تستعد السلطات النيجيرية لتنظيم الانتخابات العامة في 25 فبراير 2023، مع استمرار الضغوطات على الحكومة؛ إذ تنشط التنظيمات الإرهابية كتنظيمي "داعش"، و"بوكو حرام" الإرهابيين، بالإضافة إلى استمرار حالة الضغوطات الاقتصادية التي أفرزتها جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على سلاسل إمداد الغذاء والطاقة عالميًا. نحلل فيما يلي واقع الانتخابات العامة في نيجيريا، لا سيَّما الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها 18 مرشحًا، المزمع إجراؤها الشهر الحالي، مع إبراز أهم التحديات التي تشغل الناخبين في نيجيريا، وكذلك طموحاتهم.
مقدمات أساسية:
قد يكون من المُهم الإشارة إلى بعض المقدمات التأسيسية حول الانتخابات العامة في نيجيريا 2023، لفهم مجريات الأوضاع، وأهم القضايا التي ستتحكم في سلوك الناخب النيجيري، ونبرز ذلك فيما يلي:
(*) عام الانتخابات في نيجيريا: من المقرر أن يكون 2023 عام الانتخابات في نيجيريا؛ إذ يشهد انتهاء الولاية الثانية والأخيرة للرئيس الحالي محمد بخاري، ومن ثَمَّ إجراء الانتخابات الرئاسية، وانتخابات الجمعية الوطنية "مجلس الشيوخ، والنواب"، ويبلغ عدد أعضاء مجلس الشيوخ المزمع اختيارهم 109 أعضاء، فيما يُنتخب 360 عضوًا في مجلس النواب؛ فبراير الجاري. يلي ذلك اقتراع محلي في 28 ولاية. تجدر الإشارة إلى أن 80 مليون ناخب نيجيري مدعون للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات؛ ويبلغ عدد سكان نيجيريا وفق تقارير البنك الدولي 213 مليون نسمة، بإحصاءات عام 2021، وأكثر من 40% من فئة الشباب دون الثلاثين عامًا.
(*) نظام انتخابي مُعقد: يفوز في الانتخابات الرئاسية النيجيرية من يحصل على أكبر عدد من الأصوات على الصعيد الوطني، وأكثر من ربع الأصوات المُدلى بها في ثلثي ولايات نيجيريا على الأقل والبالغة 36 ولاية. وإذا لم يُوفق أحد من الجولة الأولى تجرى جولة إعادة. وتُجرى انتخابات الجمعية الوطنية وفق مبدأ الفائز أولًا، ويعني باختصار أن يقوم الناخب باختيار واحد فقط من إجمالي المرشحين المُسجلين في ورقة الاقتراع، ويكون المرشح الفائز هو من يحصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين.
(*) نظام اعتماد الناخبين الثنائي: استحدثت اللجنة المُستقلة للانتخابات في نيجيريا هذه المرة آلية أكثر صرامة لضمان نزاهة الانتخابات وعدم تزويرها، وهو نظام اعتماد الناخبين الثنائي "BVAS". ويقوم هذا النظام على رصد هوية الناخب عبر بصمات الأصابع وتكنولوجيا التعرف على الوجه بهدف منع التزوير والاحتيال. جدير بالذكر أن الانتخابات السابقة شهدت اتهامات بالتزوير عبر ممارسة العنف أمام اللجان لإبعاد الناخبين، وكذلك محاولات اختطاف صناديق الاقتراع لتسويد اللجان بأوراق ترشيح مزورة.
أبرز مرشحي الرئاسة وبرامجهم:
يتنافس في هذه الانتخابات 18 مُرشحًا على منصب الرئاسة، فيما تشير التقديرات إلى تصدر ثلاثة مُرشحين لاستطلاعات الرأي، واعتبار أن لديهم الفرصة الحقيقية للفوز، هم "بيتر أوبي، بولا تينوبو، وأتيكو أبو بكر". ونبرز فيما يلي هؤلاء المرشحين، وأبرز ما جاء في وعودهم وبرامجهم الانتخابية:
(*) بيتر أوبي: مرشح حزب "العمل الديمقراطي الاجتماعي"، الذي يسعى إلى تفكيك نظام الحزبين المُهيمن على نيجيريا منذ 1999. ويحظى أوبي بشعبية كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولدى فئة الشباب؛ إذ يُعد أقرب المرشحين لهذه الفئة، لا سيَّما أن سنه لم يتجاوز بعد الـ61. واشتهر باهتمامه بسياسات إصلاح النظام التعليمي منذ أن كان حاكمًا لولاية أناميرا جنوب شرقي نيجيريا. وإذا تم انتخابه سيكون أول رئيس لنيجيريا من الإيجبو منذ عام 1966، وهي مجموعة عرقية متمركزة في الأساس بجنوب شرق نيجيريا، ويُقدر عدد أفرادها بنحو 15مليون نسمة. وفيما يتعلق ببرنامج "أوبي" الاقتصادي فهو يقوم على التحرر والليبرالية؛ إذ وعد بتخفيف القيود التجارية، والمحافظة على استقلالية البنك المركزي. ويُمكن أن يكون ذلك انعكاسًا لطبيعة نشأته داخل أسرة تعمل في الاستيراد.
