تستضيف العاصمة الأردنية عمان النسخة الثانية من مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في 20 ديسمبر 2022. ووفقا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، يشارك فى المؤتمر عدد من قادة وممثلي الدول والمنظمات الإقليمية، وتشمل الدول المشاركة إلى جانب الدولة المضيفة: العراق، ومصر، وفرنسا، والسعودية، والإمارات، وقطر، والبحرين، والكويت، وسلطنة عمان، وتركيا، وإيران. كما يشارك فى المؤتمر الأمناء العامين للجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. ويحضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بصفة ضيف، سفراء الدول العربية، ودول الاتحاد الأوروبي، ومجموعة العشرين والأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن والمعتمدين لدى الأردن. وينعقد المؤتمر تأكيدًا على دعم العراق وسيادته وأمنه واستقراره، ولتطوير آليات التعاون معه بما يعزز الأمن والاستقرار، ويسهم فى عملية التنمية في المنطقة.
كانت النسخة الأولى من المؤتمر قد عقدت في بغداد في 28 أغسطس 2021 بمشاركة الدولة المضيفة، وتسع دول هي: مصر والأردن، وقطر، وفرنسا على مستوى القادة، والكويت والإمارات على مستوى رؤساء الوزراء، والسعودية وإيران وتركيا على مستوى وزراء الخارجية إلى جانب ممثلين للمنظمات الإقليمية والدولية. وجاءت نتائج القمة ليتضمنها بيان المؤتمر الختامى الذى تناول العديد من القضايا أبرزها: دعم جهود الحكومة العراقية في تعزيز مؤسسات الدولة وفقا للدستور، والثناء على جهود العراق وتضحياته في حربه على الإرهاب بمساعدة التحالف الدولي، ومساندة تحقيق الإصلاح والتنمية المستدامة والشراكة مع القطاع الخاص وإعادة الإعمار، والدعوة لحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام السيادة الوطنية.
أهمية متزايدة:
يكتسب انعقاد النسخة الثانية من المؤتمر في هذا التوقيت أهميته من عدة أوجه أولها: أنه يعد ترجمة لاتفاق المشاركين فى النسخة الأولى من المؤتمر تضمنها البيان الختامي على تشكيل لجنة من وزارات الخارجية للبلدان المشاركة للإعداد إلى اجتماعات دورية للمؤتمر، حيث التقت الرغبة فى أن يتحول المؤتمر لقمة دورية تعقد كل عام تقريبًا، وهو ما يسهم في مراجعة ما تحقق من نتائج المؤتمر الأول والبناء عليه، لذلك جاء انعقاد المؤتمر وفقًا لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي تحت شعار "كيف نعمل معًا من أجل دعم العراق".
ثانيها، أن المؤتمر يوفر إطارًا يضم العراق والدول الرئيسية الفاعلة في الإقليم على مائدة واحدة لمناقشة القضايا التي تهم العراق ومحيطه. وهو ما يعكس الرغبة في دعم استقرار العراق، لا سيما وأنه عانى كثيرًا من عدم الاستقرار فى مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي، الذى أسهم في كسر قوة العراق وخروجه من معادلة القوة الإقليمية، واعتبر ذلك خصمًا من رصيد القوة العربية بشكل عام، لذلك ثمة آمال معقودة على أن تسهم الشراكة والتعاون مع دول جوار العراق والقوى المعنية بتفاعلاته في جعله جسرًا للتواصل وتعزيز الحوار الإقليمي والدولي لإيجاد أرضية مشتركة، تقرب وجهات النظر، وتؤسس لحوار جاد بين المتنافسين على مسرح عمليات الإقليم. كما تضاعف الميزان التجاري بين العراق ومصر ليتجاوز حاجز المليار ونصف المليار دولار تقريبًا عام 2021 بعد أن كان دون سقف النصف مليار دولار بكثير قبل عدة سنوات.
