في 7 مارس 2024، اختُطِف أكثر من 200 طالب وطالبة من المدرسة الثانوية والابتدائية في بلدة كوريغا بشمال نيجيريا، وبعدها بيومين، أي في 9 مارس الجاري، اقتحم مسلحون مدرسة داخلية في شمال غرب نيجيريا، واختُطِف ما يقرب من 15 طفلًا في ولاية سكوتو. وفى 12 من ذات الشهر، نفذ المسلحون عملية اختطاف ثالثة في كايوري بينما كانت قوات الأمن تبحث عن التلاميذ الذين تم اختطافهم خلال العمليتين السابقتين.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي تشهد فيها نيجيريا عمليات اختطاف للطلاب والطالبات، بل بدأت في شمال شرق وشمال غرب نيجيريا منذ عدة سنوات، وأصبحت ظاهرة متكررة. واستهدفت عمليات الاختطاف الفتيات بشكل أكبر من الشباب، لكن العمليات الأخيرة تستهدف الجنسين، وشملت الأهداف التلاميذ من مرحلة ما قبل المدرسة إلى الجامعات. حيث كان هناك سلسلة عمليات اختطاف متصاعدة منذ عملية شيبوك في 2014 م مرورًا بعملية جانجبي في عام 2021 م التي صُنِفَت بأنها أكبر عملية اختطاف جماعي لقرابة 300 طالبًا، حتى عملية لافيا في 2022.
تأسيسًا على ما سبق، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: لماذا عادت ظاهرة اختطاف تلاميذ المدارس في نيجيريا؟
هوية الخاطفين
حتى الآن، لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن تلك العمليات المنفذة ولم يتم إصدار بيان حول خاطفي التلاميذ. لذلك، يُشكك المسؤولون الحكوميون في ثلاث مجموعات مختلفة:
(*) جماعة بوكو حرام: يقع الشك الأكبر على جماعة بوكو حرام في اختطافها للتلاميذ في نيجيريا؛ نتيجة تنفيذها العديد من عمليات اختطاف التلاميذ من المدارس منذ عام 2014. فنيجيريا تعاني من العنف والإرهاب منذ تأسيس جماعة بوكو حرام في 2002، وأصبحت الدولة تحت وطأة التطرف، وانغمس الجيش النيجيري في مواجهات دامية مع بوكو حرام، وكان من ضمن الأسباب عمليات اختطاف الجماعة لتلاميذ المدارس بين الحين والآخر، وتسعى للسيطرة وبسط النفوذ تحديدًا عقب مقتل الزعيم الداعشي "أبو مصعب البرناوى" فى 2021.
(*) شباب من جماعة الفولاني العرقية: يتم التشكيك في هؤلاء الشباب الذين عملوا تقليديًا كرعاة ماشية، وهم محاصرون في نزاع استمر لعقود مع جماعات الهوسا العرقية. ويسعى المسلحون الذين يُنسب انتماؤهم إلى مجتمع الفولاني الرحل إلى تنفيذ عمليات الاختطاف الجماعي في ولاية زامفارا (القلب الزراعي لنيجيريا)؛ لمحاربة مجتمعات الهوسا العرقية، بهدف الحصول على فدية، والاستيلاء على موارد الأراضي والمياه ومناجم الذهب بالقوة، نتيجة شعور هؤلاء الشباب المسلحون بالإهمال من الحكومة النيجيرية.
(*) عصابات تعمل عبر معسكرات في مناطق نائية في نيجيريا: وفقًا لصحيفة Daily Trust، تعمل العصابات الهادفة إلى الربح من خلال معسكرات في غابات نائية في نيجيريا، ومن المحتمل حصولهم على الدعم اللوجستي من السكان المحليين، ولكن لا يُعرف حتى الآن نوايا وخلفيات تلك العصابات المسلحة أو صلاتهم بالجماعات المتطرفة الأخرى.
لكن، على الرغم من الغموض حول هوية منفذى عمليات الاختطاف خلال شهر مارس الجاري، تبقي جماعة بوكو حرام هي المتورط الأكبر والمسؤول الحقيقي عن اختطاف مئات الطلاب في نيجيريا؛ نظرًا لتنفيذها سلسلة من عمليات اختطاف الطلاب والطالبات من ذي قبل فى نيجيريا.
