الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

التوقيت ودلالاته.. كيف تنعكس عودة العراق لكأس الخليج على أوضاعه الداخلية؟

  • مشاركة :
post-title
ستاد البصرة في افتتاح "خليجي 25"

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

يمثل استضافة العراق بمدينة البصرة للنسخة الـ25 من بطولة كأس الخليج لكرة القدم (خليجي 25) تدعيمًا لركائز عودة العراق لمحيطه العربي، حيث تُشكل الفعاليات الرياضية أحد المجالات الداعمة لتعزيز العلاقات على المستويين الشعبي والرسمي بين العراق وجواره الخليجي، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، خلال كلمته فى افتتاح البطولة في السادس من يناير الجاري، التي تستمر حتى التاسع عشر منه، واصفًا ذلك الافتتاح على أرض العراق باللحظة التاريخية العربية.

أهمية متزايدة:

يكتسب تنظيم العراق لبطولة "خليجي 25"، أهمية متزايدة في هذا التوقيت من عدة أوجّه: أولها، عودة كأس الخليج للعراق بعد غياب استمر لما يقرب من 44 عامًا، وهي المرة الثانية لتنظيم العراق البطولة، بعد النسخة الأولى في عام 1979، والتي أقيمت في العاصمة بغداد.

وثانيها، هو دور الرياضة في التقريب بين الشعوب، لاسيما وأنها تُعقد بشكل متكرر منذ انطلاق أول بطولة لما يزيد على خمسة عقود، حيث انطلقت نسختها الأولى في عام 1970 بمشاركة أربع دول، هي البحرين وقطر والسعودية والكويت، وفى بطولة عام 1972 التي استضافتها السعودية، أصبح عدد المنتخبات المشاركة في البطولة، خمسة فقط بعد انضمام الإمارات، وجاءت النسخة الثالثة عام 1974 والتى استضافتها الكويت وانضمت إليها سلطنة عُمان، ليرتفع عدد الدول المشاركة في البطولة إلى ستة منتخبات، وانضم العراق للنسخة الخامسة عام 1979 ليصبح عدد الدول المشاركة في البطولة سبعة منتخبات، ارتفعت بعد ذلك إلى ثمانية منتخبات بعد انضمام اليمن إلى البطولة عام 2003، والتي بدورها استضافت البطولة لأول مرة فى تاريخ اليمن عام 2011 بمدينة عدن. وعقدت النسخة الماضية من البطولة (خليجي 24) في قطر عام 2019. 

وتنقسم المنتخبات المشاركة في النسخة الـ25 من بطولة كأس الخليج لكرة القدم إلى مجموعتين، تضم الأولى: العراق، واليمن، والسعودية، وعُمان. أما الثانية، فتضم: البحرين، والكويت، وقطر، والإمارات. يُذكر أنه يتأهل منتخبان من كل مجموعة إلى الدور قبل النهائي، الذي يقام بنظام خروج المغلوب.

افتتاح خليجي 25 بالبصرة

وثالثها، الترويج السياحي لمدينة البصرة ورمزيتها التاريخية، والذي يعد واحدًا من أهم مكتسبات البطولة، حيث اختارت اللجنة المنظمة للبطولة، السندباد البحري كأيقونة للافتتاح الذي يجوب الدول الثماني المشاركة فى البطولة لتعزيز أواصر العلاقات بينها، وتعد البصرة أول مدينة إسلامية تم بنائها خارج الجزيرة العربية فى عهد عُمر بن الخطاب وتمتلك العديد من المقومات السياحية.

مكتسبات متعددة:

ينعكس تنظيم العراق للبطولة على تحقيق العديد من المكتسبات التى تصب جميعها نحو تعزيز الاستقرار في العراق وجواره الخليجي، وهو ما يمكن إبرازه في العناصر التالية:

(*) الاستثمار في استقرار العراق: عانى العراق منذ الاحتلال الأمريكي في أبريل 2003 من انكسار قوته وضعف مؤسساته وتغلغل القوى الإقليمية غير العربية في شؤونه واعتدائها على أراضيه، كما أصبح مجالًا للتنافس الدولي والإقليمي الذي تجسد في الصراع الأمريكي-الإيراني على أراضي العراق، من خلال استهداف كل طرف للآخر، وهو ما مثّل تهديدًا لوحدة الأراضي العراقية وانتهاكًا لسيادته، بما انعكس على غياب الاستقرار وتزايد الانقسامات. وربما شكل انعقاد بطولة "خليجى 25" الذي تزامن تنظيم العراق لها مع الذكرى الثالثة لمقتل قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس فى الحرس الثوري الإيراني بعد استهدافه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2020 بمطار بغداد، أبلغ رد على قدرة العراق على التعافي من توظيف أراضيه في لعبة الصراعات الإقليمية والدولية، والتي شكلت أحد مسببات اندلاع انتفاضة الشباب في أكتوبر 2019 الرافضة للتغلغل الإيراني في العراق، للحفاظ على هوية العراق ووحدته واستقراره.

