تكثف فرنسا تحضيراتها الأمنية استعدادًا لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية 2024 في باريس، وطلبت من حلفائها إرسال آلاف عناصر الشرطة لتعزيز القوات المحلية، في ظل مخاوف متصاعدة من هجمات إرهابية محتملة، تؤكدها استطلاعات الرأي التي تظهر قلقًا شديدًا بين المواطنين الفرنسيين.
فرنسا تطلب المساعدة الأمنية من حلفائها
وكشفت صحيفة لوموند الفرنسية أن الحكومة الفرنسية طلبت من 46 دولة حليفة إرسال 2185 عنصرًا من قوات الشرطة للمساعدة في تأمين الحدث العالمي الكبير، إذ يأتي هذا الطلب في أعقاب الهجوم الإرهابي الدامي الذي وقع في موسكو في 22 مارس الجاري، والذي راح ضحيته أكثر من 140 شخصًا على يد مسلحين ينتمون إلى تنظيم "داعش خراسان".
وأوضحت الصحيفة أنه على الرغم من عدم تأكيد السلطات الفرنسية رسميًا طلب التعزيزات الأمنية، إلا أن وزير الدفاع البولندي أعلن أن بلاده ستنضم إلى "التحالف الدولي" الذي شكلته فرنسا لتعزيز الأمن خلال الأولمبياد، إذ ستُرسل قوات متخصصة في الكشف عن المتفجرات ومكافحة الإرهاب، بما في ذلك وحدات الكلاب البوليسية المدربة.
وأوضح مصدر في وزارة الداخلية الفرنسية لوكالة الأنباء الفرنسية أن طلب التعزيزات الأمنية من الدول الحليفة هو "خطوة كلاسيكية" تتخذها جميع الدول المضيفة قبيل تنظيم فعاليات كبرى من هذا النوع.
لكن هذا الإجراء جاء متزامنًا مع رفع فرنسا مستوى التهديد الإرهابي إلى أعلى درجاته، على خلفية الهجوم الإرهابي الأخير في روسيا، والذي نفذته مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم "داعش" تلقت تمويلًا من أوكرانيا، وفقًا لما كشفته التحقيقات الروسية.
خطة "فيجيبيرات"
وفي مؤشر على حجم المخاوف الأمنية التي تواجهها فرنسا قبيل الأولمبياد، صرح رئيس الوزراء الفرنسي جابرييل أتال بأن "تهديد الإرهاب في فرنسا حقيقي وقوي"، مشيرًا إلى أن أجهزة الاستخبارات الفرنسية نجحت في إحباط 45 مخططًا إرهابيًا منذ عام 2017.
كما أكد أن إجراءات مكافحة الإرهاب في إطار خطة "فيجيبيرات" للأمن القومي ستُشدد خلال الأسابيع المقبلة، مع زيادة الانتشار الأمني في الشوارع وأمام المنشآت الحساسة، مثل المباني الحكومية ومحطات النقل والمدارس.
استطلاع يكشف قلق الفرنسيين
وتؤكد استطلاعات الرأي هذه المخاوف، إذ كشف استطلاع أجراه معهد دراسات التسويق والرأي الفرنسي، عن قلق كبير لدى المواطنين الفرنسيين من تعرض بلادهم لهجوم إرهابي خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
وأظهر الاستطلاع، الذي أجري على عينة من 1013 شخصًا بالغين بعد الهجوم الإرهابي في موسكو وقبل انطلاق الأولمبياد، متوسط خوف بلغ 7 من أصل 10 درجات من احتمال وقوع هجمات إرهابية.
وتتفاوت درجات الخوف من الإرهاب بين الفئات المختلفة من المواطنين الفرنسيين، حسب ما كشف عنه الاستطلاع، فالنساء يبدين قلقًا أكبر من الرجال، بمتوسط 7.3 درجات مقابل 6.7 للرجال.
كما تزداد المخاوف لدى الشباب دون سن 35 عامًا، في حين تقل نسبيًا بين الفئة العمرية 35-49 عامًا، قبل أن ترتفع مرة أخرى عند كبار السن فوق الـ 50 عامًا.
ويعزى هذا التفاوت في مستويات القلق إلى عوامل عدة، بحسب المحللين، منها اختلاف درجات الانخراط في متابعة الشأن العام، والتعرض لمصادر الإعلام المختلفة، فضلًا عن الحساسية المتباينة تجاه السياسات الأمنية الحكومية لدى هذه الشرائح.
ذكريات مريرة للهجمات الإرهابية في فرنسا
وتعد هذه المخاوف مبررة إلى حد كبير، إذ شهدت فرنسا موجة غير مسبوقة من الهجمات الإرهابية منذ يناير 2015، عندما قتل إرهابيون متشددون 17 شخصًا في باريس وضواحيها، وتواصلت الهجمات حتى نوفمبر من العام نفسه، عندما استهدف انتحاريون ومسلحون قاعة حفلات موسيقية وملعبًا رياضيًا كبيرًا ومطاعم ومقاهٍ في باريس، مخلفين 130 قتيلًا.
ومنذ ذلك الحين، ظلت فرنسا في حالة تأهب قصوى لمواجهة التهديدات الإرهابية المحتملة، وتم تفعيل خطة "فيجيبيرات" للأمن القومي التي تقضي بتشديد الإجراءات الأمنية وزيادة الانتشار العسكري والشرطي في الشوارع والأماكن العامة الحيوية.
تحدٍ أمني كبير للسلطات الفرنسية
وتمثل دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024 في باريس تحديًا أمنيًا كبيرًا للغاية للسلطات الفرنسية، إذ ستجتمع آلاف الرياضيين والمشجعين من مختلف أنحاء العالم في العاصمة الفرنسية لفترة زمنية محدودة، ما يجعلها هدفًا محتملًا للجماعات الإرهابية المتشددة.
ومن المقرر أن تستمر دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024 من 26 يوليو إلى 11 أغسطس، ومن المقرر تعبئة قوة أمنية ضخمة لتأمينها تصل إلى نحو 45 ألف عنصر شرطة و18 ألف جندي و22 ألف حارس أمن خاص، وفقًا للإحصاءات الرسمية. ويعكس حجم هذه القوة الأمنية المخاوف الفرنسية من احتمال استهداف هذا الحدث العالمي الكبير بهجمات إرهابية.
ولهذا السبب، تسعى فرنسا جاهدة لاستقطاب أكبر قدر ممكن من الدعم الأمني الدولي لضمان سلامة الحدث وإنجاحه، فالتحديات الأمنية لا تقل أهمية عن الاستعدادات اللوجستية والتنظيمية، بل قد تكون أكثر تعقيدًا في ظل بيئة إقليمية مضطربة تشهد تصاعدًا في نشاط الجماعات المتطرفة.