جزء كبير ومهم من تاريخ أهل غزة، وثقه المصور الأول لها "كيغام" رصد بعدسته تفاصيلها وحياتها، وعقب وفاته بأكثر من 40 عامًا، فتح حفيده صندوق ذكرياته في رحلة قادته لاكتشاف كنز من كنوز التاريخ، يتمثل في عثوره على ثلاثة صناديق تحمل صور "نيجاتيف" ووثائق تؤرخ لحياة أهل غزة، خلال الفترة من أربعينيات القرن الماضي وحتى رحيل جده عام 1981.
قدم معرض "فتح الصندوق" لمصور غزة "كيغام" - صاحب أول استديو تصوير بها وهو أرميني الأصل فلسطيني المنشأ والهوية - الذي يقام حاليًا في المعهد الفرنسي بالقاهرة، دليلًا دامغًا على حق أصحاب الأرض الغزاويين في أرضهم، ويوثق لحياتهم اليومية وتفاصيلها على فترات مختلفة وعقود طويلة، إذ ضمت الصور جزءًا مهمًا من تاريخ أهل غزة وفترة الانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي ليتحول إلى وثيقة جديدة من وثائق الحقب التي يبحث عنها ملايين من الفلسطينيين.
قال الفنان التشكيلي كيغام دجيغاليان، مؤسس مشروع "فتح الصندوق" الذي ورثه عن جده مصور أهل غزة "كيغام"، خلال لقائه مع برنامج "صباح جديد" بقناة "القاهرة الإخبارية": "بدأت المشروع قبل عام 2018 ورغم أنني لم أر جدي ولكنني تربيت على سماع حكاياته كمصور بارع في غزة، وكنت متشوقًا لحفظ صوره ودرست فنون جميلة في الجامعة الأمريكية، وواجهنا تحديًا أننا لم نكن نمتلك الأرشيف الكامل لصوره وأعماله في غزة، وظللت أبحث عنه وتحمست للغاية لاستكمال عملية البحث عن أرشيفه وكنت أرى انجذاب أهل غزة عند معرفتهم بأنني حفيد مصورهم الأول، خلال جولاتي بالخارج حتى جاءت اللحظة الفارقة عام 2018 بعثور والدي على ثلاثة صناديق في دولاب جدي، وأعطاها لي فوجدت كنزًا يضم صور أهل غزة ووثائق ومستندات مهمة، وأعتبره بمثابة كبسولة من التاريخ".
يضيف: "قدمت المعرض أول مرة عام 2021، وكان له أهمية كبيرة في حفظ وسرد ذاكرة غزة في ظل موجات من الدمار التي واجهتها غزة، ومع عرضه مرة أخرى هذا العام في ظل إبادة الشعب الفلسطيني، وأنا كشخص نجا من مذبحة الأرمن، أفهم أن الإبادة ليست فقط للإنسان ولكن للتاريخ والثقافة ومحو أي أثر إنساني وتاريخي على الأرض، فما نستطيع أن نقدمه كفنانين أن نتمسك بذاكرتنا التاريخية ونتحدث عنها ونتذكرها، والمعرض به تفاصيل مهمة في تاريخ غزة المرئي والبصري وجوهره هو التمسك بالذاكرة وأن العودة لا بد منها".
وأشار إلى أنه بصدد عمل كتاب مستعينًا بالصور التي سيوثق فيها تاريخ كل صورة، وأنها ليست مهمة شخص بمفرده بل عمل جماعي وأنه من الأهمية تدوين تاريخنا بشكل جماعي، وأنه قبل شهور طلب من الأشخاص الذين صورهم جده أن يرسلوا له ذكرياتهم مع الصور التي تم التقاطها، فضلًا عن البدء في مشروع لنشر صور غير معروف كل ملامحها ومحتوياتها وأنه سيطلب من الناس التعرف على أماكنها وهوية الصور.
مشاعر الخوف سيطرت وانتابت كيغام بعد فتحه صندوق جده فيقول عنها: "كنت أشعر بالرهبة في البداية مع فتحي الصندوق في باريس والقيام بعمل مسح للصور النيجاتيف، ثم تحمست بعد ذلك للتعرف على التاريخ ومحتويات كل صورة، وأيضًا تاريخ عائلتي وحياتهم في غزة، وهناك صورة أثرت بي وهي عبارة عن صورة تجمع والدي وعمتي في طفولتهما خلال سيرهما على شاطئ غزة، إذ صورهما جدي من الخلف على بعد 10 أمتار وظهر ظله في الصورة، فهي من الصور التي لمستني وتؤثر في حتى الآن وتحمل حنينًا وتعكس حنان الأب لأولاده".