الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

شراكات مرتقبة.. كيف تنعكس فعاليات القمة العربية الصينية على العلاقات بين أطرافها؟

  • مشاركة :
post-title
شراكات مرتقبة بين العرب والصين

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

يعكس انعقاد القمة العربية الصينية الأولى، غدًا التاسع من ديسمبر 2022 بالرياض، مدى تعزيز التعاون الاستراتيجي العربي الصيني، خاصة في ظل مشاركة الرئيس الصيني شي جين بينج في فعالياتها، وإدراكه لمحورية المنطقة العربية في التنافس الدولي على مناطق النفوذ والتأثير في أقاليم العالم المختلفة.

ومن منطلق، حرص المنظومة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الحفاظ على الوضع القائم فيما يتعلق بالعلاقات العربية- الغربية، منذ انعقاد القمة العربية الأمريكية بالسعودية يوليو 2022 والتي سبق وأن شارك رئيسها جو بايدن، نطرح هذا التساؤل، وهو: ما حدود تأثير القمة العربية الصينية على ترجيح العلاقات العربية بغيرها من الأقاليم المتنافسة، خاصة بعد الاستقبال الكبير للرئيس الصيني من المملكة العربية السعودية، وما هي تحديات القمم العربية الصينية في هذا التوقيت؟

أهمية متزايدة:

يكتسب انعقاد القمة العربية الصينية فى نسختها الأولى أهميته في هذا التوقيت لعدة أسباب أولها، أنها تشكل ترفيعًا للعلاقات المؤسسية ما بين الدول العربية والصين منذ انطلاق المنتدى العربي الصيني في 2004، وهو الإطار المؤسسي الذي أسهم في تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الجانبين، وكان من ضمن توصيات المنتدى في نسخته التاسعة التي عُقدت في 2021، هي عقد قمة عربية صينية. ثانيها أنها بمثابة القمة الأولى ما بين العرب والصين، التي تعقد في المنطقة العربية، وتأتي تجسيدًا للشراكة الاستراتيجية العربية الصينية، فقد أصبحت الصين منذ عام 2020 الشريك التجاري الأول لمعظم الاقتصادات الكبرى، ويأتي ذلك بعد أن ارتفع نصيب الصين من الاقتصاد العالمي إلى 18,5 % عام 2021، وأصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية بناتج محلى إجمالي 17,7 تريليون دولار، كما بلغ احتياطي النقد الأجنبي 3.1 تريليون دولار وهو الأكبر في العالم. وثالثها أن انعقاد القمة يأتي عقب إعادة انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينج في أكتوبر 2022 أمينًا عامًا للحزب الشيوعي، مما يرسخ موقعه كأقوى حاكم للصين منذ ماوتسي تونج، وانتخابه أيضًا رئيسًا للجنة العسكرية المركزية للحزب، بما يمهد الطريق لإعادة انتخابه لولاية ثالثة في مارس 2023.

آفاق التعاون:

تتنوع آفاق التعاون ما بين الدول العربية والصين، والتي ترتكز على العديد من المقومات، التى تشكل ركائز للشراكة الاستراتيجية، ونشير إلى أبرزها في التالي:

(*) مبادرة الحزام والطريق: تشكل مبادرة الحزام والطريق الإطار المرجعي لرؤية الصين لذاتها ورؤيتها لدورها العالمي، فقد أطلقت الصين تلك المبادرة منذ عام 2013. بهدف إحياء طريق الحرير القديم لخلق نوع من الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الصين وأقاليم العالم المختلفة. ووفقًا لبيانات وزارة التجارة الصينية في فبراير 2022 وقعت الصين 205 وثائق تعاون بشأن بناء الحزام والطريق مع 171 دولة ومنطقة في العالم، كما بلغت قيمة التجارة بين الصين والدول الواقعة على طول الحزام والطريق ما يقرب من 1.35 تريليون دولار في عام 2020 والتي شكلت 29.1 في المائة من إجمالي قيمة التجارة الخارجية الصينية. يُذكر أن الأذرع المالية للمبادرة، تشكلت من مؤسسات مالية متعددة منها صندوق الحرير برأسمال 50 مليار دولار، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية برأسمال 100 مليار دولار.

