الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تداعيات الدعم العسكري الروسي للنيجر

  • مشاركة :
post-title
روسيا ترسل مدربين عسكريين إلى النيجر

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في يوم الخميس الموافق 11 أبريل 2024، أعلن التلفزيون الرسمي للنيجر وصول مائة مدرب عسكري روسي، نيامي على متن طائرة نقل من طراز إليوشن-76 تحمل معدات عسكرية ونظام دفاع مضاد للطائرات، ونقلت الكاميرا صورًا للمدربين أمام الطائرة عقب وصولهم مباشرًة. 

وخلال لقاء مع أحد المدربين، صرّح بأن وجود المدربين الروس بأرض النيجر هدفه تدريب الجيش على كيفية استخدام المعدات العسكرية، وتعزيز التعاون العسكري بين روسيا والنيجر في المسائل الأمنية، وتأتي تلك الخطوة في أعقاب محادثة هاتفية جرت مؤخرًا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعبدالرحمن تياني، 26 من مارس 2024، ناقشا خلالها الوضع الأمني في النيجر ومكافحة الإرهاب في المنطقة برمتها، إذ تسعى دول التحالف الثلاثي (مالي، النيجر، وبوركينا فاسو) إلى التجديد في استراتيجيتهم العسكرية؛ نظرًا لعدم رغبتهم في وجود جيوش غربية على أراضيهم، ويبدو أن التقارب الروسي النيجري سيسهم في تغيير ملامح علاقات النيجر الخارجية مع الغرب.

بُناءً على ما تقدم يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: ما تداعيات الدعم العسكري الروسي للنيجر؟

دلالات التوقيت

إن دلالات توقيت انزلاق النيجر فى الفلك الروسي يتزامن مع عدة خطوات اتخذتها النيجر خلال الفترة الماضية، تتمثل في:

(*) طرد القوات الفرنسية والاستغناء عن الدعم الأوروبي: إن الاضطراب السياسي الذي شهدته النيجر، 26 يوليو 2023، سببًا واضحًا في تراجع الوجود الأوروبي في النيجر خاصة ومنطقة الساحل الإفريقي عامًة. وردًا على الاضطراب السياسي، قرر كل من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا فرض عقوبات على النيجر، من أجل استعادة الحكم الديمقراطي في البلاد، والإفراج عن الرئيس المنتخب "محمد بازوم"، ما تمخض عنه إلغاء السلطات النيجرية اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي المرتبط ببناء القدرات المدنية في النيجر، وارتفاع مشاعر العداء مع فرنسا التي تعرضت لخسارة استراتيجية وجيوسياسية هائلة، إلى أن خرج آخر جندي فرنسي من النيجر، ديسمبر 2023، وأعلن قادة النيجر تعليق كل أشكال التعاون مع المنظمة الدولية للدول الناطقة بالفرنسية. فطرد القوات الفرنسية من النيجر يأتي في صالح روسيا التي تضع المصالح الاقتصادية الفرنسية بالنيجر نُصب عينيها، واستغلت موسكو العداء الصريح بين النيجر وفرنسا؛ لسد الفراغ الفرنسي بحجة الحفاظ على أمن واستقرار النيجر ومنطقة الساحل الإفريقي.

(*) السعي لمغادرة القوات الأمريكية العسكرية من النيجر: 16 مارس 2024، أعلنت النيجر إلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، و13 أبريل الجاري، نظم أنصار المجلس الانتقالي في النيجر احتجاجات؛ للتنديد بوجود أفراد عسكريين أمريكيين ما زالوا متمركزين في البلاد، واستمرت المباحثات إلى أن وافقت النيجر، 19 أبريل الجاري، على سحب القوات الأمريكية من قاعدة الطائرات دون طيار الرئيسية في النيجر. فالدعم العسكري الروسي للنيجر، يشكل ضربة خطيرة للوجود الأمريكي في النيجر التي كانت لسنوات طويلة مركز العمليات الأمريكية في غرب وشمال إفريقيا، وأدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن انسحاب قواتها العسكرية من النيجر يعني ترك المنشآت العسكرية الحيوية للروس، إذ تتماشى خطوة الإقبال على سحب القوات الأمريكية من النيجر مع النمط الأخير الذي اتبعته دول منطقة الساحل؛ من أجل عقد شراكات مع روسيا وإلغاء الشراكة مع الغرب.

تداعيات التقارب الروسي النيجري

يحمل التقارب العسكري بين روسيا والنيجر آثارًا وتداعيات محتملة، يمكن إيضاحها في:

(*) ازدهار التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي: يبدو أن الرحيل القسري للجنود الفرنسيين، وإغلاق قاعدة الطائرات دون طيار الأمريكية في النيجر التي كانت المعقل الأخير لاستمرار مكافحة الإرهاب والاستقرار في منطقة مضطربة أمنيًا على نحو متزايد، أطلقا العنان للإرهابيين والعناصر الجهادية لزعزعة الاستقرار الأمني في النيجر والدول المحيطة. فالتنافس بين الدول المتموقعة في النيجر، سيؤدي إلى استغلال الجماعات الإرهابية المسلحة لتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية. من خلال تنفيذ أعمال عنف متزايدة من قبل تنظيم داعش الإرهابي، فضلًا عن التهديد المستمر الذي يشكله مسلحو بوكو حرام على طول حدودها مع نيجيريا، الذي أسفر عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين.