يُعد ترشح أوبي تحديًا لنظام الحزبين التقليديين، المتهمين بتأجيج الانقسامات على أسس العرق والدين والمنطقة في البلاد، وهو الأمر الذي يجعل الكثيرون لا سيَّما الشباب يعولون على فوز أوبي. وتمكن من اختراق هذه الانقسامات وقاد جولات ترويجية لحملته الانتخابية في معاقل خصومه.
(*) بولا أحمد تينوبو "70 عامًا": حاكم ولاية لاجوس السابق، يمثل حزب "مؤتمر كل التقدميين" الحاكم حاليًا، ومن المُرجح فوزه بهذه الانتخابات، لا سيَّما أنه من السياسيين المتمرسين، كما أنه يمتلك حظوظًا في السيطرة على نحو 21 ولاية من أصل 36، بفضل انتمائه المناطقي في الجنوب الغربي، وانتمائه الديني وكذلك احتفاظ الحزب الحاكم بالعديد من مناصب حكام الولايات، مما قد يُسهل من حشد الناس للتصويت إلى مرشحه. لكنه في الوقت نفسه يواجه عددُا من التحديات، أبرزها انتمائه للحزب الحاكم، المنتمي له الرئيس الحالي محمد بخاري، الذي يواجه سخطًا شعبيًا بسبب سياساته الاقتصادية، إضافة إلى سنه الكبير واعتلال صحته واتهامات الفساد التي توجهها المعارضة ضده. ويدخل تينوبو هذه الانتخابات تحت شعار "حان دوري لأكون رئيسًا".
(*) أتيكو أبو بكر "76 عامًا": المرشح عن حزب "الشعب الديمقراطي" الذي يُمثل الحزب المعارض الرئيسي في البلاد. وشغل منصب نائب الرئيس من 1999 إلى 2007، لكنه فشل في خمس محاولات سابقة للفوز بمنصب رئيس الدولة. ويدخل أبو بكر هذه الانتخابات مقدمًا نفسه كموحد للبلاد التي تعاني انقسامات دينية وعرقية كبيرة. ولارتباطه بدوائر صُنع القرار، يُدرك أبو بكر أن نيجيريا ستضطر إلى علاج مر، خاصة فيما يتعلق بضبط عمل الاقتصاد. وترى التحليلات أن أكبر ميزة له في هذه الانتخابات أنه يشترك في هوية ثقافية ودينية مع الناخبين في ولايات شمال شرق وشمال غرب نيجيريا ذات الغالبية المسلمة، وهي مناطق تمثل ما يقرب من 40 % من الناخبين المسجلين في نيجيريا.
تحديات مُلحة:
تعقد نيجيريا الانتخابات العامة المقبلة، وهي تحاول التغلب على التحديات المحيطة بالعملية السياسية المُهددة بالإلغاء، لا سيَّما بعد تصاعد التحديات الأمنية مؤخرًا، ونبرز فيما يلي أبرز التحديات:
(*) استمرار دورة العنف والتطرف: يتزامن مع تحضيرات الحكومة النيجيرية لإجراء الانتخابات العامة تصاعد مستوى العنف، إضافة إلى نمو نمط الجريمة مثل جرائم الخطف لطلب الفدية كما في مناطق الشمال الغربي. وألمحت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في وقت سابق إلى احتمالات إرجاء الانتخابات أو إلغائها في حال استمرت حالة العنف. جدير بالذكر أن مناطق شمال شرق البلاد تشهد حالات تمرد وتوترات انفصالية. وشهدت البلاد نحو 60 هجمة إرهابية راح ضحيتها 80 قتيلًا، خلال الأسابيع الأولى من يناير 2023، فيما قُتل نحو 10.000 نيجيري في نزاعات عنيفة خلال عام 2022، وفق تقرير مجلة الإيكونوميست، 14 فبراير 2023. وشهد شمال وسط البلاد، 6 فبراير 2023، حادث عنف كبير؛ إذ قام عدد من المتشددين المسلحين الذين يتمركزون في الشمال الشرقي، ويمارسون سلطة على المواطنين المحليين هناك بنصب كمين أدى إلى مقتل 41 عضوًا من مجموعة حراسة أهلية تُعرف باسم يانساكاي.