وثالثها، أن مشاركة مصر في فعاليات المؤتمر تتماشى مع التوجه المصري الداعم لانفتاح العراق على محيطه العربي، والذى تجسده مشاركتها فى المؤتمر بنسختيه، فضلا عن النجاحات الاقتصادية التى حققتها آلية التعاون الثلاثي بين مصر والأردن ووالعراق، والتى عززت من الروابط الاقتصادية بين الدول الثلاث فى مجالات الربط الكهربائى، والتجارة البينية، حيث تضاعف الميزان التجاري بين مصر والعراق ليتجاوز حاجز المليار ونصف المليار دولار تقريبا خلال عام 2021 . ورابعها، أن انعقاد المؤتمر يأتي فى ظل وقت يمر فيه العالم بالعديد من الأزمات والتحديات العابرة للحدود، مثل أزمات الأمن الغذائي، وكورونا، و التغيرات المناخية وتداعياتها، وفضلاً عن أزمة الركود والتضخم العالمي. وهى أزمات تلقي بظلالها على الواقع العراقي ودول جواره أيضًا.
أهداف متنوعة:
تتنوع أهداف مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون، ويمكن الإشارة إلى أبرزها في التالي:
(*) دعم سيادة العراق: وفقًا لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين فإن انعقاد مؤتمر الشراكة والتعاون يستهدف بالأساس دعم العراق واستمرارية هذا الدعم، وأن هذا الدعم من قبل الدول التي تشارك في المؤتمر يعنى أيضاً دعم سيادة العراق. ويأتى التأكيد على سيادة العراق في ظل تعرض مناطق من أراضيه للقصف من قبل القوات الإيرانية والتركية بهدف تعقب منظمات مناوئة لهما تستخدم الأراضي العراقية ملاذًا لأنشطتها. لذلك جاء تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال كلمته في مؤتمر بغداد الأول للشراكة والتعاون، والذى تم تضمينه كبند رئيسي فى البيان الختامى للمؤتمر بأن الاجتماع يأتى لتجديد الدعم والالتزام بالمبادئ الثابتة في العلاقات الدولية التي لا خلاف عليها وهى حسن الجوار، وعدم الاعتداء، والاحترام المتبادل لسيادة الدول، والامتناع غير المشروط عن التدخل في شؤونها الداخلية والتوقف عن سياسة فرض الأمر الواقع باستخدام القوة العسكرية أو المادية، فضلاً عن عدم توفير ملاذات آمنة، أو أي شكل من أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمتطرفة أو نقل عناصرها من دول إلى أخرى.
(*) توفير الأمن والاستقرار: تشير العديد من المصادر، لا سيما الفرنسية منها إلى أن الهدف من انعقاد قمة هذا العام لا يختلف عن أهداف قمة العام الماضي، وهو تحديدًا مساعدة العراق على توفير الأمن والاستقرار والازدهار، فضلاً عن مناقشة الملفات التي تهم المنطقة، والتي يقع العراق في قلبها كدولة محورية، ومن أبرز تلك القضايا مشكلة الأمن الغذائي، وتبعات الاحتباس الحراري، والتصحر وربط الشبكات الكهربائية والتعامل مع الكوارث الطبيعية.
(*) دعم مشروعات إعادة الإعمار: جاء تأكيد المشاركين فى النسخة الأولى من مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون على دعم إعادة الإعمار وتوفير الخدمات ودعم البنى التحتية وتعزيز دور القطاع الخاص، وكذلك جهودها فى التعامل مع ملف النازحين وضمان عودتهم إلى مناطقهم بعد طي صفحة الإرهاب. وتشكل جهود إعادة الإعمار في العراق إحدى القضايا المحورية اللازمة لدعم استقراره لاسيما من خلال إعادة تأهيل المناطق التي شهدت معارك ضارية ضد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة والتعامل مع ملف النازحين وضمان العودة الطوعية الكريمة إلى مناطقهم الرئيسية.وهى إجراءات داعمة للتنوع والتعدد الذى يمثل رصيدًا لقوة المجتمع العراقي ويحول دون التلويح باستخدام ورقة الإبادة الجماعية لأي من العرقيات الموجودة على أرض العراق.
(*) مساندة جهود محاربة الإرهاب: إذا كان المشاركون في فعاليات النسخة الأولى من مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في أغسطس 2021 قد أثنوا على جهود العراق وتضحياته في حربه على الإرهاب، فإنه من المتوقع أن يدعم المشاركون في النسخة الثانية تلك الجهود لاسيما وأن التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة قد حقق نجاحات بارزة في هذا الملف، والتى ارتبطت باستهداف عدد من قيادات التنظيم وتصفيتهم ، وقد أسفرت تلك الجهود عن دعم القوات العراقية ومساندتها فى اجتثاث التنظيم من الأراضي العراقية. وهو الأمر الذى انعكس على إعلان العراق فى 2017 خاليًا من سيطرة التنظيم على أى من أراضيه.
