مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية، تتجه أعين الكتلة بقلق إلى العاصمة الإسبانية مدريد، حيث ترتفع مستويات الأدرينالين إلى أقصاها، أثناء انتظار عدم الاستقرار السياسي في البلاد؛ بسبب احتمالية رحيل رئيس الوزراء، بيدرو سانشيز.
وبينما تنتظر أوروبا ما سوف يفعله حاكم أقوى خامس اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، اليوم الاثنين، كان "سانشيز" كتب في تغريدة على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، معربًا عن نيته في التقاعد السياسي.
وقال سانشيز في تغريدته، "إن الهجمات اليمينية المتكررة على عائلته، دفعته إلى التساؤل عمّا إذا كان حكم إسبانيا يبرر تعريض أحبائه للإساءة المستمرة".
وكتب رئيس الوزراء الإسباني: "هل يجب أن أستمر في قيادة هذه الحكومة أم أتخلى عن هذا التكريم الأعلى؟ أنا بحاجة ماسة للإجابة على سؤال أظل أطرحه على نفسي: هل يستحق البقاء -في المنصب- على الرغم من افتراءات اليمين واليمين المتطرف؟"
وكان سانشيز قد أمضى الأيام الخمسة الماضية منعزلًا؛ بينما ينتظر المؤيدون والمعارضون -على حد سواء- قرارًا من شأنه أن يغير المشهد السياسي في إسبانيا جذريًا، ويؤثر بشكل كبير على توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي، بعد الانتخابات المزمعة للبرلمان الأوروبي في يونيو.
ويظل ما سيعلنه سانشيز، اليوم الاثنين لغزًا حتى بالنسبة لأقرب دائرته. حيث إن مجلس الوزراء الإسباني "لم يعلم برسالة سانشيز إلا عندما نُشرت على موقع إكس"، وفق ما نقلت النسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو" عن مسؤول حكومي، طلب عدم الكشف عن هويته.
ولفت المسؤول الإسباني إلى أن القرار "هو قرار شخصي يتخذه سانشيز بمشاورة من عائلته، وعلى ما يبدو، لا أحد آخر".
ضغوط مستمرة
حسب الصحيفة، كان الدافع وراء تغريدات سانشيز، الأربعاء الماضي، هو الأخبار التي تفيد بأن أحد قضاة مدريد أطلق تحقيقًا أوليًا في الفساد واستغلال النفوذ ركز على بيجونيا جوميز، زوجة رئيس الوزراء.
وبدأ التحقيق ردًا على دعوى قضائية رفعتها مجموعة مانوس ليمبياس "الأيدي النظيفة"، وهي مجموعة لها صلات باليمين المتطرف، والتي تستخدم المحاكم بانتظام لاستهداف الأشخاص أو المجموعات المرتبطة بقضايا تقدمية.
وحسب الصحيفة، لا يبدو أن الدعوى لها أساس من الصحة. فقد أوصى الادعاء، الأسبوع الماضي، برفض الشكوى الجنائية؛ بينما أشار أصحاب "الأيدي النظيفة"، إلى أن الدعوى "قد تكون مبنية على أخبار كاذبة".
لكن، مع هذا، يبدو أن قرار بدء التحقيق الأولي مع "جوميز" -على الرغم من هشاشة الأدلة ضدها- كان ضغطًا أكثر من اللازم بالنسبة لسانشيز.
هجمات منظمة
يُمكن فهم رد فعل رئيس الوزراء الإسباني عبر تتبع الهجمات التي استهدفته وعائلته منذ صعوده إلى واجهة السياسة الإسبانية قبل عقد من الزمن.
خلال السنوات القليلة الماضية، وصف الحزب الشعبي -الذي ينتمي إلى يمين الوسط- سانشيز بأنه "مغتصب" و"متعاطف مع الإرهابيين" و"خائن".
