الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تتأثر دول جوار مناطق النزاعات في المنطقة العربية؟

  • مشاركة :
post-title
تأثير نزاعات المنطقة على دول الجوار- صورة تعبيرية

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

أوضح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، أن 230 ألف شخص في الدول المحيطة بمنطقة الحرب بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، سوف يقعون في براثن الفقر؛ بسبب تكلفة الحرب المرتفعة، بعد ما أشار في تقريره، الصدار أخيرًا، إلى أن إجمالي الناتج المحلي المفقود قد يصل في هذه البلدان إلى 10.3 مليار دولار؛ أي 2.3%، وهو ما يعكس التأثير السلبي الكبير على دول المنطقة؛ نتيجة النزاعات والصراعات.

في هذا السياق، تُثار عدة تساؤلات، أهمها: ما الأخطار والتداعيات الاقتصادية للنزاعات الحالية في المنطقة العربية على دول جوار مناطق النزاعات؟.. وإلى أي مدى يمكن أن تتنتقل هذه التداعيات والأخطار إلى ما هو أبعد من دول الجوار لمناطق النزاعات؟.. وكيف يتعامل المجتمع الدولي وتلك الدول مع تلك الأخطار والتداعيات؟.

أسباب متنوعة:

يؤدي ارتفاع حالة عدم اليقين بشأن مسار الصراع إلى تآكل ثقة المستهلكين والشركات، ما قد يؤدي إلى انخفاض الإنفاق والاستثمار في المنطقة. ووفقًا لرؤية صندوق النقد الدولي (أنه في غياب وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وحتى لو ظل الصراع تحت السيطرة) فإن عدم اليقين يمكن أن يؤثر على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وإذا كان التأثير محدودًا حتى الآن، فقد يتدهور النمو في المنطقة إذا بدأ التردد في التأثير على قرارات الاستثمار.

من ناحية أخرى، قد تكشف النزاعات عن نقاط الضعف الأساسية في اقتصادات دول الجوار المتأثرة بها، ما يؤدي إلى تفاقم المخاطر السلبية التي تهدد الآفاق المستقبلية فيها، وبالتالي ارتفاع المخاطر وارتفاع تكاليف الاقتراض، وهو ما قد يؤثر بسرعة على الاقتصادات المثقلة بالديون.

تداعيات محتملة:

تتعدد آثار النزاعات والأزمات الحالية في المنطقة العربية لتشمل التغيرات في أسعار النفط، وتدفقات اللاجئين، والضغوط على الدين العام، والسياحة والتجارة وغيرها. ويجب مراقبة وتتبع تطور هذه الآثار بحرص؛ إذ تظل مكامن للمخاطر وإن لم تظهر آثارها بشكل كامل بعد في الوقت الحالي. فإذا كانت البلاد العربية تواجه بالفعل تحديات اقتصادية كبيرة بسبب تأثيرات كوفيد-19 ومجموعة الأزمات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك تلك التي جلبتها الحرب في أوكرانيا، فيجب عدم إغفال أن التأثيرات المترتبة على الحرب في غزة في التجارة والسياحة وسبل العيش، تفاقم من مواطن الضعف القائمة وتقوّض المكاسب المتواضعة التي عملت تلك البلاد المجاورة جاهدة لتحقيقها، في رحلتها للتعافي وإعادة اقتصاداتها إلى المسار الصحيح. وقد نتج عن هذه التغيرات والآثار، العديد من المخاطر والخسائر التي يأتي في مقدمتها ما يلي:

(*) زيادة مخاطر على اقتصاديات دول الجوار: فقد حذّرت وكالتا "فيتش" و"ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني، في تقريرين منفصلين، منتصف يناير الماضي، من أن التداعيات الأوسع للصراع في غزة تزيد من المخاطر التي تواجه الدول المجاورة، وكذلك من تأثيرات هجمات البحر الأحمر على بعض الدول في المنطقة، خصوصًا مصر.

