لم يكن الفنان المصري الراحل توفيق الدقن فنانًا صاحب بصمة مؤثرة في مجاله فقط، ولكنه جمع مواهب متعددة، إذ كان رياضيًا محترفًا وكاتبًا يمتاز بخطه الرائع، ويملك من الذكاء والإصرار ما ساعده في اختيار وتقمص أدوار للوصول للنجومية التي كان يحلم بها طوال حياته بعد أن قادته الظروف للسفر من المنيا إلى القاهرة ساعيا وراء شغفه بالتمثيل.
أكثر من قرن من الزمن مضى على ميلاد أحد أشهر الفنانين الذين برعوا في أدوار الشرير، إذ تحل اليوم الجمعة 3 مايو ذكرى ميلاده رقم 101، والذي ولد عام 1923 في أسرة بعيدة عن الفن ومنعه والده من العمل بالتمثيل، ولكن توفيق لم يتخل عن حلمه الذي كتب له الشهرة واضعًا بصمته مختلفة.
رغم النجومية التي حققها توفيق الدقن في حياته ولكنها لم تخل من المنغصات والمرارة التي ذاق طعمها، فعند ذكر أبرز شريري السينما المصرية يحصد توفيق الدقن مرتبة متقدمة ممن برعوا في تقديم هذه النوعية من الأدوار، فهو المتمكن الذي صدقه الجمهور ولكنه دفع ضريبة صدق أداء أدواره، حيث تعرض لمضايقات عدد من الجمهور والبسطاء الذين لم يفرقوا بين التمثيل والحقيقة وصدقوا أدواره الشريرة ونعتوه بأسوأ الألفاظ، فمن بين المواقف التي تعرض لها رفض جزار بيع اللحوم له ومطاردته بالساطور وأنه لن يسمح له بدخول محله.
أكد المستشار ماضي توفيق أن والده الراحل كان يتعرض لكثير من المضايقات بسبب تصديق الجمهور لأدواره قائلًا: "كان والدي يتعرض لعدد من المواقف بسبب أدوار الشر التي يجسدها خاصة مع البسطاء في الشارع، فكانوا يتفاعلون مع شخصياته ويصدقونها، وهناك عدد من المواقف التي قيل إنها حدثت معه لكنني لم أرها، فلا أستطيع أن أحكي عنها".
"أحسن من الشرف مفيش، ألو يا أمم، يا آه يا آه، صلاة النبي أحسن، العلبة دي فيها إيه"، كانت هذه الجمل جزءًا من إيفيهاته التي تميز بها، والتي تعيش وتتوارثها الأجيال لتصبح جزءً من قاموس المصطلحات التي يتداولها الناس يوميًا، ورغم أن هذه الإيفيهات حققت شهرة ونجاحًا ولكن دخل توفيق في نوبة بكاء بعد مناداته من قبل أحد الأشخاص خلال تواجده بالمسرح بلفظ "سلام يا همبكة"، إذ كان لا يحب هذه الشخصية التي سبق وقدمها في أحد أفلامه.
قدم توفيق الدقن سجلًا حافلًا من الأعمال والتي اقتربت من 600 عمل فني، واستحوذت السينما على النصيب الأكبر والذي بلغ نحو 450 فيلمًا سينمائيًا، بدأها بفيلم "ظهور الإسلام" والذي ظهر فيه بدور طيب على عكس ما اشتهر به بعد ذلك، ثم توالت الأفلام مثل "ابن حميدو، سر طاقية الإخفاء، على باب الوزير، في بيتنا رجل، وغيرها الكثير، ورغم شهرته من خلال إعادة إذاعة أفلامه بالسينما ولكنه دخل التمثيل من بوابة المسرح وقدم نحو 120 مسرحية.
حاز توفيق على الكثير من الجوائز والأوسمة مثل وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وسام الاستحقاق، درع المسرح القومي، جائزة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، جائزة جمعية كتاب ونقاد السينما، وغيرها من التكريمات، ويبقى أعظم تكريم يستحقه توفيق هو أن يخلده الجمهور بين ثنايا قلبه، ويردد الجميع اسمه رغم رحيله منذ 35 عامًا.