عبر مسافة تبلغ 900 ميل، تتناوب القوات الروسية والأوكرانية محاولات اختراق الخط الفاصل بينهما، حيث يحاول كل منهما، مع دخول الحرب عامها الثالث، أن يُميل دفة النصر لصالحه.
وطوال العامين الماضيين "كانت هناك إنجازات تدريجية، إذا صح التعبير، بتكلفة لا تصدق". وفق ديفيد بتريوس، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية والجنرال الذي قاد قوات التحالف في العراق وأفغانستان، في حديث على هامش مؤتمر ميونخ للأمن.
أما الخطأ الأكبر فـ"كان بدء هذه الحرب"، كما قال بافيل لوزين، المحلل العسكري الروسي والباحث الزائر في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية، لمجلة "نيوزويك"، الذي يرى أن روسيا "وضعت نفسها في كارثة استراتيجية قاتلة منذ فبراير 2022".
مع هذا، جاء أكبر انتصار حققته القوات الروسية قبل أيام، عبر السيطرة على مدينة "أفدييفكا" الاستراتيجية بإقليم دونيتسك، شرق أوكرانيا، رغم خسارة ما يقرب من 20 ألف جندي في المعارك حول المدينة منذ 23 أكتوبر الماضي، وفق ما تشير التقديرات. وهو أول انتصار منذ استيلاء موسكو على "باخموت" القريبة في مايو الماضي.
هجوم وخسائر
خلال عامين من الحرب، تكبدت القوات البرية والجوية والبحرية الروسية العديد من الخسائر.
وكان الهجوم الذي شنته روسيا على العاصمة الأوكرانية في 2022، وكان من المفترض أن يكون مدعومًا بالاستيلاء على مطار "هوستوميل" في ضواحي كييف، واحدًا من أكثر المعارك أهمية في الحرب. لكنه انتهى بفشل باهظ الثمن، بسبب اضطراب خطوط الإمدادات.
ووصفت وكالة "أسوشيتد برس" الفشل في السيطرة على كييف بأنه "هزيمة على مر العصور".
وبينما تعثر الجيش، وفشلت القوات الجوية في تطهير سماء أعدائه الأوكرانيين، أصبح أسطول البحر الأسود الروسي المخيف فجأة في خط النار، على الرغم من عدم وجود قوات بحرية أوكرانية تقليدية تستطيع هزيمته فعليا.
وبحلول أبريل 2022، أدى إغراق السفينة الرئيسية لأسطول البحر الأسود -طراد الصواريخ الموجهة "موسكفا"- بواسطة الصواريخ الأوكرانية المضادة للسفن إلى وضع الجزء الشمالي من البحر الأسود خارج نطاق الحدود.
واعتبر كثيرون غرق السفينة، التي كان طاقمها مكون من 510 أفراد، أكبر خسارة قتالية بحرية منذ الحرب العالمية الثانية.
وبينما يعتقد أن الأسطول الروسي كان يضم نحو 80 سفينة قبل الحرب عام 2022. تزعم أوكرانيا أنها أغرقت ما لا يقل عن 25 سفينة حربية من مختلف الأحجام، ودفعت 15 سفينة أخرى لورش الإصلاح.
وقد تم تدمير البنية التحتية المهمة للحوض الجاف في مدينة سيفاستوبول الساحلية في شبه جزيرة القرم، في حين تضرر جسر مضيق كيرتش الذي يربط شبه جزيرة القرم وروسيا بسبب المُسيّرات البحرية.
الدفاع الجوي
في عام 2022، بدأت روسيا الحرب بحرية شبه مطلقة في أوكرانيا، حيث قصفت البلاد باستخدام مجموعة متنوعة من صواريخ كروز التي تم إطلاقها من البر والبحر والجو. بينما كافحت أوكرانيا خلال شتاءها الأول تحت قصف مدمر كاد يؤدي إلى انهيار شبكة الطاقة لديها.
