الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تنعكس تحركات السوداني الخارجية على أمن العراق؟

  • مشاركة :
post-title
محمد شياع السوداني وجو بايدن

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

خلال قمة ثنائية عُقدت في العاصمة بغداد، الاثنين 22 أبريل، وقع الجانبان العراقي والتركي 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم، خلال الزيارة الأولى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق منذ 2011، على رأسها اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين، كما وقع وزراء النقل والبنية التحتية ببغداد وأنقرة إلى جانب أبو ظبي والدوحة، مذكرة تفاهم بشأن مشروع "طريق التنمية" الذي يربط الخليج بأوروبا عبر العراق وتركيا.

وبالتزامن مع التصعيد في المنطقة على خلفية المواجهة الإيرانية الإسرائيلية وما خلفته من تجدد محدود للتصعيد في العراق، تكثفت تحركات محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء، الخارجية لاستعادة توازن العراق بعيدًا عن التجاذبات الإقليمية، من خلال زيارة موسعة للولايات المتحدة على مدار الأسبوع الماضي، قبل ساعات من عودة شبح التصعيد للبلاد.

واللافت في زيارة السوداني للولايات المتحدة ما تناولته من ملفات أمنية واقتصادية تغطي جوانب العلاقات العراقية الأمريكية منذ عام 2003، في ضوء ما يحكم علاقات البلدين بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي 2008، إلا أن المواجهات الأمريكية الإيرانية في العراق عبر وكلاء الأخيرة عرضت التوازن الهش لدوري البلدين المؤثر في العراق للخطر، بينما ألهبت حرب غزة نار التصعيد غير المحسوب بعدما استهدفت الفصائل الموالية لإيران قواتٍ أمريكية بالأردن قرب المثلث الحدودي مع سوريا في مواجهة أسفرت عن مقتل 3 جنود أمريكيين، 28 يناير 2024، قبل استهداف القوات الأمريكية لقياديين بـ"كتائب حزب الله" العراقي.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي سياقات التحركات الخارجية الراهنة للقيادة العراقية، وانعكاساتها المحتملة على أمن العراق في الظرف الراهن وحدود صلابة الهدنة بين الميليشيات الموالية لإيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى.

محددات عراقية

يمكن الإشارة إلى أبعاد التوجه الخارجي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني في الوقت الراهن إزاء تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، في إطار إحياء مكانة العراق كمحور ارتكاز في محيطها الإقليمي جنوب غرب آسيا، على النحو التالي:

(*) دعم التعاون الأمني طويل المدى: يستهدف رئيس الوزراء إعادة تشكيل العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، في إطار تخفيف الضغوط الناجمة عن الكتل القريبة من إيران، التي تحافظ على هدنة مؤقتة وهشة مع الجانب الأمريكي والتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" الإرهابي مشروطة بموقف حاسم من "السوداني" إزاء إخراج تلك القوات وإنهاء مهمة التحالف مقابل علاقات استراتيجية ثنائية مع دول التحالف.

وعلى الجانب التركي مثلت التفاهمات الأمنية بين رئيس الوزراء والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتوقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الأمنية والدفاعية بين الجيشين ومؤسسات الصناعات الدفاعية، فضلًا عن تحييد خطر حزب العمال الكردستاني الذي اعتبره مجلس الأمن القومي العراقي تنظيمًا محظورًا بما يقيد نشاطه في مناطق تواجده بإقليم كردستان ويجرم عملياته العسكرية، بينما يتباين موقف الجانبين من حجم التفاهم على كيفية مواجهة الحزب، إذ يشير الجانب التركي إلى عمليات مشتركة ودعم استخباراتي من المؤسسات الأمنية الرسمية بالحكومة الاتحادية من الجيش والشرطة وهيئة الحشد الشعبي وحكومة إقليم كردستان لمواجهة عناصر "العمال" وتقييد تحركاتهم وفرض السيطرة الأمنية على الحدود العراقية السورية.

