في ظل الظروف الأمنية المتأزمة التي تعصف بفرنسا، أصبحت مواجهة التهديدات الإرهابية والجماعات المُتطرفة، من أبرز التحديات التي تواجه السُلطات الفرنسية. فبعد سلسلة الهجمات الدامية التي هزت البلاد في السنوات الأخيرة، لا تزال الخلايا الإرهابية النائمة، تحاول باستمرار شن هجمات جديدة، مما يضع قطاع الأمن في حالة تأهب قصوى.
في محاولة لاحتواء هذه المخاطر وحماية المواطنين، أصدر وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، تعليمات صارمة بتشديد الإجراءات الأمنية حول الأماكن العامة والمباني الحساسة، خاصة مع اقتراب موعد الاحتفالات الدينية المقبلة للجالية اليهودية في فرنسا.
جاء هذا القرار في ظل المخاوف المتزايدة من تصاعد أعمال مُعاداة السامية والجرائم المرتبطة بالكراهية ضد الجالية اليهودية، فضلًا عن التوترات الدولية التي تأججت أخيرًا بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل.
تكثيف التواجد الأمني
في رسالة عاجلة موجهة إلى المحافظين في جميع المقاطعات الفرنسية، بحسب ما أشارت صحيفة "لوموند" الفرنسية، أمر وزير الداخلية "دارمانان" بتكثيف التواجد الأمني الثابت ولأفراد الأمن السري والشرطة أمام دور العبادة اليهودية والمباني والمرافق الحساسة أو الرمزية الأخرى في جميع أنحاء البلاد.
وأوضح الوزير أن قوات الأمن التقليدية لن تكون قادرة على تولي هذه المهام الأمنية المكثفة بمفردها، لذلك سيتم استدعاء قوات إضافية من عناصر عسكرية للمساعدة في تأمين هذه المواقع الحيوية، كما طالب بتخصيص موارد أمنية إضافية لتغطية هذه المهام الجديدة.
تعرض فرنسا لسلسة من الهجمات
تعرضت فرنسا لسلسلة من الهجمات الإرهابية الدامية من قبل الجماعات المتشددة في السنوات الأخيرة، ومنذ بداية العام الحالي، تم إحباط محاولتين لشن هجمات جديدة.
ففي إحدى هذه المحاولات، تم اعتقال رجل في الثانية والستين من العمر واحتجازه في مارس الماضي، حيث كان ينوي "شن عمل عنيف ضد مبنى كاثوليكي ديني"، وفقًا لما ذكرته النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب، التي وصفت الرجل بأنه كان "ملتزمًا بشكل واضح بالأيديولوجية الجهادية".
كانت الضربة الأقسى للسلطات الأمنية الفرنسية سلسلة الهجمات الدامية التي نفذتها عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في باريس وضواحيها في نوفمبر 2015، وأسفرت عن سقوط 130 قتيلًا. ومنذ ذلك الحين، ظلت فرنسا في حالة تأهب قصوى لمواجهة أي تهديد إرهابي جديد.
تأمين الأعياد اليهودية
مع اقتراب عيد الفصح اليهودي الذي يستمر من 22 إلى 30 أبريل، طلب الوزير من المسؤولين الأمنيين إيلاء اهتمام خاص للصلوات والاحتفالات والتجمعات الكبيرة التي تقام تقليديًا خلال هذه الفترة، والتي تستقطب جموعًا غفيرة من الجالية اليهودية في فرنسا.
كما دعا دارمانان إلى نشر حراسات ثابتة بشكل منتظم طوال اليوم أمام المدارس الدينية اليهودية ودور العبادة والمراكز الثقافية، خاصةً خلال ساعات دخول الطلاب وخروجهم من المدارس، بدءًا من يوم الاثنين المقبل.
علاوة على ذلك، أمر بإجراء دوريات أمنية متكررة ودورية حول المتاجر والمحلات التجارية المتخصصة التابعة للجالية اليهودية.
ارتفاع التهديدات الأمنية
استند وزير الداخلية الفرنسي في قراره هذا بتشديد الإجراءات الأمنية إلى عدة عوامل رئيسية، حيث أشار إلى أن المستوى المرتفع من الأزمات الأمنية والتهديد الإرهابي في فرنسا لا يزال مرتفعًا للغاية، كما لا تزال أعمال معاداة السامية وجرائم الكراهية ضد الجالية اليهودية مستمرة بمعدلات قياسية مقلقة.
إلى جانب ذلك، أكد الوزير أن التوترات الدولية واشتداد حدتها أخيرًا، لاسيما بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على الأراضي الإسرائيلية ليلة السبت الماضي، تستدعي اليقظة والحذر الشديدين لمواجهة أي تهديدات محتملة، في ظل هذه الظروف الأمنية الحرجة والمعقدة، تهدف الحكومة الفرنسية إلى ضمان سلامة وأمن المواطنين وخاصة أبناء الجالية اليهودية خلال الاحتفالات الدينية المقبلة.
ماكرون يؤكد نجاح الأولمبياد رغم المخاوف
في تصريحات صحفية، أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ثقته بقدرة بلاده على استضافة حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024 بنجاح في يوليو المقبل، رغم المخاوف الأمنية والمخاطر الإرهابية المحتملة.
وأكد ماكرون قائلًا: "يمكننا تنظيم هذا الحدث بشكل آمن، وسنفعل ذلك بالفعل".
ومع ذلك، لم يغفل الرئيس الفرنسي عن التحديات الأمنية القائمة، مشيرًا إلى أن السلطات "ليست ساذجة" فيما يتعلق بهذه المخاطر.
وأشار إلى أنه في حال كشف التقييم الأمني للحكومة عن وجود مخاطر كبيرة جدًا لإقامة حفل الافتتاح على ضفاف نهر السين، كما هو مخطط له مع اقتراب موعد انطلاق الأولمبياد، فإن "خططًا بديلة" ستكون جاهزة للتنفيذ.