الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المساعدة والتعاون.. ألمانيا تسعى للنفوذ في الساحل الإفريقي

  • مشاركة :
post-title
آخر فرقة ألمانية ضمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تغادر مالي - ديسمبر 2023

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

رغم أن منطقة الساحل الإفريقي تعتبر موقعًا استراتيجيًا بالنسبة لدولة ألمانيا، التي ظلت لفترة طويلة لاعبًا مهمًا في جهود تحقيق الاستقرار والتنمية بالمنطقة الناطقة بالفرنسية إلى حد كبير، لكن لم تسر الأمور كما كان متوقعًا بالنسبة لبرلين في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

ومع ذلك، تحتاج ألمانيا إلى موازنة نفوذ روسيا المتزايد في منطقة الساحل، بعد أن أجبرت الأنظمة الجديدة في هذه الدول فرنسا إلى التراجع.

وقالت أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، العام الماضي: "سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن كل ما يحدث في منطقة الساحل له أهمية كبيرة بالنسبة لنا جميعًا"، مشيرة إلى أهمية المنطقة بالنسبة لبرلين، التي تولت في يوليو 2023، الرئاسة الدورية لمدة عام لـ "تحالف الساحل"، وهو هيئة تنموية رئيسية بالمنطقة.

وهذا التحالف تأسس عام 2017، لمساعدة بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر - المعروفة باسم مجموعة الساحل الخمس - في كفاحها ضد الفقر والإرهاب.

ميل روسي

وشهدت مالي اضطرابات، منذ مايو 2021، أدت إلى تحول المجلس الحاكم بشكل متزايد نحو موسكو للحصول على المساعدة والتعاون، بدلًا من الاعتماد على الشركاء الأوروبيين مثل ألمانيا.

وفي نهاية عام 2023، أجبر المجلس الحاكم في مالي، فرنسا - القوة الاستعمارية السابقة - على مغادرة البلاد، إلى جانب جميع أفراد بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة "مينوسما".

وبينما شوهد مقاتلي "فاجنر" الروس يقفون جنبًا إلى جنب مع الجيش المالي، ويقاتلون ضد المتطرفين الإسلاميين والانفصاليين في الدولة الواقعة بغرب إفريقيا، كانت آخر مجموعة من جنود الجيش الألماني يعودون إلى وطنهم بعد أكثر من 10 سنوات قضوها هناك.

وفي أعقاب التصعيد بمالي، حوّلت ألمانيا تركيزها إلى العمل مع شريك جديد في منطقة الساحل، وهو النيجر.

وفي مايو 2023، أشار بوريس بيستوريوس، وزير الدفاع الألماني، إلى النيجر باعتبارها "شريكًا موثوقًا به"، وهي الكلمات التي "سرعان ما ندم عليها"، لأنه بعد شهرين فقط، حدثت اضطرابات مماثلة في النيجر.

واستجابة للتطورات غير المتوقعة، قامت ألمانيا إلى جانب القوى الغربية الأخرى بتجميد مدفوعات مساعداتها للنيجر.

وفي ديسمبر، أعلنت السلطات النيجيرية انتهاء مهمة الاتحاد الأوروبي العسكرية والمدنية في البلاد، وفي اليوم نفسه، رحب زعيم المجلس الحاكم، عبدالرحمن تياني، بشركاء عسكريين روس، لرسم الطريق نحو التعاون المستقبلي.

وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس ووزيرة المساعدات التنموية سفينيا شولز في الساحل الإفريقي - أبريل 2023
دعم الساحل الإفريقي

في مايو 2023، أكد بوريس بيستوريوس، وزير الدفاع الألماني، أنه بعد انسحاب القوات الألمانية من بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي، ستستمر برلين في تدريب قوات العمليات الخاصة بالنيجر.

وقالت "بيربوك": "عندما تفشل دول منطقة الساحل، نشعر بالصدمات هنا في أوروبا أيضًا، ولهذا السبب يجب علينا أن نستمر في دعم المنطقة من خلال تقديم المساعدة المدنية والعسكرية".

وأكدت سفينيا شولز، وزيرة التنمية، أنه في إطار إعادة تنظيم مشاركتها في منطقة الساحل الإفريقي، تركز الحكومة الألمانية على تدابير تحقيق الاستقرار المدني، ومعالجة أسباب الأزمات وتقديم المساعدة الإنسانية.