مشروع طريق التنمية

(*) محور الأمن والتنمية: يمثل نهج الحكومة العراقية في تعزيز الأمن المتبادل ومنع تحول العراق لساحة صراع بين القوى المتصارعة على النفوذ استمرارًا لنهج العراق منذ عهد رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، من خلال احتضان العاصمة العراقية النسخة الأولى من مؤتمر بغداد للأمن والتعاون، إلا أن السوداني عزز من أدوات إسناد تلك المكانة الاستراتيجية العراقية في إطار تعظيم المصالح المشتركة في بعديها الاقتصادي والأمني، على رأسها مشروع طريق التنمية الذي يربط الخليج العربي بأوروبا عبر الأراضي العراقية والتركية، حيث يمتد المشروع من أقصى جنوب العراق في ميناء الفاو لمسافة 1200 كم وصولًا للأراضي التركية، بتكلفة استثمارية أولية تبلغ 17 مليار دولار، ويشارك من الجانب الخليجي كل من دولتي قطر والإمارات العربية المتحدة، ومن المتوقع أن تمتد آثار المشروع الإقليمي إلى إيران بما يعظم المصالح المشتركة في أمن العراق واستقراره الاقتصادي ويحفظ توازنه الإقليمي.

ولعل من أبرز عوامل نجاح محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة العراقية، إلى جانب ربط الأمن بالتنمية الاقتصادية الإقليمية، ما يحظى به من دعم ائتلاف إدارة الدولة وفي القلب منه الإطار التنسيقي، لجهوده التفاوضية لوقف الاعتداءات على السيادة العراقية وتسريع مهمة إخراج قوات التحالف الدولي من العراق وكذلك إخراج القوات التركية من الأراضي العراقية تدريجيًا وتنسيق الجهود مع الجانب التركي في التصدي لنشاط حزب العمال الكردستاني بدعم وحضور مباشر من الحشد الشعبي كطرف رئيس في المعادلة الأمنية باعتباره هيئة رسمية تتبع القائد العام للقوات المسلحة العراقية وهو رئيس الوزراء بطبيعة الحال.

(*) الاعتماد المتبادل: يمثل موقع العراق في منطقة الشرق الأوسط عمومًا وفي الجوار المباشر لاثنين من أهم القوى الإقليمية خاصة، نقطة ارتكاز لأي مشروع تكامل إقليمي يراعي توازن القوى القائم، وبالمقابل بؤرة توتر قابلة للاشتعال حال تعرض ذلك التوازن للاختلال، ومن ثم فإن إدراك القيادة بأهمية تحييد العراق عن أي استقطابات إقليمية أو دولية يدفع بمزيد من الانخراط الإيجابي بقضايا المنطقة استغلالًا للثروات والموارد المتاحة لدى العراق من مخزون نفطي ومن موقع استراتيجي حيوي على صعيد التجارة الإقليمية، ومن ذلك فإن العراق يتطلع لإعطاء مساحة للشركات التركية (والأجنبية) بتنفيذ مشروعات تنموية وعمرانية مقابل "صندوق للنفط" لضمان تسديد الالتزامات المستحقة لتلك الشركات أو تعزيز الشراكات الاستراتيجية الشاملة وخاصة في بعدها الاقتصادي.

وتتطلع بغداد في المقابل لتقليص الممارسات التي تستهدف أمن واستقرار العراق عبر الدفع بالتفاوض لإخراج قوات التحالف الدولي وتحييد مسببات الوجود التركي في شمال البلاد وكذلك معالجة ملف المياه في إطار التزام قانوني أو اقتصادي يحفظ مصالح العراق وتركيا، رغم عدم وضوح آليات التعاون في مجال الزراعة والري على ضوء الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الجديدة ذات الشأن بين بغداد وأنقرة التي تمتد لعشر سنوات، وبالمثل يصعب قبول الخروج السريع لقوات التحالف الدولي من الأراضي والأجواء العراقية في ظل المخاوف الأمريكية من استهداف قواعدها بالمنطقة أو مواصلة الهجمات باتجاه إسرائيل.

تحديات محتملة

يرتبط استقرار العراق بتوازنه الإقليمي وتحوله من ساحة للصراع بين الولايات المتحدة وإيران بدرجة أولى وتركيا بدرجة أقل، إلى نقطة التقاء وتعاون بين الأطراف المختلفة، وعليه فإن أول التحديات التي تواجه السوداني في مساعيه لإعادة ضبط العلاقات مع الشركاء الإقليميين والدوليين، الذين يتشاركون المصالح في العراق، وكبح جماح الفصائل المسلحة، ويمكن إبراز التحديات على النحو التالي:

