"عمليات تفتيش مطولة، ورفض المساعدات الإنسانية، وتساقط القنابل الإسرائيلية".. كان هذا ما خلص إليه تحليل أجرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية، لشرح أسباب دخول قدر ضئيل من المساعدات إلى 2.2 مليون فلسطيني في غزة التي مزقتها الحرب.
وعلى الرغم من مرور أربعة أشهر منذ بدأت إسرائيل حربها على قطاع غزة، إلا أنها لم تنجح في تحقيق هدفها المتمثل في تدمير حماس، ما يترك أغلب السكان المدنيين في غزة تحت رحمة المساعدات التي يجب أن توافق عليها إسرائيل، حسبما ذكرت "سي إن إن".
نقاط دخول محدودة
فرضت إسرائيل قيودًا على كل ما يدخل ويخرج من غزة عن طريق البحر والجو ووضعت المعابر البرية تحت سيطرتها الصارمة قبل اندلاع الحرب، وكان لديها معبران وظيفيان مع القطاع هما "إيرز"، الذي كان مخصصًا لحركة الأشخاص، و"كرم أبو سالم"، للبضائع.
ويوجد لغزة أيضا معبر واحد مع مصر، في رفح، تديره السلطات المصرية. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري في وقت سابق لشبكة "سي إن إن"، إن معبر رفح تعرض للقصف مرارًا، ما تسبب في تعطيل دخول المساعدات.
وبعد اندلاع الحرب الحالية، أغلقت إسرائيل معبري "إيرز" و"كرم أبو سالم" لعدة أسابيع. وفي 21 أكتوبر الماضي، بدأ معبر رفح بالسماح بدخول المساعدات بشكل تدريجي. وفي منتصف ديسمبر من العام نفسه، بدأت إسرائيل بإجراء عمليات تفتيش أمنية على المساعدات الموجهة إلى غزة في معابرها الخاصة قبل إرسالها إلى رفح.
وقالت في ذلك الوقت إن هذه الخطوة ستزيد حجم المساعدات التي تصل إلى رفح مرتين، لكن العاملين في المجال الإنساني قالوا إن نقاط التفتيش الإضافية كانت غير كافية، وفقًا للأمم المتحدة.
وانتقدت مصر الإجراءات باعتبارها غير معقولة، قائلة إنها تعرقل تدفق المساعدات. وبعد ضغوط من الولايات المتحدة، بدأت إسرائيل تسمح بمرور الشاحنات التي تحمل المساعدات عبر كرم أبو سالم في أواخر ديسمبر 2023.
تفتيشات طويلة ومواد مرفوضة
وزعمت إسرائيل أن تشديد الفحص على المساعدات التي تدخل غزة، محاولة لمنع دخول ما تسميه "المعدات ذات الاستخدام المزدوج"، وهي المنتجات التي تدعى أنها "مخصصة للاستخدام المدني ولكنها قابلة لخدمة الاحتياجات العسكرية لتعزيز حماس".
وقال مارتن جريفيث، نائب الأمين العام للأمم المتحدة، إنه يجب أن تمر الشاحنات التي تحمل المساعدات بثلاث طبقات من التفتيش قبل أن تدخل القطاع.
وأدت الانتظارات الطويلة للتفتيش إلى حدوث اختناقات في معبر رفح، حسبما قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي، مضيفًا أنه من بين المواد التي اعتبرتها إسرائيل "ذات استخدام مزدوج" مولدات الكهرباء والعكازات ومجموعات المستشفيات الميدانية وخزانات المياه القابلة للنفخ وصناديق خشبية من ألعاب الأطفال و"ربما أكثر إحباطًا، 600 أسطوانة أكسجين".
محتجون يعترضون الشاحنات
كما عرقل المحتجون الإسرائيليون أكثر من مرة دخول الشاحنات التي تحمل المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر المعابر الإسرائيلية. وطالبوا بأن تسلم المساعدات فقط مقابل إطلاق الرهائن. وتسببت بعض الاحتجاجات في تعطيل المساعدات لعدة أيام، حسبما قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
خطر القصف
وفور دخول المساعدات إلى غزة، يعيق القصف المستمر من قِبل جيش الاحتلال والأضرار التي تلحق بالطرق جراء الغارات الجوية وانقطاع الاتصالات والتشريد الجماعي توزيعها داخل القطاع. وقالت جولييت توما، المتحدثة باسم الأونروا: "يصبح من الصعب جدا إجراء مكالمات هاتفية لتنسيق وتنظيم توصيل المساعدة الإنسانية".
وفي أعقاب الحرب، قطعت إسرائيل الكهرباء عن غزة، وقال مزودو الخدمات إن الغارات الجوية دمرت بنية الشبكة الحيوية للاتصالات. ومنذ ذلك الحين، شهدت الأراضي انقطاعات متعددة للاتصالات، ما جعل الفلسطينيين غير قادرين على الاتصال ببعضهم البعض أو بالعالم الخارجي.
وتعرضت الشاحنات التابعة للأمم المتحدة التي تحمل المساعدات لإطلاق نار إسرائيلي متكرر، وفقًا للأونروا.
تعليق مصر
وأكدت جمهورية مصر العربية في بيان لها، أول أمس الجمعة، أنَّ الدور الذي قامت به في حشد وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، كان قياديًا ونابعًا من شعور بالمسؤولية الإنسانية عن الأشقاء الفلسطينيين بالقطاع، وأنَّها تحملت ضغوطًا وأعباء لا حصر لها لتستطيع تنسيق عملية إدخال المساعدات، وأنها في سبيل ذلك قامت -ولا تزال- باتصالات مكثفة مع جميع الأطراف سواء الإقليمية أو الدولية أو الأممية، للضغط من أجل إتاحة دخول المساعدات وزيادة كمياتها بالشكل المطلوب.
وأشار البيان المصري إلى أن 80% من المساعدات التي تصل للقطاع مقدمة من مصر، حكومة وشعبًا ومجتمعًا مدنيًا، وأن مصر قامت كذلك بتسهيل وتنسيق زيارات المسؤولين الدوليين والأمميين للمعبر ليتفقدوا من أرض الواقع الجهود الهائلة التي تقوم بها السلطات المصرية في هذا الصدد.
وفيما يتعلق بموقف ودور مصر في إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع وإغاثة الأشقاء الفلسطينيين، أوضحت الرئاسة المصرية أنّ مصر -منذ اللحظة الأولى- فتحت معبر رفح من جانبها بدون قيود أو شروط وقامت بحشد مساعدات إنسانية بأحجام كبيرة، سواء من مصر ذاتها أو من خلال جميع دول العالم التي قامت بإرسال مساعدات إلى مطار العريش، وأن مصر ضغطت بشدة على جميع الأطراف المعنية لإنفاذ دخول هذه المساعدات إلى القطاع، إلَّا أن استمرار قصف الجانب الفلسطيني من المعبر من قبل إسرائيل، الذي تكرر أربع مرات، حال دون إدخال المساعدات، وأنه بمجرد انتهاء قصف الجانب الآخر من المعبر قامت مصر بإعادة تأهيله على الفور، وإجراء التعديلات الفنية اللازمة، بما يسمح بإدخال أكبر قدر من المساعدات لإغاثة أهالي القطاع.