الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بعد 150 يوما.. حدود التغيير في مواقف القوى الدولية من أحداث النيجر

  • مشاركة :
post-title
إغلاق سفارة فرنسا في النيجر - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

يطرح مرور 150 يومًا على أحداث النيجر وانشغال العالم بتطورات الحرب الإسرائيلية على غزة، عدة تساؤلات، لعل أهمها: كيف تغيرت مواقف القوى الدولية من تطورات الوضع الداخلي بالنيجر، التي تهدد وفقًا لمراقبين المصالح الأمريكية والفرنسية في غرب إفريقيا، وتعزز من الفرص الصينية في هذه المنطقة. وعليه، بل وتزيد من قلق الحلفاء الغربيين من أن تصبح هذه الدولة موطئ قدم جديد لروسيا في المنطقة؟.

مؤشرات التغيير:

ثمة مؤشرات تشير إلى حدوث تغير في مواقف القوى الكبرى من تطورات الوضع في دولة النيجر، لعل أهمها:

(*) تحركات فرنسية غير محسوبة: أدت حالة الارتباك التي سيطرت على فرنسا بعد الإطاحة بـ"محمد بازوم" ومحاولات استعادته إلى السلطة سواء بالوسائل العسكرية أو السياسية، إلى قيام فرنسا بتحركات تُعد غير محسوبة، وتشير إلى إصابة متخذي القرار الفرنسي بحالة ارتباك، تسببت في قيام الحكومة الفرنسية بسحب آخر قواتها العسكرية المتبقية في النيجر، التي انتهت بمغادرة السفير الفرنسي "سيلفان إيتيه"، سبتمبر 2023، بناءً على إصرار المجلس العسكري الذي يتولى السلطة منذ يوليو الماضي. بالتالي، يمكن تفسير تراجع الدور الفرنسي في النيجر مقابل تموقع قوى دولية أخرى، بعدة عوامل، أهمها:

(-) المشاعر العدائية من قبل المجلس العسكري الذي يتولى السلطة منذ يوليو الماضي تجاه فرنسا: تنبع هذه المشاعر من الوجود العسكري الفرنسي لأكثر من عقد من الزمان بالنيجر، ما عزز من فكرة الانسحاب، باعتبارها خطوة مهمة للوحدة الوطنية في هذه الدولة.

(-) السعي الإفريقي لفك التشبيك الاقتصادي المزمن مع الأوروبيين، على رأسهم فرنسا: إذ تلاحظ خلال الفترة الأخيرة ظهور نخبة اقتصادية في دولة النيجر أصرت على فك ربط العُملة الوطنية لبلدها بأوروبا؛ فمنذ يناير 2002 تم ربط عُملة غرب إفريقيا وهي "فرنك" باليورو، ما تسبب في اعتبار "الفرنك" الإفريقي أداة استعمارية تعيق عجلة التنمية الاقتصادية بالنيجر.

(-) رغبة السلطة الجديدة في النيجر بتموقع قوى اقتصادية أخرى بديلة للدور الفرنسي، للاستفادة الكاملة من مستخرجات اليورانيوم، الذي حققت منه باريس أرباحًا ضخمة من استخراجه: فقد أكدت السلطة الجديد بالنيجر في بيان صادر 22 ديسمبر 2023، أن "القوات الفرنسية ستُكمل انسحابها من النيجر في نهاية عام 2023". وعليه، يمكن التأكيد أنه غادر النيجر حتى تاريخه 1346 جنديًا فرنسيا و80% من معداتهم اللوجستية، ولم يتبق سوى 157 جنديًا.

(*) تطور في الموقف الأمريكي ومحاولة استغلال الفراغ الذي تركته فرنسا باعتبارها شريكًا جديدًا: على الرغم من قطع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرهما من دول العالم، المساعدات عن النيجر بعد الإطاحة بالرئيس "بازوم"، إلا أن الموقف الأمريكي اختلف كثيرًا عن الموقف الفرنسي، فبالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من النيجر، لم تقُم الولايات المتحدة الأمريكية بسحب قواتها العسكرية بل أفسحت المجال لمزيد من التعاون الأمني والتنموي على مراحل مختلفة مع كبار الوزراء بالسلطة الجديدة في النيجر؛ كمحاولات من أجل بسط السيطرة بحجة استعادة الديمقراطية للبلاد، وبالتالي إبداء موقفًا غير مؤيد للتدخل العسكري الذي سيجعل النيجر في حالة من التدهور والانحطاط الاقتصادي والسياسي. وما يشير إلى حرص "واشنطن" على استغلال الفراغ الذي تركته فرنسا بالنيجر، هو تصريح مولي، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية، 20 ديسمبر 2023، في اجتماعها مع قيادة السلطة الجديدة بالنيجر، إذ قالت إن "الولايات المتحدة الأمريكية تعتزم استئناف التعاون الأمني والتنموي مع النيجر بشرط أن تتخذ خطوات لاستعادة الديمقراطية". كما يمكن إرجاع التطور الإيجابي في الموقف الأمريكي تجاه السلطة الجديدة بالنيجر بعد الانسحاب الفرنسي، إلى ترحيب المجلس العسكري الحاكم بالنيجر، بأن تكون دولتهم خلال الفترة المقبلة شريكًا جيدًا للولايات المتحدة الأمريكية، مع إبداء محاولات أمريكية بشأن تخفيف العقوبات المفروضة على النيجر من قِبَل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، التي أكدت أنها على استعداد لتخفيف تلك العقوبات في حال نجاح المفاوضات مع المجلس العسكري، وبالتالي تحقق الولايات المتحدة الأمريكية مصالحها في المنطقة.