وقالت وكالة "فيتش" إن الحرب طويلة الأمد في غزة، وما يرتبط بها من انتشار الصراع إلى المناطق المجاورة، يزيدان من المخاطر التي تواجه الدول في المنطقة، خصوصًا مصر. وأضافت أن تدخل حركة الحوثي اليمنية سلّط الضوء أيضًا على إمكانية تطور تداعيات الصراع في غزة بطرق يصعب التنبؤ بها، وما يؤكد ذلك تدهور المؤشرات الاقتصادية الكلية للدول المجاورة للنزاعات في المنطقة، ففي الأردن ارتفع معدل التضخم الشهري إلى 1.64% في ديسمبر 2023 مُقارنة بـ1.17% في يونيو 2023، بينما ارتفع على أساس سنوي بنسبة 4.99% في نوفمبر 2023، وفي لبنان يزداد تأزم الظروف الاقتصادية، فقد تراجعت الليرة اللبنانية إلى مستوى 100 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد في السوق الموازية، فمن هنا يُمكن القول إن هذه الدول ستزداد معاناتها الاقتصادية من جراء النزاعات المحيطة بها.

(*) انخفاض عائدات السياحة: تُعاني البلدان المجاورة، مثل مصر والأردن ولبنان، بالفعل من أصداء اقتصادية، فوسط مخاوف بشأن خطر التصعيد، ألغى السياح سفرهم إلى بعض دول المنطقة، ما أدى إلى ضرب شريان الحياة لهذه الاقتصادات. ووفقًا لصندوق النقد الدولي تشكل السياحة ما بين 35% إلى ما يقرب من 50% من صادرات السلع والخدمات في هذه الاقتصادات في عام 2019، إذ تعد مصدرًا بالغ الأهمية للنقد الأجنبي وفرص العمل. وتشهد الاقتصادات المعتمدة على السياحة في الشرق الأوسط، مثل لبنان، تأثيرات غير مباشرة على النمو، إذ انخفضت معدلات إشغال الفنادق بنسبة 45 نقطة مئوية في أكتوبر مقارنة بالعام الماضي، وفقًا للصندوق، وفي الأردن انخفض عدد السائحين الوافدين إلى 563 ألفًا وعشرين سائحا في نوفمبر 2023، مُقارنة بـ737 ألفًا وعشرين سائحًا في أكتوبر الماضي، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على عائدات السياحة في هذا البلد.

(*) تداعيات اجتماعية: كشفت نتائج أولية لدراسة تقييمية جديدة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، أن التنمية البشرية في مصر ولبنان والأردن من المتوقع أن تتراجع بسبب الحرب على غزة. وتشير التقديرات الأولية إلى أنه في حالة استمرار الحرب على غزة لمدة ثلاثة أشهر، فإن 230 ألف شخص إضافي سوف يقعون في براثن الفقر في كل من مصر والأردن ولبنان، وذلك بسبب تكلفة الحرب من حيث الفاقد في إجمالي الناتج المحلي، الذي قد يصل لنحو 10.3 مليار دولار.

ويقدّر معدو هذه الدراسة أنه إذا امتدت هذه الحرب لأكثر من ثلاثة أشهر - على النحو الذي وصلت إليه في تلك الفترة، البالغة 119 يومًا- فإن الآثار الاجتماعية والاقتصادية على البلدان المجاورة ستتعاظم. إذ تتوقع تقديرات الحد الأعلى أن امتداد الحرب بما يتجاوز ثلاثة أشهر من شأنه أن يدفع أكثر من نصف مليون شخص للوقوع في براثن الفقر وأن يصل إجمالي خسائر الناتج المحلي الإجمالي إلى 18 مليار دولار للدول الثلاثة مجتمعة في عام 2024.

(*) تداعيات متابينة: يتابين تأثر دول الجوار بالنزاع نفسه؛ فتأثر كل من مصر والأردن (الجارن الأقرب لفلسطين) بالحرب على غزة ليس بالقدر أو الكيفية نفسها، وهذا يرجع لاختلاف الإمكانيات والمحددات، بل والجغرافيا الاقتصادية في كلا الدولتين. لفتت "فيتش" إلى أن الشركاء الأجانب قد يكونوا على استعداد لزيادة الدعم لمصر استجابة للتداعيات المرتبطة بالصراع، وقد يتم توسيع برنامج صندوق النقد الدولي الخاص بها. بينما أكدت أنها لا تتوقع أن تتأثر إمدادات الطاقة والمياه والغذاء في الأردن بشكل كبير بسبب الوضع في البحر الأحمر، مشيرة إلى أنها تتوقع أن يظل وضع التمويل الخارجي والأرصدة الخارجية للأردن متسقًا مع تصنيفه الائتماني الأخير.