عوامل مُحَفِزَة
(*) انتشار الإرهاب في نيجيريا: وفق المؤشر العالمي للإرهاب، تم إثبات أن نيجيريا تحصل على المرتبة الثامنة ضمن الدول الأكثر تأثُرًا بالإرهاب خلال العام الماضي 2023، حيث ارتفع عدد ضحايا العمليات الإرهابية إلى 34%؛ نتيجة الصراع الحاد بين كلٍ من داعش فى غرب أفريقيا وبوكو حرام فى نيجيريا. كما توجد روابط وثيقة بين الجماعات الإجرامية المسلحة (قطاع الطرق) وجماعة بوكو حرام، ويمكن وصفها بأنها علاقات انتهازية، حيث تقوم تلك الجماعات ببيع من يختطفونهم إلى بوكو حرام، وبالتالي في حين أن دوافع بوكو حرام أيدولوجية ودينية وسياسية، ودوافع الجماعات الأخرى ربحية وانتقامية، إلا أن تلك الدوافع المتباينة تتجدد وتحفز من عودة ظاهرة الاختطاف الجماعي للتلاميذ في نيجيريا.
(*) حدوث تراجع كبير في مصادر تمويل بوكو حرام: مع غياب مصدر دخل دائم لتمويل جماعة بوكو حرام، تسعي الجماعة في نيجيريا إلى اتباع نمط الاختطاف الجماعي لتلاميذ المدارس مقابل الحصول على فدية مالية؛ لتوظيف المال فى شراء الأسلحة والذخائر المختلفة وتنفيذ العمليات الانتحارية وتجنيد أعضاء جدد مقابل المال. وبين يوليو 2022 ويونيو 2023، اختطفت جماعة بوكو حرام 3620 شخصًا في 582 حادثة اختطاف في جميع أنحاء نيجيريا، مع دفع فدية تصل إلى 302 مليون نيرة نيجيرية، وأثبتت التحقيقات خلال الأسبوع الماضي أن المسلحين طالبوا بمئات الآلاف من الدولارات مقابل إطلاق سراح الطلاب المختطفين من مدرستهم فى كوريغا.
(*) تَبَنِى مشروع قديم لخلافة سكوتو: تسعى جماعة بوكو حرام إلى تبنى مشروع قديم لخلافة سكوتو والتوسع نحو المحيط الأطلسي، ومن ثم انتشارهم والهيمنة على مناطق أوسع فى نيجيريا، باعتبار نيجيريا الحاضنة الأولى والأساسية لجماعة بوكو حرام. فتتبع جماعة بوكو حرام استراتيجية الاختطاف الجماعي كوسيلة للتوسع في شمال غرب نيجيريا. ففصيل "أبو بكر الشكوى" زعيم جماعة بوكو حرام الذي فجّر نفسه في نيجيريا 2021 ينشط حتى الآن، حتى بات هدف التوسع الجغرافي محفزًا قويًا لعودة ظاهرة الاختطاف الجماعي من جديد.
(*) دوافع عقائدية: تتبع جماعة بوكو حرام عقيدة تحارب نهج التعليم الغربي المنتشر في مدارس نيجيريا؛ لكونه يفرض الاختلاط بين الرجل والمرأة، ويقوم بتدريس بعض النظريات المخالفة كنظرية التطوُر لداروين التي تتنافي مع عقيدتها. ولاستئصال جذور التعليم الغربي ومحاربة مؤسساته في نيجيريا، تقوم جماعة بوكو حرام باختطاف التلاميذ واتباع ممارسات عنيفة ضدهم؛ في اعتقاد منهم أيضًا أن المدارس في نيجيريا تُنَصّر بعض التلاميذ المسلمين. فباتت المدارسُ أكثر الأهداف المؤثرة لإحداث حالة هلع للمواطنين، نظرًا لأن أغلب المدارس غيرَ مزوَّدة بأنظمة إنذار تُمَكّن من إلقاء القبض على الخاطفين واعتقالهم.