(*) إصرار روسي على تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني مع السلطة الجديدة كبديل آمن للدولة الفرنسية: مع إعلان النيجر إلغاء كل الاتفاقيات الأمنية والعسكرية مع فرنسا، وسحب القوات الفرنسية والتخلص من الاستعمار الفرنسي، ومحاولات الولايات المتحدة الأمريكية، كسب ثقة النيجر بالتفاوض مع المجلس العسكري الحاكم للبلاد، بدت محاولات روسية جادة لاستعادة دورها التعاوني مع النيجر فيما يتعلق بتزويدها بالسلاح والمعدات التي استخدمت في مكافحة الإرهاب بالنيجر في أثناء الوجود الفرنسي، قابلها رغبة من الحكومة النيجرية بالحرص على التعاون العسكري مع روسيا خلال الفترة المقبلة، باعتبارها قوة بديلة لفرنسا، إذ أكد علي مهامان لامين زين، رئيس وزراء النيجر، 19 ديسمبر الجاري، أن "النيجر ترغب في تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي بين النيجر وروسيا". فمن الواضح أن هناك اتفاقًا بين الطرفين الروسي والنيجري على تطوير علاقاتهما في المجالين الدفاعي والاقتصادي، خاصة فيما يتعلق بمواجهة التحديات المتعلقة بالإرهاب الذي يحتاج إلى دعم من الدول الصديقة كروسيا من وجهة نظر النيجر. فالسلطة الجديدة بدولة النيجر تثق في روسيا، خاصة وأنها لم توافق على التدخل العسكري في بلادهم؛ هذا بالإضافة إلى أن مجموعة "فاجنر" الروسية، أبدت في بداية الأزمة استعدادها لدعم قادة المجلس العسكري؛ للحيلولة دون تدخل مجموعة دول غرب إفريقيا "إيكواس" بشكل عسكري في البلاد. وبالتالي، يمكن القول إن السلطة الجديدة بالنيجر، تعتبر روسيا بمثابة الحليف المميز القوي لدولتهم بعد خروج القوات الفرنسية، وبيد أن الاتفاق على إقامة عدد من المشروعات الاقتصادية التنموية في النيجر سيُمكن روسيا من الوجود القوي والاستفادة من الموارد المعدنية في النيجر لتحقيق مصالحها.

(*) تقارب واضح في الموقفين الألماني والإيطالي من السلطة الجديدة بالنيجر، وتطور إيجابي تجاه مساندة المجلس العسكري في القيام بدوره الاقتصادي والسياسي: تُعد ألمانيا من الدول التي رفضت التدخل العسكري عقب أحداث النيجر، يوليو الماضي، بل ترى أن الحلول الدبلوماسية والسياسية هي التي تُمكن النيجر من الخروج من حالة التدهور الاقتصادي والسياسي، ونتيجة التقارب الإيجابي بين البلدين ألمانيا والنيجر، استأنفت السلطة الجديدة في النيجر مشروعات التعاون مع ألمانيا باعتبارها اللاعب والشريك الذي يقود النيجر للتنمية والتقدم. وما يعزز هذا التعاون، هو امتلاك ألمانيا لقاعدة النقل الجوي الواقعة على أطراف العاصمة النيجرية "نيامي"، التي تشمل أكثر من مئة جندي ألماني، التي ربما تمثل أحد أدوات مكافحة الإرهاب والتطرف في النيجر ومنطقة الغرب الإفريقي.

وعلى ما سبق، ووفقًا للتقارب الواضح بين السلطة في النيجر وروسيا، خلال الفترة الأخيرة، يمكن القول إن ألمانيا شأنها شأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تخطط لإجلاء رعاياها من النيجر، بل تسعى جاهدة لإقامة علاقات تنموية نيجرية، فهناك مباحثات بين البلدين حول إحياء مشروعات التعاون، فقد أكد بوريس بيستوريوس، وزير الدفاع الألماني، في أثناء زيارته الأولى للنيجر عقب أحداث 26 يوليو، أن بلادهم تحرص على استمرار عمل الجنود الألمان على تدريب الجنود النيجريين كخطوة مهمة على استمرار التعاون وإقامة علاقات قوية قادمة، وبالتالي ستكون ألمانيا على مقربة من تحقيق مصالحها في القارة الإفريقية.

