أحد أكثر نجوم السينما تقمصًا للأدوار، لقد كان يعيش داخل تفاصيل الشخصية، حتى تجده مفتونًا بها".. هكذا وصف العالمي عمر الشريف الممثل المصري الراحل زكي رستم، مشيرًا في لقاء تلفزيوني إلى أنه شعر برهبة شديدة، عندما وقف أمامه لتمثيل أول مشهد معه في فيلم "صراع في الوادي" الصادر عام 1954، والذي جسد فيه دور الباشا، فيما جسد الشريف دور "أحمد" مهندس زراعي تربطه علاقة حب بابنة الباشا، لدرجة أنه طلب من مخرج الفيلم يوسف شاهين أن يصور مشهده بمفرده.
الفنان محمد زكي محرم محمود رستم، الذي ولد يوم 25 مارس عام 1903 يعد أحد الفنانين الذين تخطئ مواقع الإنترنت في ذكر تاريخ ميلادهم ضمن قائمة طويلة من النجوم، إذ يحتفل بذكرى ميلاده الكثيرون خطأ يوم 5 مارس، كما أنه يُصنف ضمن أحد المخلصين لمدرسة المخرج والممثل المسرحي الروسي الشهير قسطنطين ستانيسلافسكي، التي تقتضي أن يدرس الممثل أدق تفاصيل الشخصية ليعيش داخلها، حتى تتماهى معه ويصبح الاثنان شخصًا واحدًا أمام الكاميرا.
عشق الممثل الراحل التمثيل بعد مشاهدته للتراجيدية "أوديب ملكا" أحد الأعمال المسرحية ذائعة الصيت لـ سوفوكليس، إذ ذهب مع عائلته في فترة الطفولة إلى المسرح وانبهر بهذا العالم، وقرر ابن العائلة الباشوية أن يصبح واحدًا منه، ونجح في ذلك بالفعل ليصبح أحد أبرز نجوم سينما الأبيض والأسود، وحجز مكانه في الذاكرة البصرية والسمعية للجمهور المحب للسينما.
بدأ زكي رستم التمثيل أمام طاقم المساعدين والخدم في قصر والده الباشا، إذ كان يقلد الفنان جورج أبيض في أدائه للمسرحيات، وساعدت نشأته وسط عائلة تعشق الثقافة على أن يقرأ الكثير من الكتب بمناحٍ شتى، خصوصًا التي تتعلق بفن المسرح والتمثيل، كما كان يصطحب صديقه الفنان سليمان نجيب لمشاهدة المسرحيات في شارع عماد الدين الشهير بوسط القاهرة، لإشباع رغبته الشديدة في الوقوف على خشبة المسرح، تلك الهواية التي كانت ترافقها هواية أخرى عشقها بشدة في فترة الشباب وهي رفع الأثقال.
يعود الفضل في اكتشاف زكي رستم إلى الفنان الراحل عبد الوارث عسر الذي شاهده في أحد العروض المسرحية مع مجموعة من الشباب، وبعد أن قدم معه بعض الروايات بفترة العشرينيات، اقتنع به جورج أبيض ليشاركه في مسرحية بعنوان "عاصفة في بيت"، لينطلق بعد ذلك في عروض على خشبة المسرح، ثم انضم لفرقة "يوسف وهبي"، ويجد طريقه إلى السينما الروائية الناطقة التي كانت في ذلك الوقت تشهد بداياتها الأولى.
شارك زكي رستم في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي في عدة أفلام منها "الوردة البيضاء"، "ليلى بنت الصحراء"، "العزيمة"، لكنها أفلام لم تكن تعبر عن طاقته التمثيلية، ليشهد العقد التالي بداية توهجه السينمائي عبر أعمال منها "خاتم سليمان"، "عدو المرأة"، وغيرهما.
تميز الفنان الراحل في تجسيد شخصيات عدة، منها الباشا والشرير والمعلم وتاجر المخدرات والأب المغلوب على أمره، وأيضًا الجد والغني والفقير، لينجح بشدة في تقمص كل هذه الأدوار، بأفلام منها "ياسمين"، "معلهش يا زهر"، "النمر"، "رصيف نمرة 5"، و"الفتوة"، والفيلمان الأخيران يأتيان ضمن قائمة أعمال جمعته بالفنان الراحل فريد شوقي، الذي لخص حبه لشخصياته في موقف حدث معه ولا ينساه، عندما عرض عليه المشاركة في بطولة فيلم "جعلوني مجرمًا" الصادر عام 1953.
وقال فريد شوقي في لقاء تلفزيوني قديم: كنت أشارك في إنتاج العمل واستقبلته في مكتبي لأعرض عليه سيناريو الفيلم، وأخبرته بأننا سوف نصور العمل خلال يومين، ليغضب بشدة ويمزق "الشيك" الذي أعطيته له، ويخبرني بأنه ممثل يجب أن يعيش تفاصيل الشخصية ويتعمق بها، ووصف ما يحدث بأنه انحدار السينما.
ارتباط زكي رستم الشديد بشخصياته جعل منها علامات بارزة في تاريخ السينما العربية، حتى إن الجمهور يحفظ اسماءها دون عناء ومنها المعلم أبوزيد في "الفتوة"، عزيز أو "عمو عزيز" في فيلم "أين عمري"، وصابر أفندي في "معلهش يا زهر"، وغيرها من الشخصيات المؤثرة التي أجاد الفنان الراحل في تجسيد تفاصيلها.