أمس الأربعاء، تعرض رئيس الوزراء السلوفاكي، روبرت فيكو، لإطلاق نار بعد اجتماع حكومي في مدينة "هاندلوفا" بوسط البلاد. حيث أعلنت الحكومة أنه "في وضع حرج"، وقد تم نقله إلى مستشفى محلي لتلقي العلاج الأولي، قبل نقله إلى العاصمة "براتيسلافا" لتلقي الرعاية الطبية اللازمة.
ونقلت وسائل إعلام عن مديرة مستشفى "هاندلوفا" مارتا إيكهارتوفا، أن رئيس الوزراء تلقى العلاج في وحدة جراحة الأوعية الدموية قبل نقله إلى "براتيسلافا".
وفي العاصمة، أفادت وسائل إعلام محلية أن فيكو خرج من الجراحة واستعاد وعيه.
وفي وقت سابق، صرح وزير الدفاع روبرت كاليناك للصحافة خارج المستشفى أن رئيس الوزراء "يقاتل من أجل حياته"، كما نقلت عنه "بوليتيكو".
وقال كاليناك: "لقد عانى من إصابات متعددة"، مضيفًا أن فيكو خضع لعملية جراحية لمدة ثلاث ساعات ونصف الساعة.
ووفق BBC، لم يتم تأكيد تقارير وسائل الإعلام التي تفيد بأن المسلح -الذي قيل إنه رجل يبلغ من العمر 71 عامًا من جنوب سلوفاكيا- أطلق النار بسبب قرار إلغاء هيئة الإذاعة الوطنية.
لكن، نقلت الشبكة الإخبارية البريطانية عن صحفي استقصائي مجري، أن الرجل كان مرتبطًا في السابق بجماعة شبه عسكرية موالية لروسيا.
وتتحدث وسائل الإعلام السلوفاكية على نطاق واسع عن هوية الرجل، قال وزير الداخلية ماتوش شوتاج إستوك: "أستطيع أن أؤكد أنه كانت هناك محاولة اغتيال".
وأضاف: "أطلق المسلح النار خمس مرات. المعلومات الأولى المتوفرة لدينا هي أن هذا العمل كان له دوافع سياسية".
ووسط الدعوات إلى الهدوء ووضع حد لخطاب الكراهية، فإن أقرب حلفائه السياسيين يلقون اللوم بشكل مباشر على المعارضة الليبرالية ووسائل الإعلام.
وقال، نائب رئيس الوزراء أندريه دانكو، وهو أحد حلفاء الائتلاف إن البلاد تتجه نحو "حرب سياسية".
العنقاء
عندما كان شابًا، ظل فيكو داخل النظام إلى حد كبير، حيث أدى خدمته العسكرية كمحقق، وحصل على درجة الدكتوراه عن دراسته لعقوبة الإعدام، ثم عمل في الفرع القانوني لأكاديمية العلوم السلوفاكية.
لكن سقوط سور برلين في نهاية التسعينات من القرن الماضي، والثورة المخملية السلمية التي أنهت الحكم الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا، واستقلال البلاد، كانت إيذانًا ببدء حقبة رأسمالية جديدة حرة الحركة وفرت فرصًا تجارية وسياسية.
وكان فيكو، الذي كان شابًا مقنعًا -الأهم من ذلك أنه لم يلوثه أي ارتباط بالنظام الشيوعي المنهار- سارع إلى تحقيق طموح طفولته في دخول عالم السياسة.
ومنذ ذلك الحين، كانت قدرة فيكو على إعادة اختراع نفسه جعلته على رأس السياسة السلوفاكية رغم فضائحه المتكررة، فبدا أشبه بطائر العنقاء الخرافي الذي كلما احترق يعود ليُبعث من رماده.
ونقلت صحيفة "الجارديان" عن ميلان نيتش، وهو زميل باحث كبير في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، قبل وقت قصير من انتخابات العام الماضي: "إنه يقتدي بدونالد ترامب، وسوف يفعل ويقول ما هو مطلوب، ويأخذ من اليمين واليسار".
ويقدّر البعض أنه إذا نجح فيكو -السياسي المخضرم البالغ من العمر 59 عامًا في النجاة- فمن المرجح أن يستمد قوة جديدة من هذه المحاولة لاغتياله.
