الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بعيدا عن الخطوط الأمامية.. روسيا تعزز غزوها الهادئ لأوكرانيا

  • مشاركة :
post-title
مؤيدون للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دونيتسك يناير 2024

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

بينما يستمر الغرب في الخلاف حول تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا، تعمل روسيا بهدوء على تعزيز سيطرتها على الأراضي التي تحتلها في جنوب شرق أوكرانيا.

ومع استمرار عمليات الكر والفر، يستقر خط المواجهة جاعلًا روسيا تسيطر على ما يقرب من 18% من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك نحو 25 ألف ميل مربع من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها منذ فبراير 2022.

وبخلاف العمليات العسكرية، تشارك جميع فروع الحكومة الروسية في برنامج مكلف وطموح لدمج هذه المناطق المحتلة حديثًا.

ويسعى الكرملين إلى خلق حقائق على الأرض سيكون من الصعب على أوكرانيا تحديها، سواء بالقوة العسكرية، أو في محادثات السلام المستقبلية، كما يشير ديفيد لويس، أستاذ السياسة الدولية في جامعة "إكستر".

تحت علم روسيا

في سبتمبر 2022، احتفلت روسيا بضم أربع مناطق أوكرانية - دونيتسك ولوهانسك في شرق البلاد وزابوريجيا وخيرسون في الجنوب - على الرغم من أن جيشها لا يسيطر بشكل كامل على أي من هذه المقاطعات.

ومنذ ذلك الحين، غيَر المسؤولون الروس أسلوب حكم المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وأجروا انتخابات في سبتمبر الماضي، وعينوا مسؤولين موالين لموسكو على كل المستويات.

والآن، يشرف جيش من المسؤولين الروس على الاستحواذ الكامل على هذه المناطق، ومواءمة قوانينها وأنظمتها الضريبية والمصرفية مع روسيا.

وتعيش هذه المناطق الأربع فترة انتقالية اسمية حتى يناير 2026، وبحلول ذلك الوقت يتوقع الكرملين أن تكون الأنظمة القانونية والقضائية والسياسية الروسية سارية بالكامل، فيما يطلق عليه "المناطق الجديدة"، والتخلص من أي آثار للعلاقات المؤسسية مع أوكرانيا.

ووفقًا للأرقام الروسية، فإن ما يقرب من 90% من السكان المتبقين في المناطق الأربع التي تم ضمها - نحو ثلاثة ملايين شخص - حصلوا الآن على جوازات سفر روسية.

وقال لويس: "هؤلاء ليس لديهم الكثير من الخيارات، فأنت بحاجة إلى جواز سفر روسي لفتح حساب مصرفي، أو إدارة مشروع تجاري، أو تلقي مدفوعات الرعاية الاجتماعية".

وأضاف: "كلما وصلت القوات الروسية إلى مدينة جديدة في أوكرانيا، استولت بسرعة على بث التلفزيون، أوقفوا البث الأوكراني وتحولوا إلى دعاية للكرملين".

حتى الآن، قليل من السكان المحليين يستطيعون تحمل الدعاية الروسية الصارخة، لذلك يبحثون عن بدائل عبر قنوات تطبيق تليجرام.

ويستخدم الجميع في الأراضي الأوكرانية المحتلة التطبيق، بما في ذلك المسؤولون الموالون لروسيا وأعضاء المقاومة الأوكرانية.

ولفت "لويس" إلى أنه "ساحة معركة في الحروب الدعائية، لكنها أيضًا آلية للبقاء على قيد الحياة للعالقين تحت الحكم الروسي".

وبينما تدير روسيا جميع شبكات الاتصالات والإنترنت في المناطق التي ضمتها، ما أدى إلى حجب العديد من المواقع الإخبارية الأوكرانية، يستخدم الناس شبكات خاصة افتراضية للالتفاف على الحواجز الروسية والوصول إلى المصادر الأوكرانية.

وفي المدارس، لا يستطيع الأطفال تجنب الدعاية، إذ يُجبرون على غناء النشيد الوطني الروسي كل أسبوع، كما تحولت بالكامل إلى استخدام المنهج الروسي، مع تقليص اللغة الأوكرانية إلى ثانية اختيارية.

ويتعلم التلاميذ الكبار من كتاب التاريخ الروسي الجديد، الذي يخبرهم أن أوكرانيا "يديرها النازيون الجدد"، وأن العملية العسكرية الخاصة التي نفذتها روسيا في أوكرانيا كانت بمثابة "رد فعل مبرر" على العدوان الغربي.

عدد من الأوكرانيين يفرون من مناطق سيطرت عليها روسيا - أرشيفية
المتعاونون

يترك العمل في أي مؤسسة أوكرانية تسيطر عليها روسيا، السكان عرضة للملاحقة القضائية بتهمة التعاون.

في مارس 2022 صدر قانون جديد في أوكرانيا، أقامت السلطات الأوكرانية بموجبه ما لا يقل عن 6000 قضية ضد المتعاونين المفترضين مع روسيا.

وتتراوح العقوبات المحتملة بين حظر التوظيف الحكومي في المستقبل وعقوبات السجن الطويلة ومصادرة الممتلكات.

ولفت أستاذ السياسة الأمريكية إلى أن القانون الأوكراني مثير للجدل "فهو يحدد التعاون على نطاق واسع، لدرجة أن العديد من أصحاب الأعمال، أو موظفي الحكومة المحلية يتعرضون لخطر الملاحقة القضائية بمجرد استعادة أوكرانيا لمدنهم ومجتمعاتهم".

ولأنه في كثير من الأحيان هربت شخصيات رفيعة المستوى مع تقدم القوات الأوكرانية، لذلك انتهى الأمر في المحكمة بالأغلبية من الإداريين أو المعلمين من المستوى المنخفض وغالبيتهم من النساء.

لذلك، عندما انسحبت القوات الروسية من خيرسون، نوفمبر 2022، غادر معها أيضًا آلاف الأوكرانيين - بما في ذلك العديد من المعلمين - بتشجيع من الدعاية الروسية التي تحذرهم من أنهم سيحاكمون بتهمة التعاون.

محو الذاكرة

في المدن الأوكرانية التي احتلتها مثل ميليتوبول أو ماريوبول، تعمل روسيا ببطء على محو كل ما يتعلق بأوكرانيا.

في الأسابيع الأولى من الحرب، دمرت القوات الروسية المعالم الأثرية التي أحيت ذكرى المجاعة التي سببها السوفييت - المعروفة باسم هولودومور - التي أودت بحياة الملايين من الأوكرانيين في ثلاثينيات القرن العشرين.

وفي ماريوبول تحولت "ساحة الحرية" مرة أخرى إلى "ساحة لينين".

وعاد شارع ميوتيدا - شارع مدمر يقع في قلب الحي اليوناني في المدينة - إلى اسمه السابق الغريب الذي يعود إلى الحقبة السوفيتية، وهو شارع "الذكرى الخمسين لثورة أكتوبر".

كما تم تغيير "شارع الجامعة" في ميليتوبول إلى "شارع داريا دوجينا"، الذي سمي على اسم الناشط والمحلل الروسي اليميني المتطرف الذي قُتل في انفجار سيارة مفخخة بموسكو، أغسطس 2022.

وتمتد الحرب إلى الثقافة، إذ اتبعت روسيا برنامجًا شاملًا يلعب على التوترات الموجودة مُسبقًا حول اللغة والسياسة.

وتعمل روسيا على توسيع شبكة دور السينما في المنطقة، ليس لفحص الدعاية العلنية، لكن لجذب الناس مرة أخرى إلى الثقافة الشعبية الروسية اليومية.