تحديات ماثلة:
هناك العديد من التحديات التى تواجه دعم استقرار العراق، ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك التحديات فى التالي:
(*) التنافس الدولي والإقليمي: يشكل التنافس الدولي والإقليمى أحد التحديات التى تواجه استقرار العراق لا سيما وأن القوى الإقليمية لها أهداف توسعية مثل تركيا وإيران، كما أنهما يسعيان إلى توظيف ورقة العراق فى مشروعهما الإقليمي. فبالنسبة لإيران ومع صعوبة التوصل لاتفاق مع الدول الغربية بشأن برنامجها النووي وفى ظل ما تعانية من انتفاضة للشباب فإنها ستسعى لتوظيف تغلغلها في العراق للحد من الضغوط الدولية عليها بحيث يتم نقل مواجهتها حول برنامجها النووى خارج الأراضي الإيرانية ليصبح العراق مجالاً لذلك التنافس. كما تسعى تركيا من خلال تعقبها للأكراد فى دول جوارها سوريا والعراق، لصرف الأنظار عن تعقد المشكلات الداخلية. أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وعلى خلفية إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني فى أول مؤتمر صحفى لحكومته مطلع نوفمبر 2022 عقب توليه المسؤولية بأنه مفوض من القوى العراقية لإجراء حوار مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتحديد مدى الحاجة لتواجدها، فقد جاء رد السفيرة الأمريكية لدى العراق حاسمًا بأن قوات بلادها لن تغادر العراق.
(*) الأزمة الاقتصادية: تمثل الأزمة الاقتصادية فى العراق أحد العوامل المؤثرة على الاستقرار فوفقا لوزارة التخطيط العراقية فإن عدد العاطلين عن العمل يعد أكثر من 4 ملايين عاطل فى عام 2021، ونسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر تصل إلى أكثر من 27 % أي ثلث سكان العراق خاصةً بعد تخفيض سعر قيمة العملة المحلية (الدينار العراقي) بحيث أصبح سعر صرف الدولار الأمركي ما يعادل 1459 دينارًا فى أكتوبر 2022، يضاف إلى ذلك أزمات الكهرباء، والمياه. وغياب التوازن فى التنمية بين الأقاليم الجغرافية العراقية.
(*) عودة داعش: أعلن تنظيم داعش الإرهابي في 19 نوفمبر 2022 مسؤوليته عن عمليتين إرهابيتين أسفرتا عن سقوط نحو عشرة ضحايا، الأولى استهدفت قيادة الفرقة الثامنة من اللواء 31 في كركوك، والثانية استهداف قوات من الحشد الشعبي في محافظة ديالي. وفي 18 ديسمبر 2022 نسب إلى التنظيم مقتل تسعة من عناصر الشرطة الاتحادية العراقية فى هجوم استهدف آلية نقلهم غرب محافظة كركوك في شمال العراق.ووفقًا لعدد من المحللين المعنيين بقضايا الإرهاب، فإن تجدد تلك العمليات الإرهابية تعد مؤشرًا على محاولات التنظيم أن يظل رقمًا في المعادلة الأمنية العراقية، بعد النجاحات التى حققتها القوات العراقية فى مواجهة التنظيم، كما أنها كشفت عن سعي التنظيم الحثيث لاستثمار التوتر الإقليمي لإثبات وجوده ورفع الروح المعنوية لمقاتليه بعد الخفوت النسبي لعملياته.
مجمل القول إن انعقاد النسخة الثانية من مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة فى الأردن، وبقدر ما يسعى المشاركون فيه لدعم استقرار العراق والحفاظ على سيادته ضد التجاذبات الإقليمية والدولية، فإنه يشكل أيضًا تعزيزًا للانفتاح العراقي على محيطه العربي فى ظل الإعلان عن مشاركة عدد من الدول العربية فى فعالياته، فضلاً عما حققته الآلية الثلاثية التي انطلقت من القاهرة فى مارس 2019 وتضم مصر والعراق والأردن من نجاحات اقتصادية. وهى الفعاليات القادرة على تحصين العراق وتعزيز مناعته الذاتية حتى يتعافى الداخل، ويعود العراق ليضاف لرصيد القوة العربية الشاملة.