في محاولة لتحسين ملف التعليم، تقوم سيراليون بتجربة تعليمية واسعة، قد لا يلاحظها الكثيرون، لكنها إذا نجحت، يمكن للدولة أن تكتب خارطة طريق، قد تفيد حتى الدول الأكثر ثراءً، وبحسب مجلة "إيكونومست" البريطانية، فإنه في عام 2018، زادت الحكومة الإنفاق العام على التعليم، والذي أصبح الآن ضعف ما كان عليه قبل خمس سنوات، وارتفع عدد الأطفال المسجلين في مدارسها بأكثر من النصف، ولكن مع وجود المزيد من المشردين، فإنها تصارع الآن مشكلة تحير كل إفريقيا، وهي كيفية زيادة المحتوى الذي يتعلمه الأطفال.
على مدى العقدين الماضيين، ارتفعت معدلات الالتحاق بالمدارس في جميع أنحاء إفريقيا، وبلدان جنوب الصحراء الكبرى، ومع ذلك، فإن ما لا يقل عن طفل واحد من كل عشرة أطفال يمكنه القراءة بحلول الوقت الذي يغادر فيه المدرسة الابتدائية (في الولايات المتحدة وبريطانيا أكثر من 90٪ منهم يستطيعون القراءة)، وغالبًا لا تلاقي تلك المشكلة الاهتمام اللائق.
%21 من ميزانية البلاد مخصصة للتعليم
ومن أجل تعزيز الوصول إلى المواد التعليمية، وجودتها، تخصص سيراليون الآن 21٪ من ميزانيتها للمدارس، وهي واحدة من أعلى المعدلات في العالم، ويتم إنفاق أغلب تلك الميزانية، لتعويض إلغاء الرسوم الدراسية، والامتحانات، والكتب المدرسية التي كانت العديد من المدارس الحكومية تفرضها في السابق، والآن ما يقرب من ثلثي الشباب يرتادون المدرسة الثانوية، بعد أن كانوا الثلث، ومن خلف مكتبه، قال جوليوس مادا بيو، رئيس البلاد، إنه اضطر إلى تقليص تمويل جميع الوزارات الأخرى من أجل توفير تكلفة الإصلاحات التعليمية، لكنه يقول إن الحاجة إلى تعليم أفضل هي "وجودية".
تغييرات لا تحظى بشعبية
وبحسب مجلة "إيكونومست"، حاولت الحكومة القضاء على المشكلات الأخرى التي تمنع الشباب من الدراسة، ونقلت المجلة عن ديفيد موينينا سينجيه، وزير التعليم، أن التغييرات لا تحظى دائمًا بشعبية، فقد استاءت الجماعات الدينية بسبب عدم السماح للتلميذات الحوامل بحضور الفصول الدراسية، كما انتقد المعلمون وأولياء الأمور الجهود المبذولة لمنع العقاب البدني، لكن الوزير الذي يبلغ من العمر 35 عامًا، وهو خريج جامعة، يحظى بشهرة واسعة، ويراه أحد الخبراء "أكثر مُصلح تعليمي في إفريقيا بالوقت الحالي".
منظمات غير حكومية
من جهة أخرى، طلبت الحكومة من خمس منظمات التنافس لتحسين مستوى الأطفال الدراسي، وستعمل كل منها مع نحو 70 مدرسة ابتدائية لمدة ثلاث سنوات، والمنظمات التي تشمل،"Save the Children" و"EducAid"، وهي مؤسسات خيرية بريطانية، لن تدير المدارس بشكل مباشر ولا يمكنها تعيين المعلمين وفصلهم، لكنهم ينفقون ما يصل لـ36 دولارًا لكل طفل على أشياء مثل تدريب المعلمين، أو فصول تعويض الأطفال الذين تخلّفوا عن التعلم، وستنتشر الأفكار الناجحة بعد ذلك عبر النظام التعليمي بأكمله.