وأضافت: "ستواصل ألمانيا تقديم الدعم العسكري لشركاء موثوقين، مثل النيجر، سواء على المستوى الثنائي أو في إطار الاتحاد الأوروبي، وتسعى الحكومة الاتحادية أيضًا إلى تعزيز النهج الإقليمي، على سبيل المثال من خلال الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، التي تهدف إلى جعل المنطقة نفسها تتولى مسؤولية أكبر في قطاع الأمن".

ووفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، أسهمت ألمانيا في بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار بمالي، بما يصل إلى 1100 جندي و20 ضابط شرطة، الذي مثّل أكبر انتشار للجيش الألماني في الخارج من خلال الأمم المتحدة.

كما وفرت برلين، في السابق، ما يصل إلى 450 عسكريًا لتزويد القوات المسلحة المالية بالتدريب والمشورة، أسهموا في تدريب نحو 14 ألف جندي مالي حتى عام 2021.

أيضًا، دعمت ألمانيا عملية بناء الشرطة المالية في عامي 2012 و2014.

كما ضاعفت ألمانيا مساهمتها السنوية في المساعدات الإنسانية إلى ما يقرب من 50 مليون يورو في عام 2020، وعملت أيضًا على تأمين الدعم الدولي، وساعدت في تنظيم مؤتمر، أكتوبر 2020، إذ تعهد وزير الخارجية الألماني وقتها بمبلغ 100 مليون يورو للفترة 2020-2023.

وفي الوقت نفسه، تعهدت برلين بما يزيد على 1.3 مليار يورو للتعاون التنموي منذ عام 2016.

استراتيجية برلين

وقال مالتي لييرل، الباحث في المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق "GIGA" في هامبورج: "لقد فشلت الاستراتيجية الأمنية الأولية لأوروبا في منطقة الساحل".

ومع ذلك، أكد "لييرل" أن الوضع الحالي "ليس وضع انسحاب كامل، بل هو توجه جديد للمشاركة الأوروبية في المنطقة".

وأضاف أن سياسة ألمانيا الأحدث "اعتمدت أكثر مما ينبغي على الشراكات مع أنواع الحكومات، التي لا تتمتع بدعم واسع النطاق من مواطنيها".

وقال إن هذا يجب أن يكون درسًا لسياسة ألمانيا الخارجية المستقبلية في المنطقة، والتأكد مسبقًا من أن أهدافها السياسية في منطقة الساحل تحظى أيضًا بدعم المجتمعات المحلية.

وأضاف: "هذا يعني أيضًا أنه سيتعين على ألمانيا تبرير دوافعها لهذه السياسات، الأمر الذي سيتطلب درجة معينة من قبول الانتقادات غير المقصودة".

ولفت إلى أنه "في الماضي، لم يكن هذا هو الحال".

وقال جوليان بيرجمان، خبير العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا في المعهد الألماني للتنمية والاستدامة "IDOS" في بون، إن إحدى طرق تحديد هذا الاتجاه الجديد يمكن أن تكون من خلال تحويل التركيز، بعيدًا عن التعاون مع الحكومات وبدلًا من ذلك خدمة الناس بشكل مباشر.

وأضاف: "منذ الستينيات، كان هذا هو أسلوب العمل الأساسي للتعاون التنموي الألماني في منطقة الساحل وخارجها، مع التركيز على التعامل مع الجهات الفاعلة المحلية والمجتمع المدني".

ووفقًا لبيرجمان، هناك مجال كبير لمواصلة هذا الأسلوب، مشيرًا إلى مشروعات المساعدات التي تخدم هدف خلق فرص العمل في الزراعة والبناء والبنية التحتية كأداة رئيسية لهذا النوع من السياسات، لإنشاء شبكات ضمان اجتماعي غير رسمية تخدم احتياجات الناس.

وقال: "لدينا بالفعل شركاء نعمل معهم بهذه الطريقة في المنطقة، ونعرف أيضًا كيفية تعزيز تلك العلاقات".

وأكد أنه يتعين على ألمانيا أن تحافظ على الحوار مع السلطات الحاكمة في هذه الدول، لأن مشاركتها في منطقة الساحل لا يمكن أن تكون ذات طبيعة مستدامة دون دعم من هم في السلطة.

ولفت إلى هذا المبدأ على أنه "أساليب عملية للتعاون"، تتميز بأنها تخدم مصالح جميع الأطراف في المنطقة.