خلال الأشهر القليلة الماضية، أثناء تعامله مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أظهر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن "الغضب الهادئ" على انفراد مع المسؤولين الإسرائيليين. الأمر الذي جعله "يبدو ضعيفًا أمام موظفيه"، حسب تعبير نهال الطوسي، كبيرة محرري الشؤون الخارجية في مجلة "بوليتيكو".
وفي مقابل الغضب الهادئ، استجاب القادة الإسرائيليون لطلبات بلينكن بتنازلات بسيطة، إن لم يكن بتحدٍ صريح، بينما منحه الرئيس جو بايدن أمامهم نفوذًا يقارب الصفر، في وقت يقود فيه آخرون في الإدارة الأمريكية المحادثات المتعلقة بالعدوان.
وبينما يشعر العديد من موظفي الخارجية الأمريكية بالغضب من تعامل وزيرهم مع الأزمة، يبدو أن الزيارة الجديدة للشرق الأوسط، رغم البيانات الرسمية، قد لا تفضي إلى النتائج المأمولة.
مع هذا، أشار ماثيو ميلر، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، في بيانه، إلى أن "الزعماء الإقليميين يقولون لبلينكن باستمرار إن القيادة الأمريكية لا غنى عنها في معالجة هذه الأزمة".
وقال ميلر: "في بعض الأحيان تأتي النتائج بسرعة، وفي أحيان أخرى يستغرق الأمر المزيد من الوقت. لكنه -بلينكن- سيواصل معالجة هذه المشاكل الصعبة، لأن العمل الذي يقوم به مهم للولايات المتحدة والعالم".
لكن في الواقع، يواجه بلينكن تحديًا صعبًا أثناء عمله ضمن الحدود التي حددها بايدن، بما في ذلك رفض فرض شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل.
غضب وإحباط
في تقريرها، أوضحت الطوسي، التي تحدثت لعدد من المسؤولين الأمريكيين الذي رفضوا الكشف عن هوياتهم، أن إدارة بايدن تعمل على خطط تربط بين رغبة الفلسطينيين في إقامة دولة ورغبة إسرائيل في إقامة علاقات رسمية مع دول عربية. وهي تحاول التوصل لاقتراح يتضمن حوافز لجميع الأطراف لوقف العمليات العسكرية.
من أجل هذا "لا يساعد الغضب في كثير من الأحيان، فالوجود الهادئ والثابت من المرجح أن ينجز المهمة".
ونقلت عن دينيس روس، مدير تخطيط السياسات السابق الذي أمضى سنوات منخرطًا في جهود السلام في الشرق الأوسط، قوله: "هناك أوقات وأماكن ينبغي فيها للوزير، سواء في السر أو العلن، في أوقات معينة، أن يعبر عن مستوى من الغضب والإحباط".
وأضاف: "لكن إذا أفرطت في استخدام الغضب، فلن يكون أداة مفيدة، وستصبح قيمته منخفضة".
وبينما تحمّل بلينكن غضب القادة العرب من الانفلات الإسرائيلي، في كل زيارة، كانت الخارجية الأمريكية تؤكد أن ضغوط واشنطن على تل أبيب ساهمت في إدخال بعض المساعدات إلى قطع غزة، في مقابل إطلاق سراح أسرى من الإسرائيليين.
لكن، في الواقع، يعترف بلينكن نفسه بأن النتائج تافهة بالنظر إلى حجم المعاناة في غزة. حيث تم تهجير غالبية السكان البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة وقتل أكثر من 25 ألف فلسطيني، بينما تتزايد الأعداد كل يوم.
كما أكدت الأمم المتحدة، في أكثر من مناسبة، أن حجم المساعدات التي تدخل غزة لا تزال "أقل بكثير مما هو مطلوب".
توزيع المهام
رغم أن إدارة بايدن بدأت الأسبوع الماضي بفرض عقوبات اقتصادية على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، لكن من غير الواضح كيف سيؤثر ذلك على الوضع في غزة.
وقال اثنان من زملاء بلينكن إنه يدعم قرار بايدن بعدم حجب المساعدات العسكرية عن إسرائيل لسبب واحد، هو أن هذا قد يدفع قادة حركة حماس لمواصلة القتال.
وقال أحد محللي السياسة الخارجية عن دائرة بايدن: "إنهم يؤمنون بحل الدولتين كفكرة جميلة. ولكن ما مدى إيمانهم به بالفعل؟"
لكن، يستمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في رفض المقترحات الأمريكية حول مستقبل الدولة الفلسطينية في مناسبات عديدة، وهو "ما يشكل ازدراء واضح لبلينكن وبايدن"، وفق تعبير "بوليتيكو".
مع هذا، وفق أحد الدبلوماسيين السابقين، يجب على وزير الخارجية الأمريكي "الاستمرار في المحاولة".
لكن هدوء الوزير الشديد أثار انتقادات في واشنطن، ووصفه البعض بأنه "أنه أشبه بموظف أكثر من كونه مسؤولًا كبيرًا"، حيث يكتفي بتعليمات الرئيس، بدلًا من تقديم مبادرات ووجهات نظر ملموسة خاصة به.
ونقلت الطوسي عن آرون ديفيد ميلر، المسؤول الأمريكي السابق الذي أمضى سنوات عديدة في المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، قوله إن أحد الجوانب السلبية لبلينكن هو أنه "ربما يكون لديه الجزء الأقل، من بين جميع مساعدي بايدن الذين يعملون على حل لغز الشرق الأوسط".
ففي الواقع، يتولى ويليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية، معالجة المحادثات الرامية إلى إطلاق سراح الأسرى بين الإسرائيليين وحركة حماس.
بينما يتولى المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوشستاين مهمة محاولة تهدئة التوترات بين إسرائيل ولبنان.
ومن الناحية الفنية، يتولى المبعوث الأمريكي الخاص ديفيد ساترفيلد مسؤولية تحسين الوضع الإنساني في غزة.
وفي الحقيقة، كل هذه المهام خاصة بأنتوني بلينكن.
لكن ميلر قال إنه، حتى الآن "يبدو أن بلينكن يفتقر إلى هدف ملموس خاص به".
في الوقت نفسه، يلقي العديد من المراقبين اللوم على بايدن لعدم منح بلينكن مساحة كافية للضغط على إسرائيل. حيث لا يريد بايدن وضع شروطًا على المساعدات العسكرية لإسرائيل، ويريد دعمها بقوة في الأمم المتحدة.
ونتيجة لذلك "نحن نثير باستمرار مجموعة من القضايا المهمة التي نطلب فيها من الإسرائيليين اتخاذ إجراء، لكننا لا نعلق أي عواقب على الإطلاق"، كما قال أحد موظفي وزارة الخارجية المحبطين لمجلة "بوليتيكو".