الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

قراءة في الحرب الروسية الأوكرانية خلال عامين

  • مشاركة :
post-title
الحرب الروسية الأوكرانية - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - د.مبارك أحمد

مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث في 24 فبراير 2024 تثار العديد من التساؤلات حول ما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تمكن من تحقيق أهداف تلك الحرب، التى أعلنها منذ بدء العمليات العسكرية الخاصة في 24 فبراير 2022، وحدد لها ثلاثة أهدف رئيسية هى: حماية سكان دونباس، واجتثاث النازية، ونزع سلاح أوكرانيا.

أثبتت خبرة العامين الماضيين أن العملية العسكرية الخاصة وفقًا للوصف الروسي ما لبثت أن تحولت لحرب شاملة غير مباشرة ما بين روسيا من ناحية، والدول الغربية من ناحية أخرى، التي دعّمت أوكرانيا عسكريًا واقتصاديًا بالوكالة لخوض تلك الحرب بدلًا من المواجهة المباشرة مع روسيا، التى يتجنبها الجميع نظرًا لمخاطرها على السلام والاستقرار العالميين. فالحرب وبرغم محدودية نطاقها الجغرافي، إلا أن لها تداعياتها المباشرة على العديد من الاقتصادات الناشئة في أقاليم العالم المختلفة، وعلى الاقتصاد العالمي الذي كلفته الحرب خسائر في عام 2022 فقط قدرت بـ1.3 تريليون دولار، وعلى الأمن الأوروبي فيما يتعلق بالاعتماد على إمدادات الطاقة من روسيا، إذ تعتمد أوروبا على 40% من استهلاكها على الغاز الروسي، فضلًا عن تأثيرات الحرب على إعادة بناء التحالفات ومناطق النفوذ.

حصاد العامين

بعد مرور عامين على بدء الحرب الروسية الأوكرانية ودخولها العام الثالث، فإن ثمة حصاد لتلك الحرب على مستويات متعددة، يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:

(*) روسيا: بعد مرور عامين وبدء العام الثالث للحرب الروسية الأوكرانية، بدا واقع السيطرة الروسية على أراضي أوكرانية تقدر بنحو ثلثي أراضي دونيتسك، و95% من أراضي لوجانسك، ونحو 75% من منطقة زابوريجيا، وما يقرب من نصف منطقة خيرسون، إضافة إلى سيطرة روسية على عدة جيوب في جنوب إقليم خاركيف فى الشرق ومناطق عدة في الوسط والغرب.

وهي نتائج ربما لا ترقي إلى درجة الرضاء الروسي وصولًا لإسقاط النظام القائم، وهو ما عبّر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه مع المذيع الأمريكي تاكر كارلسون في 9 فبراير 2024 قائلًا: "لم نحقق بعد أهدافنا من خلال العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا ومنها اجتثاث النازية، وأنه يجب التخلص من الأشخاص الذين يحملون الأفكار النازية. مضيفًا "نريد التوصل إلى حل للأزمة الأوكرانية من خلال المفاوضات، وأن روسيا وأوكرانيا ستتوصلان إلى اتفاق عاجلًا أم آجلًا".

أما من الناحية الاقتصادية فقد عانى الاقتصاد الروسي بعد اندلاع الحرب في ظل توجيه موارد الدولة نحو المجهود العسكري في أوكرانيا خلال عام 2022 وفى ظل تزايد العقوبات الغربية على روسيا وتنوعها، إلا أن عام 2023 وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فقد شهد تحسنًا لوضع الاقتصاد الروسي الذى بلغ معدل نموه 3%، وهو بذلك يكون قد تفوق على النمو في اقتصادات الدول السبع الصناعية، ومنها اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية الذى بلغ معدل نموه فى ذلك العام 2023 ما يقدر بـ2.5%، وعلى اقتصاد ألمانيا -0.3%، وفرنسا 0.8%، فضلًا عن اقتصاد إيطاليا الذي نما بمعدل0.7%، واليابان بنحو 1.9%، والمملكة المتحدة بنحو 0.5%، وكندا بمعدل 1.1%.

ويعود التحسن الاقتصادى لروسيا بسبب العديد من العوامل، أولها الخطة الروسية التي أطلقت عليها "الأنبوب إلى الشرق" أى تحويل صادرات روسية من منتجات مثل الغاز والنفط إلى دول من الشرق فى مقدمتها الصين والهند من خلال خطى قوة سيبريا 2،1 كبديلين لنورد ستريم 2،1، وقد بلغ حجم مبيعات روسيا للصين من النفط والغاز ما يقرب من 200 مليار دولار خلال عام 2023. وثانيها تنويع روسيا لروابطها الاقتصادية مع التكتلات الاقتصادية البازغة فى آسيا وإفريقيا، وكسر العزلة السياسية والاقتصادية التى حاولت الدول الغربية فرضها عليها.