(*) عدم الاستقرار فى دلتا النيجر: تُعَد التحديات الاقتصادية والأمنية وأهمها عدم الاستقرار فى دلتا النيجر من العوامل التي تُغذى تصاعُد عمليات الاختطاف فى نيجيريا، ويرتبط عدم الاستقرار فى المنطقة بعمليات الفساد والصراع على النفط والغاز الطبيعي. وفى 21 يناير 2024، أعلنت هيئة لرصد تَسَرُب النفط فى نيجيريا أن خط أنابيب مملوكًا لشركة تابعة لشركة شل فى نيجيريا واجه تَسَرُبًا لنفط خام فى دلتا النيجر. فالتقاسُم غير العادل للعائدات في نيجيريا، حرم شعب دلتا النيجر من الحصة العادلة لتمويل مشاريع التنمية المجتمعية، فتطورت عمليات الاختطاف الجماعي للتلاميذ؛ للضغط على الحكومة من أجل تلبية مطالبهم السياسية وتوزيع أكثر عدالة لعائدات النفط.
(*) الاستخدام الاستراتيجي لشهر رمضان: ربما تم اختيار توقيت موجة عمليات الاختطاف الجماعي التي تجددت فى بداية شهر رمضان المُبارَك؛ لممارسة ضغط عام على حكومة بولا تينوبو فى منطقة ذات أغلبية مسلمة؛ لاسترجاع المسجونين لدى الحكومة كما حدث من ذي قبل. حيث قامت حكومة ولاية كاتسينا بتبادل قطاع الطرق المسلحين المحتجزين بالضحايا المختطفين في عام 2019، وهناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأن الحكومة الفيدرالية خططت لإطلاق سراح بعض قطاع الطرق المسلحين مقابل الضحايا المختطفين في هجوم القطار في عام 2022. وفى فبراير 2024، انتشر نبأ عن مقتل زعيم قطاع طرق فى نيجيريا مع احتجاز عدد من المسلحين الذين نفذوا عمليات إرهابية ضد المدنيين، فتنفيذ عمليات الاختطاف الجماعي فى نيجيريا تهدف إلى الضغط على الحكومة؛ من أجل المساومة لإطلاق سراح أعضاء الجماعات المسلحة المحتجزين.
أخيرًا وليس آخرًا، إن تصاعُد ظاهرة الاختطاف الجماعي في نيجيريا، يوحى باحتمالية استعانة نيجيريا بالدعم الفرنسي، فعلى الرغم من التوترات التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي عقب الانسحاب الفرنسي من النيجر، وتوتر العلاقات بين فرنسا وعدد من الدول المجاورة لنيجيريا. إلا أن تصاعد عمليات الاختطاف سيؤدي إلى تدويل الظاهرة لتخرج من إطار كونها ظاهرة تخص الداخل النيجيري إلى ظاهرة تحظى باهتمام دولي كبير، حيث يمكن أن نشهد تعاونًا فرنسيًا نيجيريًا بنشر قوات عسكرية في نيجيريا لمحاربة الإرهاب والتطرف.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن مناخ الإفلات من العقاب الذي يسود نيجيريا مع ضعف الإطار القانوني، شجع على عودة ظاهرة اختطاف تلاميذ المدارس واستهداف المؤسسات التعليمية. وتتفاوت الأسباب بين ما هو سياسي وديني، لكن المؤكَد أن الجماعات الإرهابية تستهدف العقول، وتسعى لبث الرعب فى قلوب الأهالي لمنع أبنائهم من الحصول على مستوى تعليمي جيد، فلابد من إعادة تقييم سريعة لاستراتيجيات الأمن القومي القائمة. وتبذل قوات الأمن النيجيرية قصارى جهدها في محاربة التمرد الإسلامي في شمال شرق البلاد. مع اتخاذ إجراءات صارمة تمنع العصابات المسلحة من أن تتجول بحرية مع ضرورة وضع قانونًا يمنعهم من استغلال مساحات شاسعة من الأراضي النيجيرية غير الخاضعة للرقابة لتنفيذ عمليات إرهابية.