الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"التراجع الأخضر".. جرارات مزارعي فرنسا تعطل خطط أوروبا البيئية

  • مشاركة :
post-title
مظاهرات جرارات المزارعين في فرنسا - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية، لم تجرؤ باريس ولا بروكسل على خوض معركة مع المزارعين الفرنسيين المستعدين لإلقاء الطماطم على طرقات جنوب فرنسا، وإغلاق الطرق المؤدية إلى العاصمة، بل دفعت احتجاجات هؤلاء إلى إبطاء - إن لم يكن وقف - المعايير البيئية الصارمة للاتحاد الأوروبي.

واعترف العديد من مسؤولي الاتحاد الأوروبي بأن بعض التغييرات نتجت بشكل مباشر عن احتجاجات المزارعين، ليس في فرنسا وحدها، بل في جميع أنحاء القارة.

واضطرت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إلى تقييد الواردات الغذائية من أوكرانيا، وأبطلت خطة لخفض استخدام المبيدات الحشرية.

وفي فرنسا، استسلم جابرييل أتال، رئيس الوزراء المعين حديثًا، باعترافه الشخصي، لمطالب المزارعين في محاولة "للاستجابة لتوقعاتهم".

وأمر بوقف فرض حظر جديد على المبيدات الحشرية، والتراجع عن رفع أسعار وقود الجرارات، وتعهد بعدم الذهاب أبعد ما يتطلبه قانون الاتحاد الأوروبي بشأن القيود البيئية.

وأثارت التنازلات السريعة رد فعل عنيف من دعاة حماية البيئة، الذين تساءلوا عن مدى جدية فون دير لاين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في التزاماتهما المناخية.

ضعف ماكرون

رغم أن المزارعين في ألمانيا وبولندا وإيطاليا وبلجيكا خرجوا أيضًا إلى الشوارع، لكن الاحتجاجات في مختلف أنحاء أوروبا لم تخلف مثل هذه العواقب السياسية المباشرة والفورية كما حدث في فرنسا.

تنقل النسخة الأوروبية من مجلة "بوليتيكو" عن ألبرتو أليمانو، أستاذ قانون الاتحاد الأوروبي: "من وجهة نظر ديمقراطية، من المقلق أن نرى كيف تمكن المزارعون، الذين يمثلون بالتأكيد فئتهم، من احتكار الاهتمام وحتى تغيير الاتجاه الذي تسلكه السياسة البيئية في أوروبا".

وحذر من أن هذه الخطوة كشفت عن "ضعف أوراق اعتماد ماكرون الخضراء".

وقال: "يمكننا أن نتساءل عن المجموعة الاجتماعية التي ستنجح مرة أخرى في الصخب وتغيير الأولويات السياسية لهذه الحكومة".

وقال جوردي كانياس، عضو البرلمان الأوروبي الإسباني، وهو من مجموعة "تجديد أوروبا" التي ينتمي إليها حزب النهضة المنتمي له ماكرون، إن المفوضية تخفف أو تعدل السياسات الخضراء لسبب واحد "نحن على بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات الأوروبية".

هيمنة المزارعين

على النقيض من حركة "السترات الصفراء" غير المنظمة التي أزعجت ماكرون خلال فترة ولايته الأولى، فإن المزارعين الفرنسيين يقودهم بقوة اتحاد المزارعين FNSEA القوي، ولديهم حلفاء في المؤسسات الفرنسية من البلديات إلى البرلمان.

وتظهر استطلاعات الرأي أن المزارعين، على الرغم من أعدادهم الصغيرة، يتمتعون بدعم واسع النطاق من الجمهور الفرنسي.

لذلك، بينما بدأ في استرضاء مزارعيه، صعّد ماكرون معركته ضد الصفقة التي تحاول بروكسل إبرامها مع كتلة "ميركوسور" في أمريكا اللاتينية، ما أحبط حكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى، التي تدعم إنشاء منطقة تجارة حرة تضم ما يقرب من 800 مليون شخص.

هكذا، بدا أن محاولة استرضاء المزارعين الفرنسيين المعترضين على الواردات المستقبلية من لحوم الأبقار البرازيلية لا يجدي نفعًا في عواصم الاتحاد الأوروبي الأخرى.

في الوقت نفسه، سارع ماكرون إلى تأكيد أن فرنسا "لن تتخلى عن طموحاتها الخضراء لإرضاء المزارعين"، كما أصر على أنه كان عمليًا في تخفيف بعض القواعد الخضراء.

وقال الرئيس الفرنسي للصحفيين الأسبوع الماضي في بروكسل: "إنها مسألة منطقية، لقد كنا دائمًا إلى جانبهم"، مشددًا على أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يجد التوازن الصحيح بين التحول الأخضر وحماية المزارعين.

وكان الرئيس الفرنسي واضحًا أيضًا في أنه إذا لم تستمع بروكسل إلى المزارعين وتبسط القواعد، فقد ينتصر اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية، يونيو المقبل.

وقال إيدي فوجير، المتخصص في الحركات الاحتجاجية، إنه على الرغم من أن المزارعين يمثلون حصة صغيرة من العمالة والناتج الاقتصادي في فرنسا، إلا أنهم ماهرون في تقديم أنفسهم على أنهم "أقلية تتحدث باسم الأغلبية الصامتة".

وأضاف أن المزارعين يميلون بشكل متزايد نحو حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان. وهذا يفسر سبب استعجال "أتال" في الإذعان لمطالب معظم المزارعين.