الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

انعكاسات إلغاء النيجر اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة

  • مشاركة :
post-title
القاعدة الجوية الأمريكية Air Bace-201 في أجاديز

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في يوم السبت الموافق الـ16 من مارس 2024، أعلن المتحدث باسم المجلس الوطني في النيجر، الكولونيل أمادو عبد الرحمن، إلغاء اتفاق عسكري يسمح بوجود أفراد عسكريين ومدنيين من وزارة الدفاع الأمريكية على أراضي النيجر. ويتزامن القرار مع ظروف جديدة تعيشها النيجر كانسحاب آخِر جندي فرنسي في ديسمبر الماضي (2023)، والانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) في فبراير الماضي 2024، إلى جانب مساعي النيجر الحالية لأن يكون لها عملة موحدة بدلًا من الفرنك الإفريقي.

يبدو أن القرار المُعلَن لم يَكُن محض الصدفة؛ بسبب الخلافات المتصاعدة بين نيامي وواشنطن، والتي بدأت منذ الاضطراب السياسي الذي شهدته هذه الدولة في يوليو 2023، إذ اتخذت واشنطن موقفًا معارضًا للقيادة الحاكمة. وفي أعقاب تصرفات النيجر بإلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، في الـ 27 من مارس 2024، التقت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى النيجر كاثلين فيتزجيبون بوزير داخلية النيجر، وتم الاعتراف بالاتفاقيات الملغاة وأعلنت السفيرة عن خطط لمناقشة عملية الانسحاب الرسمية. فالوجود العسكري بالنيجر بدأ منذ عام 2012 من خلال توقيع اتفاقيات بين واشنطن ونيامي لتدريب القوات النيجرية لمكافحة الإرهاب، وتمركزت القوات الجوية الأمريكية في قاعدة نيامي 101، ثم انتقلت إلى قاعدة أجاديز 201 بُناءً على طلب حكومة النيجر عام 2023.

تأسيسًا على ما سبق، يسعي هذا التحليل للإجابة عن سؤال: ما تداعيات إلغاء النيجر اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية؟

مُبررات راهنة

يعود القرار المُتخّذ من المجلس الوطني بالنيجر بشأن العلاقات بين نيامي وواشنطن إلى عدة دوافع وأسباب، تتمثل أبرزها في:

(&) تقييد الوجود العسكري الأمريكي بالنيجر: أكد المسؤولون في النيجر أن الحكومات الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا فشلتا في العمل بشكل وثيق مع الحكومات الإفريقية في تحقيق التنمية بالنيجر، إذ لا يوجد دليل علني على أن القواعد الأمريكية الموجودة في النيجر أثبتت فائدتها في القضاء على الإرهاب، حتى ساد التصور على نطاق واسع أن الوجود الأمريكي في النيجر بمثابة امتداد للنمط الاستعماري القديم الذي يضع مصالحه في المقام الأول، ثم مصلحة النيجر في المقام الثاني. وصرَح المتحدث باسم جيش النيجر الكولونيل أمادو عبد الرحمن عبر التلفزيون الوطني أن الوجود الأمريكي على أراضي النيجر غير قانوني، وينتهك الأمريكيون القواعد الدستورية والقانونية. فخشية النيجر من النفوذ المتزايد للولايات المتحدة الأمريكية، كان دافعًا لإلغاء اتفاقية التعاون العسكري معها.

(&) رغبة النُخبة الحاكمة في استمرار سُلطتها: تعيش النيجر حاليًا مرحلة انتقالية يقودها العسكريون؛ نتيجة الاضطرابات السياسية التي شهدتها في يوليو 2023، وتعترض قوى الغرب على مسؤولية البلاد في قبضة المجلس الحاكم، وتسعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع نهاية لتلك الفترة الانتقالية من خلال الدعوة لإجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة. لكن يبدو أن المجلس الحاكم يرغب في استمرار قيادته للبلاد حسب تصريح له باحتمالية استمرار الفترة الانتقالية إلى ثلاث سنوات. لذلك، جاء قرار المجلس الحاكم بإلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، بدافع رغبة المجلس في تثبيت سلطته بالنيجر، ومن ثَم تثبيط الدعوة لإجراء انتخابات ديمقراطية، حيث تمارس القوى الغربية ضغوطًا على النيجر؛ للانتقال السريع للحكم الديمقراطي، وهو ما يرفضه المجلس الحاكم بحجة أنه انتهاك لسيادة النيجر.

(&) المشاعر المعادية بشأن قرار تعليق المساعدات الأمريكية: في خضم الفترة الانتقالية للنيجر التي بدأت في يوليو 2023، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في أكتوبر 2023 عن تعليق جميع المساعدات العسكرية لحكومة النيجر عدا المساعدات الإنسانية والصحية؛ بسبب إطاحة المجلس الحاكم بالرئيس محمد بازوم، كمحاولة أمريكية لاستعادة الحكم الديمقراطي من جديد. لكن قرار تعليق المساعدات أغضب المجلس الحاكم، وساهم في تصعيد التوتر بين واشنطن ونيامي، خاصًة أن الولايات المتحدة الأمريكية في الخامس من أغسطس 2023 أوقفت برامج تبلغ تكلفتها 200 مليون دولار مُقدمة للنيجر قبل قرار الإطاحة بالرئيس محمد بازوم. فعلى الرغم من مواصلة واشنطن دعمها الصحي والإنساني لنيامي، إلا أن تعليق المساعدات العسكرية للحكومة دفع النيجر لإلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع واشنطن كشكل من أشكال الانتقام من القرار الأمريكي لتعليق المساعدات.