كانت آخر سقطات فيكو عام 2018، عندما أجبرته الاحتجاجات الجماهيرية على الاستقالة في أعقاب مقتل الصحفي الاستقصائي جان كوتشياك وخطيبته.
وقتها، سرعان ما حل محله تلميذه في الحزب بيتر بيليجريني كرئيس للوزراء؛ لكن الأخير بعد هزيمة انتخابية مذلة لحزبهم اليساري "سمير" تخلى عنه، وشكل حزب يسار الوسط الجديد "هلاس".
لكن أزمة جائحة كوفيد خلقت فرصة جديدة أمام فيكو، عندما بدأ الظهور في مظاهرات حاشدة ضد القيود التي فرضتها حكومة يمين الوسط لمواجهة الوباء، وأثار الحشود الغاضبة لدرجة أنه تم القبض عليه في وقت ما.
ضد أوكرانيا
مع تلاشي الوباء من الاهتمامات الرئيسية، برزت أوكرانيا كقضية يمكن لرئيس الوزراء الذي فاز بانتخابات سبتمبر 2023 أن يتحدث فيها بصوت عالٍ، فقام بالتعهد بعكس سياسة الحكومة السلوفاكية، المتمثلة في تسليح أوكرانيا بقذائف المدفعية والأسلحة الثقيلة، وحتى الطائرات المقاتلة.
وفي فبراير الماضي، عندما تناول العالم الذكرى السنوية الثانية للصراع، كرر فيكو معارضته لسياسة الغرب في تسليح كييف، مُبرزًا ميلًا نحو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعدما قال إنه لا يوجد حل عسكري للصراع، وأن إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا لن يؤدي إلا إلى ملء المزيد من القبور في مقابر البلاد.
وقال فيكو إن فلاديمير بوتين "تعرض لشيطنة خاطئة" من قبل الغرب. ويرى أن الحل الوحيد لإنهاء الحرب هو تنازل كييف عن بعض أراضيها لروسيا، معتبرا أن الانسحاب الروسي من مناطق مثل "القرم" و"دونباس" و"لوهانسك" غير واقعي.
كما تحدث أكثر من مرة عن معارضته الشديدة لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأكد أنه سيستخدم حق النقض (الفيتو) لمنع قبول عضوية كييف.
هيكلة سلوفاكيا
خلال الأشهر الستة الأخيرة، استخدم فيكو وحلفاؤه في الائتلاف الحكومي الذي أوصله إلى السلطة "مطرقة ثقيلة لتدمير المؤسسات في سلوفاكيا"، كما وصفت BBCأفعاله.
وشملت إصلاحات رئيس الوزراء نظام العدالة الجنائية، حيث قام بإلغاء مكتب المدعي الخاص، الذي أنشئ قبل 20 عاماً للتحقيق في الجرائم الخطيرة والفساد.
كما أثار التشريع الذي من شأنه أن يصنف مجموعات المجتمع المدني التي تتلقى أكثر من 5000 يورو سنويًا من التمويل الدولي على أنها "منظمات تتلقى دعمًا أجنبيًا" مخاوف في الاتحاد الأوروبي وبين المنظمات غير الحكومية.
ووصفت منظمة العفو الدولية في سلوفاكيا مشروع القانون بأنه "محاولة مقنعة لوصم منظمات المجتمع المدني التي تنتقد السلطات وتعرقل عملها الحيوي".
أيضًا، من المقرر إغلاق هيئة الإذاعة الوطنية (RTVS) في يونيو المقبل واستبدالها بهيئة جديدة بمدير جديد؛ حيث رأى فيكو أنها لا يمكن أن تكون موضوعية لأنها في صراع دائم مع حكومته، ولا يمكن تصحيح هذا الوضع "غير المستدام" إلا عن طريق استبداله.
وبينما حذر المراقبون -بما في ذلك المعارضة والمفوضية الأوروبية واتحاد البث الأوروبي- من أن هذه الخطوة ستكون بمثابة ضربة لحرية الإعلام في سلوفاكيا. بدأ البرلمان مناقشة الاقتراح بجدية، صباح الأربعاء، عندما اندلعت أنباء إطلاق النار ومحاولة الاغتيال، وسرعان ما ألغيت مظاهرة معارضة ضد الاقتراح.