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الصيني في الديوان الملكي

(*) التعاون الاقتصادي: يعد التعاون الاقتصادي العربي محور الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، حيت وصل التبادل التجاري الصيني العربي في عام 2021 ما يقرب من 330 مليار دولار أمريكي، مقابل 36.7 مليار دولار في عام 2004. كما تنامت الاستثمارات الصينية في الدول العربية، والتي بلغت خلال الفترة من 2005 حتى 2021 ما يقرب من 213.9 مليار دولار. وجاء ترتيب الدول العربية من حيث حجم الاستثمارات الصينية في نفس الفترة، كالتالي: السعودية في المرتبة الأولي 43.5 مليار دولار، بنسبة 21 في المائة من الاستثمارات الصينية في المنطقة العربية، والإمارات في المرتبة الثانية باستثمارات 36.2 مليار بنسبة 17 في المائة، والعراق في المرتبة الثالثة باستثمارات 30,1 مليار دولار بنسبة 14 في المائة، ومصر في المرتبة الرابعة باستثمارات تقدر بـ 25.8 مليار دولار بنسبة 12 في المائة، فيما جاءت الجزائر في المرتبة الخامسة باستثمارات 25.7 وبنسبة 12 في المائة من الاستثمارات الصينية في المنطقة العربية. وتتنوع تلك الاستثمارات في العديد من القطاعات أبرزها: النفط والغاز حيث يمد العرب الصين بـ 50 في المائة من احتياجاتها من النفط والغاز، والبنية التحتية والمناطق الصناعية، والخدمات اللوجيستية، والطاقة الكهربائية، والنقل والمواصلات، والموانئ البحرية.

(*) التعاون التكنولوجي: يمثل التعاون التكنولوجي العربي الصيني أحد ركائز الشراكة الاستراتيجية، حيث قامت الشركات الصينية العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة بتنفيذ العديد من المشروعات في عدد من الدول العربية يأتي في مقدمتها الحدائق الصناعية بالمناطق الاقتصادية المنتشرة في عدة دول منها مصر(منطقة السويس) والسعودية (نيوم) والإمارات (منطقة خليفة).كما شهدت التجارة الإلكترونية رواجًا بين الجانبين فوفقًا لتقرير صادر عن شركة كيرني ميدل إيست للاستشارات العالمية فإنها تتوقع أن يرتفع إجمالي مبيعات التجارة الإلكترونية في دول الخليج إلى 29 مليار دولار بما يعزز من فرص التعاون الصيني العربي في الاقتصاد الرقمي.

(*) التبادل الثقافي: يتوافق العرب والصينيون على أهمية التعددية والتنوع الحضاري والتعايش بين الثقافات والشعوب دون اللجوء لفرض نموذج قيمي محدد أو ما يسمى بالتنميط الثقافي. لذلك اتجه الجانبان لرفض مقولات صراع الحضارات والتفوق الحضاري، وتبني الدعوة إلى تعزيز التعاون في مجالات الأديان والثقافة والتعليم، وهو ما تجسد في إنشاء العديد من الجامعات الصينية في عدد من الدول العربية، وزيادة الأقسام المتخصصة لتعليم اللغة الصينية في الجامعات العربية، وقدمت الصين منذ 2013 وحتى 2022 ما يقرب من 11 ألف منحة دراسية حكومية للطلاب العرب، وتجاوز عدد الطلاب الوافدين العرب إلى الصين 20 ألف طالب كل عام دراسي، فضلاً عن افتتاح العديد من معاهد كونفوشيوس المعنية بنشر الثقافة الصينية ومبادئها. في حين اهتمت الصين بإيفاد عدد من طلابها إلى الجامعات العربية لتعلم اللغة العربية وافتتاح أقسام بعدد من الجامعات الصينية لتعلم اللغة العربية وآدابها.