(*) أوكرانيا: على الرغم من الخلل الواضح فى ميزان القوة العسكرية لصالح روسيا، إلا أن أوكرانيا نجحت خلال العام الثاني من الحرب وبدعم تسليحى قوي من الدول الغربية في استهداف مناطق داخل العمق الروسي، حيث تعرّضت المناطق القريبة من الحدود لهجمات بالمسيّرات، واستخدام أنظمة صاروخية، بما جعل الجانب الروسي يدرك ثقل امتداد الصراع وتعقده برغم قدرته على تعزيز سيطرته على مناطق أوكرانية جديدة كان آخرها إحكام القبضة على مدينة أفدييفكا في دونيتسك منتصف فبراير 2024.

لذلك جاءت كلمة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام مؤتمر ميونخ للأمن 17 فبراير 2024 داعيا لسد ما وصفه بوضوح بالنقص المصطنع في الأسلحة الذي يعزز موقف قوات الرئيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ساحة المعركة. قائلًا: "لسوء الحظ فإن بقاء أوكرانيا في حالة عجز مصطنعة فيما يتعلق بالأسلحة، خصوصًا في ظل العجز في المدفعية والقدرات من الأسلحة بعيدة المدى، بما يسمح لبوتين بالتكيف مع الوتيرة الحالية للحرب".

أما على المستوى الاقتصادي، فوفقًا لبيانات البنك الدولي فإن الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا تقلص بنسبة 35% خلال عام 2022. وقدرت أكاديمية كييف للاقتصاد الأضرار بنحو 138 مليار دولار، إضافة إلى 34.1 مليار دولار خسائر القطاع الزراعي.

(*) الولايات المتحدة الأمريكية: تعانى الولايات المتحدة الأمريكية من انقسام ما بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطى بقيادة الرئيس جو بايدن والحزب الجمهوري، حيث طرح بايدن حزمة من تمويل المساعدات الأمنية لكل من أوكرانيا وإسرائيل وتايوان تقدر بـ95 مليار دولار، التي صادق عليها مجلس الشيوخ، ولم يقرها مجلس النواب حتى الآن، بعدما أعلن مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي أنه لن يرضخ للضغوط، ولن يجبر أحد مجلس النواب الذى يسيطر عليه الجمهوريون على إقرار مشروع حول المساعدة لدول أجنبية عارضته أغلبية الأعضاء الجمهوريين بمجلس الشيوخ؛ لأنه لا يتضمن تمويل الإجراءات لحماية الحدود والسيطرة عليها.

وبرغم ذلك التباين، إلا أن هناك تصورًا لدى البعض بأن الولايات المتحدة الأمريكية هى التى استدرجت روسيا للمستنقع الأوكراني لتحقيق هدفين؛ أولهما، تقليم أظافر الدب الروسي الساعى إلى استعادة مكانته الدولية من خلال فاتورة حرب وما تحمله من تداعيات سلبية على الداخل الروسي الذي يواجه مشكلات اقتصادية. وثانيهما الحد من تنامي العلاقات الاقتصادية الروسية الأوروبية التى تزايدت بعد تدشين خطى نورد ستريم 2،1 لإمداد أوروبا بالغاز، وبما يضمن أن تبقى المظلة الأمريكية هي الضامن الرئيسي للأمن الأوروبي.

(*) أوروبا: اعتبرت دول الغرب الأوروبي الحرب الروسية الأوكرانية بمثابة تهديد لأمنها القومي، الأمر الذي جعلها تسارع لتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، وتعد ألمانيا ثاني أكبر داعم لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تزويد أوكرانيا بأسلحة متنوعة من بينها: دبابات قتالية، وقطع مدفعية ثقيلة، وأنظمة دفاع جوي. كما أعلنت وزارة الدفاع البريطانية في 24 فبراير 2024 عن مساعدات بقيمة 245 مليون جنيه إسترليني لتمويل ذخيرة المدفعية الأوكرانية، كما طالب ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني فى مقال له بجريدة "صنداي تايمز" بمناسبة مرور عامين على بدء الصراع بأن تكون الدول الغربية أكثر جرأة في ضرب اقتصاد الحرب الروسية ومصادرة المليارات من الأصول الروسية المجمدة، فأوكرانيا لاتزال بحاجة إلى مزيد من الأسلحة بعيدة المدى والطائرات المسيّرة والذخائر، إضافة إلى مساعدات أخرى.