وعلى سبيل المثال، أقامت منظمة "EducAid " فصولاً دراسية في قاعتين صغيرتين في حقل بالقرب من منطقة بورت لوكو، وهي بلدة تبعد نحو ساعتين بالسيارة عن العاصمة فريتاون، وأولئك الذين يحضرون الفصول، ليسوا تلاميذ، بل هم نحو 70 شخصًا بالغًا يتعلمون طرقًا جديدة لتدريس الرياضيات، من بين 600 عضو من أعضاء هيئة التدريس في المدارس التي تعمل فيها المنظمة، وسيقضون جميعًا وقتًا في هذا المركز، وينامون في أسرّة من طابقين ليلًا.
التجربة والخطأ
وأثارت هذه التجربة الاهتمام ليس فقط فيما يتعلق بالابتكارات في التدريس ، ولكن أيضًا لأنها تقدم تجربة كبيرة تدعم التأثير الاجتماعي، وهي شكل عصري من تمويل التعليم، حيث خصص مانحون، مثل بريطانيا، 18 مليون دولار ، سيتم دفع معظمها بعد الانتهاء من العمل، وسيعتمد المبلغ المحدد على مدى نجاح المنظمات في تحسين درجات التلاميذ، وإذا كانت النتائج ضعيفة، سوف يخسر المستثمرون من القطاع الخاص الذين موّلوا بعض هذه المنظمات بأموالهم، والأمل، كما تقول "إيكونومست" أن هذا النوع من التمويل "المستند إلى النتائج" يمكن أن يجعل المساعدة التعليمية أكثر فعالية، ويجعل دافعي الضرائب في البلدان الغنية أكثر استعدادًا لمواصلة الدعم، لكن المشكلة أن إعداد هذه الصفقات، والتحقق منها، يمكن أن يكون بطيئًا ومكلفًا.
من جهة أخرى، يمكن لسياسات التعليم المجاني التي لا يتم تمويلها بشكل جيد أن تجعل النظام ضعيفًا، ففي بلدان مجاورة، مثل غانا، هناك اكتظاظ شديد في بعض المدارس الثانوية المجانية لدرجة أن الطلاب يجب أن يتناوبوا في الذهاب إلى الفصل، وأقر الوزير "سنجه" بأن الفصول الدراسية أصبحت أكثر ازدحامًا منذ إلغاء الرسوم الدراسية، وتابع: "أفضل أن يكون لدي 80 طفلًا في فصل دراسي وبه القليل من الضوضاء من 40 طفلًا يجلسون في غرفة فسيحة والباقي لا يجد مكانًا".
تحديات كبيرة أمام تجربة سيراليون
وتواجه تجربة سيراليون في التعليم تهديدات كبيرة، فأسعار الغذاء والوقود آخذة في الارتفاع في جميع أنحاء العالم، وانخفضت قيمة العملة المحلية، الليون، بأكثر من 50٪ هذا العام، كما لقي عشرات الأشخاص حتفهم في العاصمة أغسطس الماضي، وسط أعمال عنف أعقبت الاحتجاجات التي اندلعت بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، لكن الرئيس وعد بالحفاظ على الإنفاق على التعليم مرتفعًا، لكن يجب أن يواجه ناخبيه مرة أخرى في عام 2023، وقد تقرر حكومة جديدة أن لديها أولويات أكثر إلحاحًا، وخاصة أن فوائد الديون الخارجية للبلاد تستهلك بالفعل نحو 22٪ من عائدات الدولة، ووسط كل هذا ، يجب على الحكومة أن تظهر أن الشباب المجتهد يكتسبون فرصًا جديدة، فقد اجتاز نحو 100 ألف شاب هذا العام الاختبارات التي تؤهلهم للالتحاق بالتعليم العالي، وهي النسبة الأكبر من أي وقت مضى، ولكن في الوقت الحالي يمكن للجامعات والكليات في البلاد أن تقدم أماكن لجزء صغير منهم، وعقب حل تلك المشكلة، سيكون هناك تحدٍ آخر، وهو التأكد من أن هؤلاء الخريجين يمكنهم العثور على وظائف جيدة.
جدير بالذكر أن سيراليون واحدة من أفقر البلدان في إفريقيا، كما أن نحو نصف البالغين لا يستطيعون القراءة، وتعاني أغلب مدارسها من نقص إمدادات الكهرباء.