الرئيسين الأمريكي والصيني
تحديات متعددة:

تتمثل أبرز التحديات التي تواجه الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين في العناصر التالية:

(&) تصاعد التنافس الدولي: يشكل إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، بأن الصين هي منافسها الاستراتيجي الأول في العالم تصاعدًا للتنافس الدولي في أقاليم العالم المختلفة، وفى مقدمة تلك الأقاليم المنطقة العربية التي تزداد فيها مصالح القوى الكبرى في ظل ما تمتلكه من مصادر معتبرة للطاقة التي تعد محركًا رئيسيًا للتنمية. وباعتبارها أيضًا سوقًا واعدة لمنتجات الدول الكبرى بكافة أنواعها، حيث يبلغ عدد سكانها 415 مليون نسمة. لذلك وعلى عكس ما يتردد في الحد من انخراط الولايات المتحدة الأمريكية في قضايا المنطقة والتوجه شرقًا في إطار استراتيجيتها لمحاصرة التمدد الصيني، فإن المنطقة لازالت تشهد وجودًا أمريكيًا في العديد من الملفات، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية وإن كان بمعايير مزدوجة، وقضايا دول الصراعات العربية في سوريا وليبيا واليمن، كما أن لديها مبعوثين دوليين في ملفات المنطقة المختلفة، فضلًا عن قيادتها للتحالف الدولي لمواجهة تنظيم "داعش" ونجاحها في تصفية قياداته وقيادات تنظيم القاعدة أيضا.

(&) محدودية الانخراط الصيني في الأزمات العربية: على الرغم من تبنى الصين لعلاقات الشراكة الاستراتيجية مع عدد من الدول العربية، إلا أن الانخراط الصيني في التعامل مع أزمات دول الصراعات العربية، لازال دون المأمول لاسيما وأنها تدرك التكلفة السياسية لمواجهة تلك الأزمات، وبالتالي يأتي التركيز على تعزيز البعد الاقتصادي في علاقاتها بدول المنطقة العربية.

(&) الصراع القيمى بين النماذج التنموية: لكل نموذج تنموي منظومة قيمية تسهم في الترويج لذلك النموذج على مستوى الدول التي تسعى للاسترشاد بتلك التجربة على المستوى العالمي. وتقدم الصين منظومة قيمية تختلف بشكل جذري عن تلك المنظومة التي تطرحها الولايات المتحدة الأمريكية القائمة على التعددية والحرية. فالطرح الصيني يقوم على فكرة الجدارة السياسية في الحكم وكيفية اختيار النخبة، والتي تقوم على مبدأ الحكم من قبل رجال شرفاء عليهم العمل لصالح الجماعة واكتساب ثقة الشعب تدريجيًا عبر رحلة طويلة من تعلم الحكمة والفضيلة. كما يتبنى تيار معتبر في الصين في مقدمتهم المتحدث باسم المكتب الإعلامي لمجلس الدولة، بأن الديمقراطية الجيدة هي التي تحكم بشكل جيد وتدفع باتجاه التنمية، معتبرًا أن ديمقراطية الولايات المتحدة تحاول قمع واحتواء البلدان التي لديها نموذج تنموي مختلف، مستشهدًا بأن ديمقراطية الصين نجحت في القضاء على الفقر المدقع في الصين في إنجاز تاريخي، فقد أنشأت الصين أكبر نظام للضمان الاجتماعي ليغطي أكثر من 1.3 مليار مواطن، كما نجحت في خلق أكثر من 10 ملايين وظيفة جديدة كل عام لمدة خمسة عشر عامًا متتالية. وإذا كان وصف الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن للديمقراطية بشكل بسيط بأنها حكومة الشعب من قبل الشعب من أجل الشعب، فإلى أي من النموذجين ستستلهم المنطقة العربية تجاربها التنموية؟

مجمل القول؛ إن القمة العربية الصينية الأولى تشكل نقلة نوعية في مسار العمل المؤسسي العربي الصيني لاسيما في ظل توافق الجانبين على بلورة رؤى مشتركة تقوم على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شئونها الداخلية، وتعزيز الشراكة الاقتصادية في مجالات البنية التحتية والطاقة والأمن الغذائي والصحة والتنمية الخضراء وتأهيل الشباب، وهو ما يعزز من أهمية التوجه العربي للاستفادة من التجربة التنموية الصينية التي قامت على المشروعات كثيفة العمالة، ومحورية المشروعات الصغيرة والمتوسطة. الأمر الذي يتطلب من الجانب الصيني دعم توطين التكنولوجيا المتقدمة في الدول العربية، وزيادة الانخراط في تسوية أزمات دول الصراعات العربية في ظل اتجاه تفاعلات الإقليم نحو التهدئة واستعادة الاستقرار الإقليمي، وبما يسهم في خلق تضامن عربي صيني للانخراط في ترتيبات بناء نظام عالمي جديد يبدو أنه سيكون ثنائي القطبية.