أما إيطاليا، فقد اتخذت موقفًا مماثلًا لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، من خلال الحفاظ على الوجود العسكري الإيطالي فى النيجر الذي يبلغ تعداده 300 جندي تقريبًا. فإيطاليا تسعى للحوار مع قيادات المجلس العسكري، وتجتهد بأن تصبح لاعبًا رئيسيًا في القضية النيجرية بحجة العمل مع القادة العسكريين في النيجر على ضمان استقرار وأمن المنطقة، وبذلك يصبح الوضع الحالي النيجري بمثابة فرصة تحقق إيطاليا من خلالها أهدافها بأن تعزز علاقاتها مع الدول الإفريقية والاستفادة من الثروات المعدنية في المنطقة.

تداعيات محتملة:

قراءة وتحليل التحركات الدولية الإيجابية تجاه المجلس العسكري الحاكم في النيجر، يشير إلى ثمة دوافع ترتبط بها عدة تداعيات قد تحدث بسبب التدافع الدولي لاستغلال الفراغ الذي تركته فرنسا في النيجر، يمكن رصد أهمها على النحو التالي:

(&) احتمالات استغلال القوى الكبرى لحالة التحدي المتصاعدة بين "إيكواس" والمجلس العسكري في النيجر: فقد كشف خطاب عبدالرحمن تشياني، رئيس المجلس الانتقالي الحاكم بالنيجر، بمناسبة الذكرى الـ65 لإعلان جمهورية النيجر، عن اتجاه أكثر صلابة في موقفه ضد المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، إذ قال "لقد ولّى زمن الألاعيب والتهديدات والابتزاز، النيجر هو وطننا ويخصنا نحن، ونحن من نقرر مصيره". وبالتالي فإن حدوث تحول في التوجهات السياسية النيجرية، بالإضافة إلى احتمالات تموقع جديد للنيجر بين القوى الدولية الكبيرة، خاصة بعد تصديرها للبترول الخام، يناير المقبل للسوق العالمية بالتعاون مع شركة سيونبك الصينية، قد يزيد من تمسك المجلس العسكري بالسلطة، وفي رفضه مطالبات "إيكواس". وعليه، يمكن القول إن التشبيك المحتمل بين دولة النيجر وبعض القوى الدولية الكبرى، خلال الفترة المقبلة، بعد اعتراف لجنة أوراق اعتماد الأمم المتحدة بالمجلس العسكري الحاكم كممثل وحيد للسلطات النيجرية لدى جميع هيئات الأمم المتحدة، قد يفتح جسور التواصل بين النظام العسكري في النيجر والعديد من العواصم الغربية، وبالتالي يزيد من مستوى التحدي بين السلطة الجديدة في النيجر و"إيكواس"، وهو ما قد يكون سببًا قويًا لاستغلال الدول الكبرى هذه الفرصة؛ من أجل الاستفادة من الثروات الاقتصادية في المنطقة، واستغلال تفاقم الأزمة بين الطرفين.

(&) احتمالات تحول النيجر إلى ساحة للتنافس الدولي: تراجع النفوذ الفرنسي في النيجر، إذ إن انسحاب القوات الفرنسية من النيجر مكّن الدول الأخرى مثل روسيا وألمانيا وإيطاليا من استغلال الموقف والاستفادة من حصة فرنسا من اليورانيوم، وكذلك الاستفادة من الذهب والفحم والنفط، وبالتالي ستصبح النيجر بمثابة مقر للصراع بين الدول الكبرى على الثروات المعدنية؛ لتحقيق مصالحها.

(&) احتمالية الصعود الإرهابي في محيط دولة النيجر وبداخلها: من المرجح أن يؤدي انسحاب القوات الفرنسية بالكامل، وقرار فرنسا بإغلاق سفارتها بالنيجر، وتزايد حالة التنافس الدولي على الثروات، وعدم التنسيق العسكري بين القوات الأمريكية والألمانية والروسية، إلى تزايد الهجمات الإرهابية في هذه المنطقة، خاصة وأن الدولة مالكة القواعد العسكرية في النيجر سواء الأمريكية أو الألمانية أو غيرهما، ستطلب تكلفة الحماية من النيجر، التي لا يتحملها اقتصادها في هذا التوقيت. وبالتالي من المرجح أن يؤدي التنافس بين الدول المتموقعة في النيجر وعدم التنسيق فيما بينها من الناحية الأمنية حتى منتصف العام المقبل، إلى خلق بيئة فوضوية غير آمنة.

في النهاية يمكن القول، لقد شهد ديسمبر الجاري، اتجاهين متناقضين في مواقف القوى الكبرى من المجلس العسكري الحاكم بالنيجر، تحكمهما المصلحة والتنافسية على الطرف الضعيف من أعضاء النظام الدولي، ففي الوقت الذي تسحب فيه فرنسا جنودها من النيجر وتغلق سفارتها، تتكالب قوى دولية أخرى مثل أمريكا وروسيا وألمانيا وإيطاليا، وغيرها على تعزيز علاقتها بالسلطة الجديد في النيجر، إذ أكدوا الاستعداد للتعاون مع النيجر بإقامة المشروعات التنموية بحجة دعم النيجر لعودة الديمقراطية.