أما فرنسا فقد أكد ماكرون تصميم بلاده على الوقوف إلى جانب أوكرانيا من أجل إفشال الاعتداء الروسي، وذلك عقب توقيعه اتفاق أمني في 17 فبراير 2024 مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتعزيز الشراكة الأمنية بين باريس وكييف، ويحدد الاتفاق إطار عمل للمساعدات الإنسانية والمالية طويلة الأجل، إضافة إلى دعم إعادة الإعمار والمساعدات العسكرية.

(*) التحالفات الدولية: أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى إعادة تشكيل التحالفات الدولية والاصطفافات القائمة، إذ اتجهت دول إلى مساندة روسيا فى ظل عدائها مع المشروع الغربي، وأشارت تقارير غربية إلى المسيّرات الإيرانية التى توظّفها روسيا فى الحرب ضد أوكرانيا، فى حيث اتجهت أوكرانيا لاستخدام المسيّرات التركية فى حربها ضد روسيا. فى مقابل ذلك الاصطفاف تبنت الدول العربية موقفًا محايدًا من أطراف الصراع، بل إن جامعة الدول العربية قامت بتشكيل لجنة اتصال عربية بأطراف الأزمة لحثها على اللجوء إلى المفاوضات بدلًا من الحل العسكري، كما قدمت دول عربية وساطتها لحل الصراع، وقدّم الاتحاد الإفريقي أيضًا وساطته من خلال تشكيل وفد قام بزيارة روسيا وأوكرانيا فى يونيو 2023 لطرح المبادرة الإفريقية الرامية لوقف التصعيد بين الطرفين، وذلك بمشاركة كل من رؤساء السنغال (ماكي سال) وجنوب إفريقيا (سيريل رامافوزا) وزامبيا وجزر القمر، فضلًا عن رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي.

مساران محتملان

هناك مساران محتملان لا ثالث لهما مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث يمكن الإشارة إليهما في التالي:

المسار الأول: وهو المسار الأقل ترجيحًا ويرتبط بتحول العملية العسكرية الخاصة التى تنفذها روسيا فى أوكرانيا وتوظفها الدول الغربية فى حرب بالوكالة ضد النفوذ والتمدد الروسي، لتتسع رقعتها وتتحول إلى مواجهات مباشرة ما بين روسيا وحلفائها من ناحية وحلف الناتو وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى.

ويعد هذا السيناريو الأضعف، لا سيما أن ثمة تراجع أوروبي لدعم أوكرانيا عسكريًا حتى وإن أقرت دول الاتحاد الأوروبي معونات تقدر بـ50 مليار دولار مطلع فبراير 2024 لمدة أربع سنوات لأوكرانيا فى ظل الخلل العسكري ما بين روسيا وأوكرانيا، التى عجزت عن الوصول لنقطة توازن حتى بعد مهاجمتها لمناطق روسية على الحدود.

المسار الثاني: وهو الأكثر ترجيحًا، الذى يقوم على العودة للمفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني، فى ظل ارتفاع تكلفة الصراع سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية العسكرية، ومع احتمالية عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذى يرفض الدعم الأمريكي لأوكرانيا بل ويهدد بالانسحاب من حلف الناتو ما لم ترفع الدول الأوروبية من إنفاقها العسكري للمشاركة في حماية أمنها، فإن مسار المفاوضات يصبح السيناريو الواقعي يعزز من ذلك إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه يريد التوصل لحل للأزمة الأوكرانية من خلال المفاوضات التي يعتبرها ستتحقق عاجلًا أم آجلًا.

مجمل القول: إن الحرب الروسية الأوكرانية، وهي تكمل عامين وتبدأ عامها الثالث في ظل عالم يموج بالتحديات والمشكلات المعقدة، فإنها وإن كانت ترتبط فى أحد جوانبها برغبة روسيا فى الحفاظ على مصالحها وحماية أمنها القومي في المناطق المتاخمة لها، ومنع تمدد حلف شمال الأطلنطي لتهديد نفوذها في تلك المناطق، إلا أنها أيضًا ترتبط برغبة بوتين في استعادة مكانة روسيا دوليًا والسعي للتحول من نظام أحادى القطبية يعتبره لا يعبر عن موازين القوى الدولية وواقعها إلى نظام متعدد الأقطاب.