كما ساعدت المعارضة المحافظة في إسبانيا في نشر شائعات خبيثة، مفادها أن زوجة سانشيز في الحقيقة هي "رجل"، وأن عائلتها من مهربي المخدرات الذين يديرون شبكة من نوادي الاتجار الجنسي.
أيضًا، سلطت وسائل الإعلام الإسبانية، الجمعة، الضوء على شدة الضغوط التي تعرض لها سانشيز وعائلته، حيث نشرت تسجيلات لاجتماع جرى عام 2014، ضم مفوض الشرطة السابق خوسيه مانويل فيلاريجو، والذي اتهمه الإعلام بالعمل على تشويه سمعة عدد من السياسيين وكبار القضاة، وحتى أعضاء العائلة الملكية.
وفي التسجيل، ناقش المجتمعون خططًا لـ "قتل سانشيز سياسيًا" من خلال ملاحقة عائلة زوجته والإشارة إلى تورطهم في أعمال غير مشروعة.
ولاحقًا، تناول فيلاريجو استخدام تكتيكات الحرب القانونية، حيث يتم إطلاق دعاوى قضائية لا أساس لها لمضايقة المعارضين السياسيين وتشويه سمعتهم، وتحدث عن "الأيدي النظيفة" كمجموعة يتعاون معها.
وفي اليوم التالي لنشر التسجيلات، السبت، شهد الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني PSOE الذي ينتمي إليه سانشيز "اجتماعًا عاطفيًا للقادة" -حسب تعبير "بوليتيكو"-أعرب خلاله وزراء سانشيز عن دعمهم لزعيمهم، طالبين منه ألا يستسلم لمضايقيه.
وفي اليوم نفسه، تجمع حوالي 12500 من المؤيدين خارج مقر الحزب في مدريد ليهتفوا "بيدرو، نرجو أن تبقى".
سيناريوهات غامضة
ما سيقرر سانشيز القيام به، يُمكن أن يؤدي إلى سيناريوهات مختلفة تمامًا بالنسبة لإسبانيا.
ووفق السيناريوهات المُحتملة، يُمكن لرئيس الوزراء أن يعلن بقاءه في منصبه، أو -بدلًا من ذلك- يمكن أن يترك القرار للبرلمان الإسباني من خلال طرح نفسه للتصويت على الثقة.
ولكن إذا استقال رئيس الوزراء، فقد تواجه إسبانيا فترة طويلة من عدم اليقين السياسي؛ ستنتقل الحكومة على الفور إلى وضع تصريف الأعمال، وسيتعين على الملك فيليب السادس، إجراء مشاورات مع القادة السياسيين في البرلمان، لتحديد ما إذا كان هناك مرشح آخر قادر على تشكيل الحكومة.
وحتى الآن، ليس لدى سانشيز خليفة واضح، ومن غير الواضح ما إذا كان هناك أي شخص داخل صفوف الاشتراكيين، يُمكن أن يتجمع حوله عدد كافٍ من المشرعين اليساريين والانفصاليين.
وفي الوقت نفسه، على الرغم من أن زعيم الحزب الشعبي ألبرتو نونيز فيجو، حريص على تولي منصب رئيس الوزراء، إلا أنه لا يتمتع بالدعم البرلماني المطلوب لتشكيل الحكومة، حسب التقديرات.
وإذا لم يتمكن أحد من تأمين دعم الأغلبية البسيطة من مشرعي البرلمان -البالغ عددهم 350- في غضون شهرين، فسيتم حله؛ عندها سيقرر إجراء انتخابات جديدة بعد 54 يومًا. ما يدفع إسبانيا إلى صناديق الاقتراع في منتصف أغسطس المقبل، ومن المرجح ألا يكون لديها حكومة جديدة حتى الخريف.
وإلى جانب الاضطرابات التي قد يسببها هذا السيناريو محليًا، فمن المرجح أن يكون لخروج سانشيز أيضًا تأثير على اجتماعات المجلس الأوروبي الرئيسية لاختيار القادة الجدد لمؤسسات الكتلة الأوروبية.