ولكن مع استمرار الصراع، عززت كييف قدراتها الهجومية بعيدة المدى، وكشفت في هذه العملية عن ثغرات كبيرة في مظلة الدفاع الجوي الروسية المتقدمة.
وقد خصصت أوكرانيا موارد كبيرة لبرنامج الطائرات المُسيّرة، والتي روجت كييف لقدراتها بعيدة المدى، بما في ذلك UJ-26 Beaver وUJ-22 Airborne؛ كما تعمل أوكرانيا على تصميمات متقدمة تعمل بالطاقة النفاثة، بما في ذلك طراز UJ-25 Skyline.
أمّا الدفاعات الحدودية لروسيا، فقد أثبتت سلسلة كبيرة من التوغلات في منطقة "بيلجورود" الغربية من قِبل المقاتلين الروس المتحالفين مع كييف في صيف عام 2023 أنها "محرجة لموسكو والسلطات المحلية".
وقال معهد دراسة الحرب ISW -مركز أبحاث أمريكي- إن رد فعل المحللين الروس "اتسم بدرجة من الذعر والانقسام وعدم التماسك، وهو ما يميل فضاء المعلومات الروسي إلى إظهاره عندما يتعرض لصدمات معلوماتية كبيرة".
سقوط أفدييفكا
عندما تم تعيينه هذا الشهر، قال القائد الجديد للقوات المسلحة الأوكرانية، الجنرال أولكسندر سيرسكي، إنه "يفضل الانسحاب بدلاً من التضحية بالأرواح".
كان "سيرسكي" في المرة الأخيرة التي استولى فيها الروس على مدينة أوكرانية هي "باخموت"، قد تعرض لانتقادات بسبب تمسكه بها لفترة طويلة، وقد اتُهم بالسعي لتحقيق نصر رمزي على حساب خسائر لا داعي لها.
هكذا، لا يرجع الفضل في سقوط "أفدييفكا" في قبضة الروس، إلى التفوق الروسي في العدد والعتاد فحسب، بل أيضا بسبب رؤية القائد العسكري الجديد. وكذلك الدعم الغربي المتعثر، والتردد بشأن حزم المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ الخريف، حسبما لفتت صحيفة "التليجراف" البريطانية.
وعلى الرغم من الخسائر الروسية الباهظة، تعاني قوات كييف بدورها من نقص خطير على كل الجبهات، في المدفعية، والطائرات المُسيّرة -فخر إنجازاتها- والقوة البشرية.
ويبدو الآن أن القوات الروسية اخترقت الدفاعات التي تم تعزيزها على مدى السنوات العشر الماضية.
وما يثير إحباط كييف أن أوكرانيا لم تتمكن من كسر التحصينات الروسية في أماكن أخرى، والتي تم بناؤها في غضون أشهر.
وفي الأيام التي تلت رفع العلم الروسي في أفدييفكا، تعرضت مناطق أخرى على طول خط المواجهة الأوكراني البالغ طوله 600 ميل، لضغوط كبيرة. كجزء من استراتيجية الكرملين لإبطال عامين من المكاسب العسكرية الأوكرانية، وفق رؤية "التليجراف".
فقد شنت القوات الروسية هجومًا متواصلًا على قرية روبوتين الواقعة على بُعد نحو 200 ميل إلى الجنوب الغربي، سعيًا لاستعادة واحدة من الجوائز القليلة التي حصلت عليها كييف -بشق الأنفس- من الهجوم المضاد في الصيف الماضي.
وإلى الشمال في كوبيانسك، التي استعادت القوات الأوكرانية السيطرة عليها في هجوم خاطف في خريف عام 2022، هاجمت موسكو بقوة قوامها نحو 40 ألف جندي.
وبالقرب من مدينة خيرسون المطلة على البحر الأسود، يتعرض رأس الجسر الأوكراني في كرينكي، على الجانب الذي تسيطر عليه روسيا من نهر دنيبرو، لضغوط متزايدة.