منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، أظهرت الصين موقفًا مؤيدًا وداعمًا للفلسطينيين، وهو ما تجلى بشكل واضح من خلال دعوتها لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وحل الدولتين، فضلًا عن عدم إدانتها لعملية "طوفان الأقصى" التي شنتها الفصائل الفلسطينية. وهو ما اعتبرته إسرائيل تقويضًا لأمنها القومي، واتهمت أيضًا بكين بدعم الإرهاب ومساندته.
دعم لا محدود
من وجهة نظهر صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، فإن دعم الصين لفلسطين يتمركز في عدة مواقف، أولها، تجاهل السلطات الصينية لحادث طعن تعرض له أحد الرعايا الإسرائيليين في بكين.
ثانيًا، أصبح حق العودة الفلسطيني موضوعًا ثابتًا في الاتصالات الصينية حول الحرب، حتى في خطابات الرئيس الصيني، شي جين بينج الذي قال أيضًا، إن أفعال إسرائيل في غزة كانت عدوانية للغاية.
ثالثًا، في خطوة نادرة، أجرى وزير الخارجية الصيني، وانج يي شخصيًا مناقشة في مجلس الأمن حول حرب غزة في نهاية نوفمبر الماضي، ووصف أفعال جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنها "عقاب جماعي". وطالب وزير الخارجية الصيني بإعطاء الأولوية لوقف إطلاق النار على المدى الطويل، محذرًا من أن النزاع في غزة قد يتصاعد إلى كارثة إقليمية. وشدد على أن حل النزاع هو هدف عالمي مشترك.
وكشف تقرير من صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن حملة مشتركة غير مسبوقة من قبل الصين وروسيا وإيران لدعم "الفصائل الفلسطينية". بالإضافة إلى ذلك، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الصين تستغل هذه الحملة المعادية لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي لتقويض الولايات المتحدة.
وتقول "يديعوت أحرنوت"، إن خيار الصين الحالي بدعم حق فلسطين في دولة مستقلة هو مكافأة للإرهاب الفلسطيني -بحسب وصف الصحيفة-، وتدخل سافر في شؤون إسرائيل الداخلية، وهو ما يعادل دعم إسرائيل لاستقلال تايوان.
الخيار الصعب
ورغم حالة الغضب الكبيرة التي تشعر بها إسرائيل - حكومة وشعبًا - من الصين، إلا أن العديد من خبراء الاقتصاد في تل أبيب حذروا من مخاطر الانفصال عن قوة عالمية مثل الصين، واصفين إياه بأنه أمر مستحيل عمليًا.
من ناحية أخرى، أكد أحد خبراء الاقتصاد الإسرائيلي، أن الصين "ستظل شريكًا تجاريًا مهمًا لنا، ولكن وسط تآكل افتراضاتنا الأمنية، يجب على إسرائيل أن تستيقظ من أوهامها بشأن الصين، قائلاً :"في أصعب ساعة بالنسبة لإسرائيل، أثبتت الصين أنها غير صديقة".
وتشارك الشركات الصينية بشكل كبير في مشروع السكك الحديدية الخفيفة في تل أبيب، وقد استحوذت شركة "برايت فود" الصينية على شركة "تنوفا" لصناعة الأغذية المحلية الكبرى منذ أكثر من عقد من الزمان.
وتقول الصحيفة الإسرائيلية، إن استحواذ الصين على أصول استراتيجية في إسرائيل هو نتيجة لسياسة متعمدة من قبل الحكومة الإسرائيلية بدأت في أوائل عام 2010. وقد تشكلت هذه السياسة بفعل عوامل مثل العلاقات المتوترة مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، وحركة المقاطعة والاعتراف بالأهمية المتزايدة للاقتصادات الناشئة، وخاصة الصين والهند، في الاقتصاد العالمي.
تجاهل التحذيرات
وجاء دخول الصين إلى السوق الإسرائيلية مصحوبًا بتحذيرات شديدة من كبار المسؤولين الأمنيين، وخاصة رئيس الشاباك السابق، نداف أرغمان، الذي قال في عام 2019، إن نفوذ بكين في تل أبيب يشكل تهديدًا للأمن القومي. ولكن تجاهلت الحكومة تحذيراته وسعت إلى تعزيز العلاقات مع الصين. حسبما نقلت "يديعوت أحرنوت".
وسلّط الدكتور عوفر إسرائيلي، المحاضر وزميل الأبحاث الأول في معهد السياسات والاستراتيجية بجامعة "رايخمان"، الضوء على المخاطر الأمنية، وشرح بالتفصيل كيف أن السيطرة الصينية على ميناء "حيفا" تقوّض علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، وحذّر من أن مثل هذه السيطرة تشكل تهديدًا استراتيجيًا وأمنيًا كبيرًا.
وحذّر شاؤول تشوريف، النائب السابق لقائد البحرية الإسرائيلية، في عدة مناسبات من الخطر الملموس المتمثل في سيطرة الصين على البنية التحتية الاستراتيجية مثل ميناء "حيفا". كما نبه إلى احتمال قيام الصينيين بدمج أجهزة تجسس في مشاريع البنية التحتية التي ينفذونها.