"اتخذت قرارًا بتجنب التطويق والحفاظ على حياة وصحة الجنود".. بهذه الكلمات أعلن قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي انسحاب قواته من مدينة أفدييفكا الشرقية الرئيسية في منطقة دونيتسك بأوكرانيا.
واحتشدت القوات الأوكرانية، أمس الجمعة، لإنقاذ المدينة من الهجوم الروسي، وسط نقص في الذخيرة والقوى البشرية، وقالت كييف إنها سترسل تعزيزات إلى أفدييفكا، الهدف الرئيسي لموسكو على الخطوط الأمامية، حيث أصبحت المدينة رمزًا للمقاومة الأوكرانية ضد الهجوم الروسي، وفق "ديلي ميل" البريطانية.
هجوم مكلف
الخريف الماضي، بدأت القوات الروسية شنّ هجوم مكلف للاستيلاء على المدينة، ما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبلدة وخسائر فادحة، حتى وقعت المدينة بعد شهور من الهجمات الروسية العنيفة، الأمر الذي يمثل أكبر تغيير على الخطوط الأمامية منذ سيطرة موسكو على باخموت في مايو من العام الماضي.
في بيان قصير نُشر على فيسبوك في وقت مبكر من اليوم السبت، قال قائد الجيش الأوكراني، إنه "اتخذ قرارًا بتجنب التطويق والحفاظ على حياة وصحة الجنود، وأن القوات تتحرك نحو خطوط أكثر ملاءمة".
وأضاف: "لقد أدى جنودنا واجبهم العسكري بكرامة، وفعلوا كل ما في وسعهم لتدمير أفضل الوحدات العسكرية الروسية، وألحقوا بالعدو خسائر كبيرة من جهة القوة البشرية والمعدات.. نحن نتخذ إجراءات لتحقيق الاستقرار في الوضع والحفاظ على مواقفنا"، وفق البيان.
الانتصار الأكبر
التقدم الروسي وصفته عديد من الصحف الغربية بـ"الانتصار الأكبر" لروسيا منذ بدء الحرب، وقالت "بي بي سي" البريطانية: "هذا أكبر انتصار لموسكو منذ الهجوم على أوكرانيا العام الماضي، وكما هو الحال مع المستوطنات الأوكرانية الأخرى على خط المواجهة، استولت روسيا على مدينة مدمرة بالكامل تقريبًا".
واحتلت روسيا مدينة أفدييفكا لفترة وجيزة في عام 2014 قبل أن تستعيدها أوكرانيا، لتعلن روسيا السيطرة عليها من جديد اليوم السبت، ونقلت "ديلي ميل" البريطانية قول المتحدث باسم اللواء الهجومي الثالث أولكسندر بورودين: "إن الوضع كان أكثر صعوبة، بل صعب للغاية"، مضيفًا أن "معركة أفدييفكا كانت أكثر صعوبة نسبيًا لأن القوات الروسية أصبحت الآن أفضل تجهيزًا".
كيف سقطت أفدييفكا؟
تحول الصراع الروسي الأوكراني الآن إلى حرب استنزاف، إذ إن الفارق بين حجم أوكرانيا وروسيا أصبح أكثر وضوحًا، فيبلغ عدد سكان روسيا 144 مليون نسمة، أي أكثر من أربعة أضعاف عدد سكان أوكرانيا، ورغم خسارة آلاف الجنود في هذه العملية، فقد عززت موسكو حجمها من خلال تجديدهم على الفور تقريبًا.
وأظهرت خرائط على الإنترنت لتحركات القوات أعدها مدونون عسكريون قريبون من الجيشين الأوكراني والروسي، أن القوات الروسية تقترب من أفدييفكا، وتستولي على المواقع التي كانت تسيطر عليها القوات الأوكرانية في اليوم السابق.
60 قنبلة يوميًا
وقال لواء الهجوم الثالث الأوكراني، الذي انتشر هناك، إنه يتعرض لهجوم من المشاة في كل الاتجاهات، فيما حشدت روسيا مقاتليها الأفضل تدريبًا في المنطقة، ويُعتقد أنها تُسقِط ما يصل إلى 60 قنبلة يوميًا على المواقع الأوكرانية، وفق "بي بي سي".
التقدم الروسي لم يحدث بين عشية وضحاها، فمنذ أكتوبر الماضي، شنّت موسكو موجة تلو الأخرى من الهجمات باتجاه أفدييفكا، ويبدو الآن أن القوات الروسية اخترقت الدفاعات التي تم تعزيزها على مدى السنوات العشر الماضية منذ بدء حملة العدوان التي شنتها موسكو لأول مرة، لكن ما يثير إحباط كييف أن أوكرانيا لم تتمكن من كسر التحصينات الروسية في أماكن أخرى، التي تم بناؤها في غضون أشهر.
المساعدة الغربية المتعثرة
المساعدة الغربية المتعثرة أيضًا أسهمت بشكل مباشر في الانسحاب الأوكراني في أفدييفكا، إذ تتصدر الولايات المتحدة الطريق في توفير الأسلحة لأوكرانيا، بسبب الحجم والسرعة التي تستطيع أن توفرها بها. ومع عدم موافقة واشنطن على حزمة بقيمة 95 مليار دولار، بما في ذلك مساعدات لأوكرانيا، فإن الحلفاء الآخرين يكافحون من أجل سد الفجوة.
وهذا يعني أن الأوكرانيين مضطرون إلى التعامل مع نقص الذخيرة وإدارة الروح المعنوية المنخفضة، وقد لا يكون الانسحاب من "أفدييفكا" هو الوحيد الذي تفكر فيه كييف، بينما لا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد أيضًا أوكرانيا بأكملها، وما زال من الممكن أن يتمكن من الاستيلاء عليها، وفق "بي بي سي".
وفي هذه الأثناء، وقّع الرئيس فولوديمير زيلينسكي اتفاقًا أمنيًا مع فرنسا، أمس الجمعة، بعد ساعات من التوصل إلى اتفاق مماثل مع ألمانيا، أشاد به المستشار أولاف شولتس، باعتباره "خطوة تاريخية" لتأمين الدعم لكييف في معركتها المحتدمة ضد روسيا.
وقال مسؤولون إن الاتفاق مع فرنسا، الذي وقعه زيلينسكي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، يتضمن تعهدًا فرنسيًا بتقديم مساعدات تصل إلى 3 مليارات يورو (3.2 مليار دولار) لعام 2024، بعد 1.7 مليار في 2022 و2.1 مليار في العام الماضي، وفق "ديلي ميل".
طريق أمريكي مسدود
ويواجه الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن ومجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون طريقًا مسدودًا بشأن طلب البيت الأبيض الحصول على مساعدات عسكرية بقيمة 60 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا في الدفاع، مع دخول الحرب عامها الثالث.
كان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، حذّر من أن التأخير يحد بالفعل من قدرة أوكرانيا على القتال، وبالإضافة إلى تعليق المساعدات الأمريكية، اعترف الاتحاد الأوروبي بأنه لن يكون قادرًا على إرسال سوى نصف مليون قذيفة مدفعية كان وعد في الأصل بإرسالها بحلول شهر مارس المقبل.