(&) الدور الإيراني: يحافظ الجانب الإيراني على إيقاع منضبط من التصعيد مع الولايات المتحدة ولا يرغب في اندلاع مواجهة مباشرة ومفتوحة حول النفوذ في العراق وسوريا بطبيعة الحال، ما دفعها لتدخل صارم تجاه الفصائل المنضوية تحت لواء ما يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" وفي مقدمتها "كتائب حزب الله" و"حركة حزب الله النجباء" لوقف التصعيد مع الجانب الأمريكي على خلفية هجوم البرج 22، شرقي الأردن، 28 يناير2024، الذي خلف ثلاثة قتلى من الجنود الأمريكيين، حتى مع استهداف القوات الأمريكية لاثنين من قادة الكتائب وهما أبو باقر الساعدي (مسؤول الصواريخ والعمليات في سوريا) وأركان العلياوي (مسؤول المعلومات)، 7 فبراير 2024، وهو ما يفسر الهجومين المحدودين ضد قاعدتي خراب الجير في سوريا وعين الأسد بالعراق دون إصابات في صفوف قوات التحالف عقب عودة السوداني من واشنطن، ردًا على ما اعتُبر استهدافًا لعناصر الحشد الشعبي في قاعدة كالسو بمحافظة بابل، مساء الجمعة 19 أبريل، واتهام قنوات التليجرام التابعة للفصائل، القوات الأمريكية بالضلوع في الهجوم، قبل أن يشير التقرير النهائي للجنة التحقيق العراقية الصادر، 23 أبريل 2024، إلى عدم رصد أي اعتداءات جوية أو صاروخية ضد القاعدة وأن الحادث ناجم عن انفجار عدد من الصواريخ والمواد المتفجرة المخزنة في القاعدة.

ومع ذلك من الصعب أن تتقبل طهران تعزيز قوى أخرى لنفوذها بالعراق خاصة إذ تلقت إشارة بقرب الانسحاب الأمريكي، كما أن تجدد المطالبات بتسريع الخروج الأمريكي (في وجود نحو 2500 جندي أمريكي) وإنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق يظل مرهونًا بتطورات حرب غزة وتطلع الجمهورية الإيرانية لحصاد تدخلاتها من نفوذ واعتراف من جانب الولايات المتحدة والقوى العربية والإقليمية بدورها في حل تلك الأزمات وجلوسها على طاولات المفاوضات متعددة الأطراف من جهة، وتفاعلات النخبة السياسية في العراق من جهة أخرى، في إطار قرب الانتخابات البرلمانية، العام المقبل، واعتبار رئيس الوزراء أحد المتنافسين المحتملين فيها بتكتل سياسي قوي مدعومًا بتحركاته الخارجية والداخلية، وهو أول رئيس وزراء من نخبة الداخل عقب الغزو الأمريكي، وبالتالي من المحتمل أن يدفع بعض أطراف الإطار التنسيقي الشيعي بإضعاف صورته وإخراجه من المشهد.

(&) التوازن بين المكونات: يكمن التحدي الآخر والأكثر بروزًا في الساحتين السنية والكردية الانقسامات الأفقية داخل المكونين، خاصة في إطار الاستقطابات الخارجية بالساحة الكردية والضغوط السياسية والأمنية من قبل تركيا والتوافق المبدئي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني على مواجهة حزب العمال الكردستاني، بالتوازي مع تحالف الأخير مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وتواجده في مناطق نفوذه شرقي الإقليم، ومن ثم فإن احتمالية تعزيز الضغوط العسكرية التركية وإن جاءت بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية وإربيل دون التوافق مع حزب الاتحاد تجلب مزيدًا من الانقسامات في الإقليم المقبل على مسار انتخابي متعثر لبرلمان كردستان.

كذلك فإن التلاعب برئاسة مجلس النواب العراقي والاتهامات بتسييس القضاء لإقصاء محمد الحلبوسي، بالتوازي مع نجاح حركة تقدم في انتخابات مجالس المحافظات ذات الأغلبية السنية يعزز نزوع القوى السياسية في المكون السني لمزيد من التباعد عن باقي أطياف النخبة السياسية العراقية مع بروز مطالبات تشكيل إقليم سني على غرار إقليم كردستان، الذي يتهم عدد من رموزه بالحزب الديمقراطي، نخبة بغداد خاصة القوى الموالية لإيران، بتقويض أسس الحكم الذاتي للإقليم.

وإجمالا؛ فإن وجود عراق قوي ومستقل وقادر على إدارة جغرافيته وأطرافها بعيدًا عن نفوذ الميليشيات، أو تدخلات قوى إقليمية أو دولية يمثل أولوية قصوى لإحلال الاستقرار في الإقليم ويدفع لاستكمال مشروعات التكامل الإقليمي وتعزيز العمق العربي للعراق، بالتوازي مع تعزيز وتقوية المؤسسات الشرعية في ضمان أمن البلاد والسيطرة على حدودها.