الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تراجع تمويل الأونروا بعد انسحاب الداعمين؟

  • مشاركة :
post-title
وكالة الأونروا

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في مارس 2024 توصل الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض إلى اتفاق يفضي إلى تجميد التمويل لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) حتى مارس 2025، ويُذكر أنه في يناير 2024 بدأت العديد من الدول تُعلق تمويلها للأونروا، وذلك بعد أن قدمت إسرائيل ادعاءات بأن اثني عشر من موظفي الأونروا شاركوا في هجوم 7 أكتوبر 2023، وزعمها أن نحو 10% من موظفي الوكالة لديهم علاقات مع الفصائل، وهو ما أدى إلى التراجع الكبير في دور الوكالة.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتطرق هذا التحليل إلى حجم التراجع في تمويل الأونروا، إضافة إلى توضيح انعكاسات هذا التراجع في الأراضي الفلسطينية.

من الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في 31 يناير 2024 "يجب أن نستبدل بالأونروا وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة ووكالات مساعدات أخرى إذا أردنا حل مشكلة غزة حسبما نُخطط".

على الجانب الآخر أكدت دوروثي كلاوس، مديرة شؤون الأونروا في لبنان، أن توقف الأونروا سيكون في المقام الأول كارثة إنسانية، إذ تعمل الأونروا وكأنها شبه حكومية، وإذا لم يتم التراجع عن قرار تجميد الأونروا، فسوف تنفد أموال الوكالة، وهذا يعني أن عملياتنا ستنتهي".

تقديرات مهمة

يُمكن تقدير حجم التراجع في تمويل الأونروا من خلال النقاط التالية:

(*) طبيعة التمويل: إن الهيكل العام لتمويل الأونروا يعتمد على جمع التمويلات من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك الحكومات والاتحاد الأوربي، إذ تُمثل هذه المصادر نحو 89.2% من المُساهمات المالية للوكالة، إذ إنه في عام 2022 بلغ التمويل الوارد من الميزانية العامة للأمم المتحدة والمساهمات من كيانات الأمم المتحدة الأخرى 44.6 مليون دولار أمريكي، وهو ما يوضح اعتماد الأونروا بشكل كبير في تمويلها على أعضاء الأمم المتحدة.

وكالة الأونروا

(*) انسحاب مؤثر: يتضح أن أكبر الدول الداعمة للأونروا في عام 2022، هي الدول التي أعلنت وقت تمويلها للوكالة، فالولايات المتحدة الأمريكية المُتبرع الأكبر للوكالة علّقت تمويلها، كما اتخذت بعض الدول الغربية قرار وقف التمويل قبل عدولها عنه واستئناف التمويل مرة أخرى، ما أحدث تراجعًا كبيرًا في دور الأونروا خلال حرب غزة، فعلى الرغم من رجوع ألمانيا والاتحاد الأوربي والسويد واليابان وفرنسا عن قرار التعليق، لكن استمرار تعليق الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وسويسرا تمويلهم واحتمالية تحويله إلى وقف دائم في حالة الولايات المتحدة الأمريكية، سيؤثر على دور الوكالة بشكل كبير، ووفقًا لسجلات الأونروا لعام 2022، فإن الولايات المتحدة تُعد أكبر مانح، حيث ساهمت بنحو 344 مليون دولار، أي نحو ثلث الميزانية التشغيلية السنوية للوكالة.

أبرز الدول الداعمة للأونروا

ويُمكن تقدير حجم التراجع في تمويل الأونروا من خلال الاستعانة بشكل (1) الذي يوضح حجم تمويل بعض الدول لوكالة الأونروا، إذ يتضح أن أكبر الدول الممولة للأونروا هي الدول التي أوقفت تمويلها للوكالة أو التي أوقفته لمدة شهرين، وهو ما أدى إلى فقدان الوكالة إلى العديد من الأموال التي كانت تستخدمها في مساعدة الشعب الفلسطيني واللاجئين، حيث يُمكن تقدير حجم الأموال التي فقدتها الوكالة بنحو 343.9 مليون دولار من الولايات المتحدة الأمريكية و25.5 مليون دولار من سويسرا و21.2 مليون دولار من المملكة المتحدة و18 مليون دولار من إيطاليا، أي أن إجمالي التراجع الحالي يُقدر بنحو 408.6 مليون دولار، إضافة إلى التمويلات الأخرى التي فقدتها الوكالة في الوقت الذي توقفت فيه العديد من الدول الأخرى عن تمويلها، الأمر الذي أحدث عجزًا كبيرًا في ميزانية الأونروا التي تُقدر بنحو 1.6 مليار دولار بحسب آخر التقديرات، ما جعل الوكالة تبحث عن مصادر أخرى؛ لتغطية هذا العجز المالي في الميزانية.