أما وكالة "ستاندرد آند بورز جلوبال" للتصنيف الائتماني، فأوضحت الأسبوع الماضي أن تأثر حركة المرور بقناة السويس بسبب الهجمات على سفن بالبحر الأحمر يفاقم من نقص النقد الأجنبي في مصر، إذ تساهم رسوم المرور عبر قناة السويس بنحو 8% من إيرادات الحكومة المصرية، وتوفر حصة كبيرة من عائدات البلاد من العملات الأجنبية. ويفسر ذلك طلب مصر تمديد برنامج قرض صندوق النقد الدولي عامين إضافيين لتحصل على آخر دفعة في سبتمبر 2028، وذلك تزامنًا مع طلبها رفع قيمة التمويل من ثلاثة مليارات إلى سبعة مليارات دولار. إضافة إلى طلب الفريق الحكومي المصري، الذي يتولى التفاوض مع بعثة صندوق النقد الدولي، إعادة ترتيب أولويات برنامج الإصلاح الاقتصادي المبرم مع الصندوق.

آليات المواجهة:

قد تمتد التداعيات والآثار الاقتصادية للنزاعات إلى ما هو أبعد من دول جوار مناطق هذه النزاعات في الإقليم نفسه. فطبقًا لصندوق النقد، فإن تفاقم الصراع في غزة، يمكن أن يكون نقطة تحول للمنطقة، وستكون التداعيات بعيدة المدى، وسرعان ما تنتشر إلى ما هو أبعد من دول الجوار المباشرين إلى اقتصادات مثل العراق وإيران وسوريا واليمن. فكلما طال أمد الصراع، زاد تأثيره على السياحة والتجارة والاستثمار، ومن الممكن أن تزداد تدفقات اللاجئين بشكل كبير، ما يزيد من الضغوط الاجتماعية والمالية في البلدان التي تستقبلهم، وربما يتسبب في مزيد من الضعف طويل الأمد.

وبحسب الصندوق فإنه يتعاون مع المنطقة لمساعدة البلدان على التخفيف من تأثير التداعيات السلبية، ويمكن للبلدان التي تشارك في برامج يدعمها الصندوق مثل مصر والأردن وموريتانيا والمغرب أن تستخدم هذه البرامج لترسيخ سياسات جيدة. فيتعاون موظفو الصندوق مع السلطات في مصر للمضي قدمًا في مراجعات البرنامج. هذا إضافة إلى الاتفاق الأخير على مستوى الموظفين بشأن البرنامج الذي يدعمه الصندوق في الأردن، الذي يجري تنفيذه منذ منتصف عام 2023، ما يمهّد الطريق لاستمرار توفير المساعدة ضد العاصفة الحالية، كما أن ترتيب خط الائتمان المرن في المغرب، الذي يعكس أساسياته وإعدادات سياساته القوية للغاية، يعمل أيضًا كحاجز ضد الصدمات المعاكسة، وفقًا للصندوق.

في النهاية، يمكن القول إنه إذا توسعت الحرب في نطاقها الجغرافي، فإن تأثيراتها ستتصاعد وستتعمق آثارها بشكل أكثر وضوحًا. لذلك يتعين اتخاذ تدابير عاجلة لبناء قدرات البلدان المجاورة المتأثرة على مواجهة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للنزاعات الإقليمية والدولية. وعلى أن تكون أولوية المجتمع الدولي اتخاذ جميع التدابير اللازمة لإنهاء النزاعات بل والتعامل مع مسبباتها بشكل دائم بما يجنب الأجيال القادمة ويلات تداعيات هذه النزاعات.