السندباد البحري.. في خليجي 25

(*) عودة العراق لمحيطه العربي: يأتى تنظيم البطولة على أرض العراق ليمثل محطة جديدة على طرق عودة العراق لمحيطه العربي، وهي المحطات التي تشكلت على فترات ممتدة لتتوَّج بعقد بطولة "خليجي 25" في مطلع عام 2023، كان من أبرز تلك المحطات تشكيل آلية التعاون الثلاثى بين مصر والعراق والأردن منذ مارس 2019، والتي شهدت العديد من الاجتماعات والجولات سواءً على مستوى لقاءات القمة بين قادة الدول الثلاث أو على مستوى وزراء الخارجية، بهدف تعزيز التعاون والشراكة، وعقد نسختين من مؤتمر بغداد للشراكة والتنمية، الأولى في العراق 2021 والثانية في الأردن 2022، بهدف دعم العراق وسيادته وأمنه واستقراره، وتطوير آليات التعاون معه، بما يعزز الأمن والاستقرار، ويُسهم في عملية التنمية في المنطقة.

(*) إزالة الآثار النفسية بين العراق وجواره الخليجي: أدى الغزو العراقي للكويت فى أغسطس 1990 إلى تزايد الآثار النفسية والشكوك لدى الشعوب الخليجية من أطماع العراق التوسعية خلال فترة حكم صدام حسين. غير أن معاناة العراقيين التي استمرت لما يزيد على ثلاثة عقود منذ تشكيل التحالف الدولي لتحرير الكويت، ثم الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بنظام صدام حسين، الذي أعقبه تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية، مثل "داعش" و"القاعدة"، اللذين وجدا ملاذات آمنة في أجواء الفوضى التي خلّفها الغزو، وأدت إلى تشريد ولجوء مئات الآلاف من العراقيين. كل صور المعاناة تلك، جعلت هناك نوعًا من التعاطف العربي والخليجي مع العراقيين، وضرورة مساندتهم لتجاوز محنتهم. لذلك فإن تنظيم بطولة "خليجي 25" بالعراق، وفي ظل مشاركته في فعاليات البطولة، ستسهم في تعميق التواصل بين شعب العراق وشعوب جواره الخليجي، على قاعدة أن الرياضة قادرة على إصلاح ما أفسدته السياسة من خلال تشجيع الفرق المشاركة في البطولة والمتنافسة بروح رياضية وتقبل المكسب والهزيمة، وفتح آفاق للتعاون الرياضي الذي سينعكس سياسيًا واقتصاديًا على مجمل التفاعلات بين الجانبين، وهو ما سيسهم في إزالة الشكوك القديمة ومعالجتها، بل ومحوها من الذاكرة الجمعية، وتعزيز الانفتاح والتواصل بين الجيران الأشقاء.

(*) تعزيز أمن الخليج العربي: يتشكل مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذى تأسس عام 1981 من ست دول هي: السعودية والإمارات وعُمان وقطر والبحرين والكويت، وقد كانت هناك دعوات لانضمام العراق واليمن لهذا التجمع لقربهم الجغرافي من دول الخليج، غير أن تلك الدعوات لم تجد تحقيقها على أرض الواقع، وفى ظل روابط الجوار بين دول الخليج الست والعراق واليمن، وفى إطار حاجة المنطقة إلى التلاحم والتضامن بين دولها، والذي تفرضه التحديات الإقليمية والدولية، فإن تعزيز الروابط الاقتصادية و الرياضية سينعكس على أمن الخليج العربي واستقرار دوله، ومنها ما اتخذته دول الخليج في إطار تعزيز علاقاتها مع اليمن منذ قرار قمة مسقط فى ديسمبر 2001 بقبول انضمام اليمن في بعض مؤسسات المجلس، منها المشاركة في مجلس وزراء الصحة والعمل، ومكتب التربية والتعليم، ومنظمة الخليج للاستثمارات الصناعية لدول مجلس التعاون الخليجي، فضلًا عن المشاركة في النشاطات الرياضية، ومنها بطولات كأس الخليج لكرة القدم منذ عام 2003.

مجمل القول، إن انطلاق كأس الخليج لكرة القدم (خليجى 25) من مدينة البصرة العراقية يشكل محطة من محطات لم الشمل، وعودة العراق لمحيطه العربي، بعد أن شكّل خروجه من المحور العربي بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 خصمًا من رصيد القوة العربية الشاملة. وبالتالي فإن عودة العراق بمثل تلك الفعاليات سيضمن دعم استقرار العراق ووحدة أراضيه وتبديد المخاوف الخليجية، وبناء الثقة بين شعوب الخليج وشعب العراق التوّاق للحاضنة العربية بعد أن مزقته التجاذبات الإقليمية والدولية.