شكل (1) تمويل بعض الدول الكبرى للأونروا في ديسمبر 2022 - وكالة الأونروا
انعكاسات محورية

إن تراجع العديد من الدول عن تمويل الأونروا يحمل في طياته العديد من الانعكاسات السلبية، التي يُمكن توضيحها فيما يلي:

(&) زيادة المعاناة الإنسانية في القطاع: يتوقف تقديم دعم الأونروا للشعب الفلسطيني على حجم التمويل الموجه لها، حتى تستطيع تأدية دورها، إذ أوضحت الناطقة باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن توقف الدول ذات المساهمات الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، عن دعم ميزانيتها، سيجعل الوكالة لا تستطيع تأدية عملها في جميع مناطق وجودها، فمن هنا ومع تراجع تمويل الأونروا سيتفاقم الوضع الإنساني بشكل كبير في قطاع غزة، وسيُشرد آلاف الفلسطينيين في ظل تسارع وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية المُتصاعدة، ومع سنوات من الحصار الاقتصادي الذي يفرضه الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة، بات 80% من الفلسطينيين في القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي تُقدمها الأونروا، كما يعتمد ثلاثة من كل أربعة أشخاص على المساعدات الغذائية من الوكالة، حيث يُعاني 40% من السكان من انعدام الأمن الغذائي الشديد، وهو ما يؤكد التأثير السلبي الكبير على الشعب الفلسطيني من تراجع تمويل الأونروا وضعف دورها.

(&) إجبار الفلسطينيين على الهجرة: يهدف الاحتلال الإسرائيلي من تزييف الحقائق و توجيه الدول المختلفة نحو وقف تمويل الأونروا، إلى إجبار الفلسطينيين على الهجرة طواعية من الأراضي الفلسطينية، إذ إن الأونروا تشارك بشكل أساسي في توفير الخدمات الأساسية للأهالي الفلسطينيين، من تعليم وصحة وغيرها من الخدمات الاجتماعية، فوقف تمويلها سيجعل المعاناة الإنسانية للشعب تتضاعف، ما يجبر البعض منهم على "الهجرة الطوعية"؛ على أمل العودة بعدما تهدأ الأوضاع في القطاع، الأمر الذي يعمل على تزايد الأزمات الإقليمية في المنطقة، إذ يُعتبر ذلك تصفية للقضية الفلسطينية من مضمونها، كما أشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

(&) تفاقم مشكلة اللاجئين: يعتمد اللاجئون الفلسطينيون، على المساعدات التي تقدمها وكالة الأونروا بشكل كبير، إذ يوجد في لبنان ما لا يقل عن 250 ألف لاجئ فلسطيني، كما أنه مُسجل لدى الأونروا أكثر من 1.4 مليون لاجئ في 58 مخيمًا في كل من الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية، ويعيش معظم اللاجئين تحت خط الفقر، وهو ما يؤكد أنه مع تراجع دور الأونروا المُترتب على وقف تمويلها من جانب العديد من الدول، سيزداد الوضع السيئ للاجئين بشكل ملحوظ خلال الفترة المقبلة.

شكل (2) معدل البطالة في الأراضي الفلسطينية في الربع الرابع 2022 إلى 2024 - مركز الإحصاء الفلسطيني

(&) ارتفاع معدلات البطالة: تقوم وكالة الأونروا بتوظيف 30 ألف موظف، غالبيتهم العظمى من اللاجئين الفلسطينيين، وقد أجبرها نقص التمويل على منح آلاف العمال إجازة غير مدفوعة الأجر، إذ فُقدت نحو 507 ألف وظيفة في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المُحتلة، الأمر الذي يرفع معدلات البطالة داخل الأراضي الفلسطينية بشكل كبير كما يوضح شكل (2)، الذي يُشير إلى أن معدل البطالة بلغ 24.1% في الربع الثالث من 2023، وتذهب التقديرات إلى احتمالية بلوغ معدل البطالة السنوي 42.7% في عام 2024، ويدعم ذلك أن وكالة الأونروا تُقدم خدمات تمويلية صغيرة للفلسطينيين وتُساعد في توفير فرص عمل، فمع تراجع دورها سيفقد الكثير التمويل الممنوح لهم من جانب الوكالة، الذي يُساعدهم على كسب الرزق والعيش.

ومجمل القول؛ لا يمكن تصور الوضع في فلسطين بدون وجود وكالة الأونروا، فعدم كفاية التمويل بل وتجميده بحسب قرار الكونجرس الأمريكي، سيؤدي إلى معاناة الكثير ين من الجوع الشديد، وهو ما يخدم سياسة التجويع التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، كما ستكون هناك أزمة صحية في المخيمات التي تعمل فيها الأونروا، ومن هنا نستطيع القول إن تجميد تمويل الأونروا يُعتبر قرارًا سياسيًا يعمل على تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يتطلب أن تُعيد الدول المختلفة تفكيرها وتعمل على مواصلة التمويل الموجه إلى وكالة الأونروا، بل وزيادة حجمه؛ حتى تستطيع الوكالة أن تقوم بدورها في تخفيف المُعاناة عن الشعب الفلسطيني.