(&) عدم احترام الوفد الأمريكي للأعراف الدبلوماسية للنيجر: في الـ12 من مارس 2024، زار وفد أمريكي مكون من وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية مولي في، ومساعد وزير الخارجية للشؤون الدولية الدكتورة سيليست فالاندر، وقائد أفريكوم الجنرال مايكل أي لانجلي، وغيرهم العاصمة نيامي لمدة ثلاث أيام، ولم يلتقِ الوفد بقائد المجلس الحاكم الجنرال عبد الرحمن تشياني، وهذه الزيارة جاءت بشكل مفاجئ دون إشعار رسمي للسلطة الحاكمة بتفاصيل حول موعد الوصول أو جدول الأعمال وما شابه ذلك. واعتبر المجلس الحاكم بنيامي أن الوفد الأمريكي يخترق البروتوكول الدبلوماسي للنيجر، وصرح الجنرال أمادو عبد الرحمن بعد يومين من مغادرة الوفد في الـ16 من مارس 2024، أن الحكومة الأمريكية ناقشت مصير النيجر للانتقال الديمقراطي، مما دفع النيجر لاتخاذ موقف بإلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية.

انعكاسات القرار

يحمل قرار إلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية انعكاسات عدة على النيجر خاصًة ومنطقة الساحل الإفريقي عامًة، تتمثل أهمها في:

(&) التأثير السلبي على المصالح الأمريكية في المنطقة: يتمثل الهدف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية من وجودها في منطقة الساحل الإفريقي، في تحقيق مصالحها الاقتصادية في المنطقة بالاستفادة من الثروات الهائلة للدول الإفريقية، ولجأت إلى استغلال نقطة ضعف المنطقة الممثلة في غياب الأمن بسبب الإرهاب الذي تمارسه الجماعات المسلحة، ودفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز العلاقات بين واشنطن ودول إفريقيا في مجال مكافحة الإرهاب. وتعد النيجر موقعًا استراتيجيًا مهمًا للولايات المتحدة الأمريكية؛ نظرًا لاشتراك النيجر في حدودها مع سبع دول حيث جنوبًا (بوركينا فاسو) و(نيجيريا)، أما من الجنوب الغربي (بنين)، وغربًا (مالي)، أما من الشمال الشرقي (ليبيا)، وشمالًا (الجزائر)، وشرقًا (تشاد). فيبدو أن إلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع واشنطن، سيؤدى إلى اضطراب العلاقات الأمريكية الإفريقية في منطقة الساحل الإفريقي، وتتعثر المصالح الأمريكية.

(&) تعزيز التعاون بين موسكو ونيامي: تسعى روسيا لاستغلال أي خرق للعلاقات بين النيجر والدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، وسيكون تدهور العلاقات بين واشنطن ونيامي بمثابة ورقة رابحة تستخدمها موسكو لتوسيع نفوذها الإقليمي والتغلغل في المنطقة. ففي الـ26 من مارس 2024، أُجرى اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس مجلس حماية الوطن الحاكم في النيجر الجنرال عبد الرحمن تشياني، وناقش الجانبان الوضع في منطقة الصحراء والساحل بما في ذلك التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب. فروسيا بمثابة الشريك الآمن للدول الثلاث التي شهدت اضطرابات سياسية (مالي، النيجر، وبوركينا فاسو)، وإلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع واشنطن هو خطوة لتعزيز العلاقات بين موسكو ونيامي، من خلال إبرام صفقات مع النيجر في ملف مكافحة الإرهاب. فبينما يشهد النفوذ الأمريكي تراجُعًا، يحرز النفوذ الروسي تقدُمًا. 

(&) انسحاب القوات الأمريكية من النيجر: يبدو أن المشهد الحالي الذي يصف مصير العلاقات بين واشنطن والنيجر تكرر من قبل مع باريس، وجاء الانسحاب الفرنسي من النيجر تدريجيًا عقب تفاقم الأوضاع وتصاعُد التوترات بين نيامي وباريس. لذلك، لا يُستبعَد اتخاذ نيامي قرار الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية، ومن ثَم تقليص الوجود الأمريكي بالمنطقة من خلال إنهاء عمل القاعدة العسكرية الأمريكية (201) في النيجر.

(&) تَمَدُد التنظيمات الإرهابية بالمنطقة: لا شك أن القاعدة العسكرية التي أسستها واشنطن في النيجر ساهمت في كبح الوجود الإرهابي إلى حدٍ ما، حتى وإن كان بمستوى غير مؤثر في تهديد وجود التنظيمات الفاعلة في هذه المنطقة، لكن مع الانسحاب الأمريكي تدريجيًا واحتمالية الحرمان من القاعدة العسكرية الأمريكية سيكون حافزًا للعديد من التنظيمات الإرهابية -تحديدًا داعش والقاعدة- لتوسيع نفوذهما وتحقيق غايتهما في السيطرة والتمَدُد.

ختامًا، تُعَد خطوة النيجر باتخاذ قرار إلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية ورقة رابحة للعديد من الأطراف على المستوى الإقليمي والدولي، وستشهد العلاقات بين النيجر والدول الغربية تصعيدًا إيجابيًا وسلبيًا في آنٍ واحد. فالوضع المتأزم لواشنطن في نيامي، سيحفز موسكو لمدّ نفوذها جيوسياسيًا في المنطقة بأكملها، ما يسبب قلقًا للولايات المتحدة الأمريكية التي تحاول تَفادِي المخاطر الناجمة عن إلغاء الاتفاقية العسكرية مع النيجر إلى إبرام اتفاقيات تعاوُن أمني جديدة مع دول مثل غانا وكوت ديفوار وبنين لطائرات الاستطلاع الأمريكية بدون طيار، وستشهد القارة السمراء تحَوُلًا في العلاقات مع قوى الغرب خلال الفترة المقبلة.