(*) تصعيد التوترات الفرنسية النيجرية: ما زال لدى فرنسا مصالحها الاقتصادية في النيجر، تتمثل أهمها في استكشاف اليورانيوم. فإذا منحت النيجر حقوقًا لروسيا، من المرجح أن يؤثر التقارب الروسي للنيجر على الشركات الفرنسية ذات تراخيص التعدين الحالية التي تقوم النيجر بمراجعتها، ومن ثم تتأثر المصالح الاقتصادية لفرنسا في النيجر بشكل يكبدها خسائر اقتصادية هائلة، لكن هذه التداعيات الاقتصادية ستتوقف على مستوى التعاون العسكري مع النيجر، فالشائع في علاقات روسيا بدول الساحل الإفريقي تطبيق ما يُسمى بامتيازات التعدين التي تطبقها روسيا مع كل من مالي وبوركينا فاسو.

(*) إعلان خطط اقتصادية روسية في النيجر: يبدو أن موسكو لم تكتفِ بالتواجد العسكري في النيجر، بل تسعى لتعزيز التعاون الاقتصادي مع النيجر، فمن المرجح كما يرى خبراء الاقتصاد أن يتم الحديث قريبًا عن مشروع ممر روسي للسكك الحديدة للربط بين جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والموانئ الليبية عبر النيجر، بما أسهم في تعزيز عمليات التعدين في منطقة الساحل الإفريقي، ولا نستبعد الاستعانة بالفيلق الروسي في إفريقيا من أجل الحفاظ على المصالح الاقتصادية لروسيا بالنيجر. إذ كان للفيلق الإفريقي دور في الاستجابة لمطالب المجلس الانتقالي في النيجر؛ لتعزيز الأمن ومواجهة التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للنيجر.

الفيلق الروسي في إفريقيا

(*) استغلال موسكو للفراغ الأمريكي في منطقة أغاديز: في أعقاب الانسحاب العسكري الأمريكي من النيجر، من المحتمل أن تستغل روسيا الفراغ الأمريكي على المستوى العسكري؛ من أجل استنساخ قاعدة للطائرات دون طيار في منطقة أغاديز، ويرى الخبراء أنه من المحتمل نشر طائرات "شاهد 136" "المعروفة في روسيا باسم جيرانيوم" بقاعدة "201" العسكرية المتاخمة لأغاديز.

القاعدة العسكرية الأمريكية "201" في النيجر

(*) تأثر علاقة النيجر بالاتحاد الأوروبي: ينفذ الاتحاد الأوروبي مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء أو ما يُعرف بخط أنابيب الغاز لإفريقيا، ويبلغ قيمته 13 مليار دولار وفق تقرير للبنك الدولي؛ لإنشاء خط أنابيب غاز طبيعي يمتد من نيجيريا إلى الجزائر، والهدف من المشروع تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي، واستنادًا للعداء بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، من المرجح عرقلة تنفيذ خطوات المشروع الجاري تنفيذه، إلى جانب استغلال المجلس الوطني لمشروع خط الأنابيب كوسيلة ضغط ضد الاتحاد الأوروبي من أجل المطالبة بتنازلات مالية كبيرة.

(*) بحث الولايات المتحدة الأمريكية عن أماكن بديلة في غرب إفريقيا: مع تدهور العلاقات الأمريكية النيجرية من المحتمل أن تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة تمركزها في منطقة بديلة للنيجر بغرب إفريقيا؛ حتى تعوض خسارتها العسكرية والاقتصادية في النيجر، وتعتبر غانا وكوت ديفوار وبنين، من الدول التي تخطط الولايات المتحدة الأمريكية لكي تتموقع بها، ومن ثم تحافظ على نفوذها في القارة السمراء.

(*) تأجيل عملية الانسحاب الأمريكي نهائيًا من النيجر: مع تطور المواقف الأمريكية مع النيجر التي انتهت بالموافقة على سحب القوات الأمريكية، لم تصدر وزارة الخارجية أي إعلان علني فوري، ولم يتم تحديد جدول زمني بعد لسحب القوات. ومن المرجح أن تتمهل الولايات المتحدة الأمريكية في رد فعلها، وبالتالي تأجيل فكرة سحب قواتها العسكرية وإخلاء قواتها العسكرية فعليًا من أراضي النيجر. لذلك، لا نستبعد تغيير المشهد، واحتفاظ النيجر بالقوات الأمريكية لوقت أطول، خاصة أن هناك فئة من الجيش النيجري تدعم فكرة الوجود العسكري لواشنطن.

ختامًا، يمكن القول إن النيجر تواجه طريقًا صعبًا للمضي قدمًا بعد إغلاقها الباب أمام كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ويمكن تفسير قرارات المجلس الوطني الحاكم في النيجر بأنها تهدف للحفاظ على الذات بدلًا من أمن شعب النيجر. ويبدو أن وجود روسيا النشط في النيجر، سيغير المشهد الأمني والاقتصادي بمنطقة الساحل الإفريقي برمتها، خاصة أن الجارتين مالي وبوركينا فاسو، اللتان شكلت النيجر معهما تحالف دول الساحل، تعلنان عن شراكتهما مع موسكو منذ عدة أشهر، حتى باتت روسيا الفائز الاستراتيجي الأكبر في المنطقة، ولا شك أن انهيار التعاون العسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية والنيجر، كخطوة تبعت التقارب الروسي للنيجر، له تأثير مباشر على أمن النيجر وكفاءة القوات العسكرية النيجرية.