(*) تدهور الأوضاع الاقتصادية: يشهد الوضع الاقتصادي في نيجيريا ضغوطات كبيرة متأثرًا بحالة الاقتصاد العالمي، الذي أرهقته حالة الإغلاق العامة في ظل جائحة كورونا، وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها على الأمن الغذائي وأمن الطاقة في العالم، وانعكس ذلك على الاقتصاد النيجيري في تراجع مستويات الأجور، وانخفاض قيمة العملة المحلية "النيرة" في ظل تراجع النمو الاقتصادي. ويعيش نحو 40% من سكان البلاد البالغ عددهم 221 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقًا للبنك الدولي في مارس 2022، وأعلنت هيئة الإحصاء الوطنية في نيجيريا، أن التضخم السنوي ارتفع إلى 21.47% في نوفمبر 2022. ومع اقتراب عقد الانتخابات العامة، برزت العديد من الضغوط على القادة السياسيين لمواجهة التحديات الاقتصادية وتنفيذ سياسات اقتصادية تحقق اقتصادًا شاملًا وتنافسيًا، لا سيما وأن الاقتصاد النيجيري يركز على الزراعة؛ إذ توسع النشاط الزراعي من 23% عام 2015، إلى 26% عام 2021. فيما تراجع التصنيع من 9.5% إلى 9% في نفس الفترة، وفق الهيئة الوطنية للإحصاء في نيجيريا.
(*) الانقسامات العرقية والدينية: تضم البلاد أكثر من 250 مجموعة عرقية، مُقسمة بدرجة واضحة إلى جنوب مسيحي وشمال مُسلم، وهو ما قد يُكسب التصويت بعدًا طائفيًا، فضلًا عن الأبعاد العرقية والمناطقية. وحسب مجلة الإيكونوميست فإن الساسة في نيجيريا اعتادوا على توظيف الانقسامات على أسس عرقية ودينية وإقليمية بهدف الفوز بالانتخابات.
(*) البطالة والديون الخارجية: يُعد ارتفاع نسب الفقر والبطالة والديون الخارجية من التحديات الكبيرة التي تشغل الناخب في نيجيريا؛ إذ وصلت معدلات البطالة إلى نسب قياسية؛ وارتفعت نسب البطالة إلى 33.3% في عام 2021، وفق حسابات لهيئة الإحصاء الوطنية في نيجيريا. وتُقدر الديون الخارجية لنيجيريا بنحو 103 مليارات دولار؛ إذ تصل تكلفة خدمة الدين نحو 102% من الإيرادات.
(*) ارتفاع مؤشرات الفساد: تحتل نيجيريا المرتبة 150 في مؤشر مدركات الفساد العالمي، عام 2022، بعد أن كانت في المرتبة 154 في عام 2022. وفرضت هذه المسألة نفسها على مرشحي الانتخابات الرئاسية في نيجيريا، الذين وعدوا باتخاذ إجراءات حاسمة في سبيل القضاء على الفساد بالبلاد. في هذا السياق، قال بولا أحمد تينوبو، مرشح حزب المؤتمر التقدمي الحاكم، إنه سيعالج مشكلة الفساد وجهًا لوجه في حال انتخابه، وإنه سيعمل على جذب المستثمرين وتهيئة بيئة حاضنة لهم.
في النهاية؛ تدخل نيجيريا الانتخابات العامة في فبراير 2023، وهي مُعلقة الآمال أن تنعكس نتائج هذه الانتخابات على أوضاعها الأمنية والاقتصادية؛ إذ تعاني البلاد حالة ركود اقتصادي، وتدهورًا أمنيًا كبيرًا مؤخرًا. لذلك سيكون على مكتب الرئيس النيجيري المُقبل أجندة كبيرة من التحديات والأزمات التي يجب إدارتها والتعاطي معها بما في ذلك ارتفاع معدلات الفساد بالدوائر الحكومية، وارتفاع نسب البطالة وتراجع قيمة العملة الوطنية، وعنف الجماعات الإرهابية والانفصاليين. وأخيرًا، يتخوف النيجيريون من مسألة قبول نتائج التصويت، لا سيَّما أن لديهم خبرة سيئة في أحيان كثيرة بمسألة العنف الناتج عن رفض نتائج الانتخابات.