإسلامية الدعوة لإنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة. كما دعا القرار الختامي للقمة إلى تفعيل شبكة الأمان المالية العربية والإسلامية، لتوفير المساهمات المالية وتوفير الدعم المالي والاقتصادي والإنساني لحكومة دولة فلسطين ووكالة الأونروا، والتأكيد على ضرورة حشد الشركاء الدوليين لإعادة إعمار غزة والتخفيف من آثار الدمار الشامل للعدوان الإسرائيلي فور وقفه.

(&) مستقبل غزة: تبنى القرار الختامي للقمة رفض أي طروحات تكرس فصل غزة عن الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والتأكيد أن أي مقاربة مستقبلية لغزة يجب أن تكون في سياق العمل على حل شامل يضمن وحدة غزة والضفة الغربية أرضًا للدولة الفلسطينية التي يجب أن تتجسد حرة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية على خطوط الرابع من يونيو 1967.

مجمل القول إن نجاح القمة العربية والإسلامية غير العادية التي عُقدت بالرياض، سيرتبط بمدى قدرتها على تشكيل أدوات للضغط على المجتمع الدولي، لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، ومدى إمكانية ترجمة التسوية الشاملة والعادلة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية وفق مرجعيات الشرعية الدولية، الأمر الذي يتطلب إرادة دولية تتبنى الحل الشامل بإطار زمني محدد.