الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ضغوط متصاعدة.. ما دلالات رفع ميزانية الدفاع الروسية؟

  • مشاركة :
post-title
استعراض عسكري في موسكو

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

يزداد منسوب التوتر عالميًا مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية دون أفق واضح للحل، ففي موازاة تباطؤ العمليات العسكرية للجيشين، تُبرر الإجراءات العقابية المتبادلة بين روسيا والغرب استمرار التأزم في العلاقات وتراجع أمل وقف الحرب، ولعل أبرز تلك المؤشرات إعلان سيرجي شويجو، وزير الدفاع الروسي، في 30 نوفمبر 2022، زيادة مخصصات الدفاع في موازنة العام المقبل، مما سيؤثر حتمًا على مسار العمليات الجارية بأوكرانيا. يحاول التحليل التالي الإجابة على التساؤلين التاليين؛ ما دلالات رفع ميزانية الدفاع الروسية؟ وما انعكاساتها على الحرب؟

ضغوط متصاعدة:

تتباين التقديرات للزيادة المتوقعة في ميزانية الدفاع الروسية، باختلاف حجم المخصصات المرصودة خلال عام 2022، والتي كانت تقدر بنحو 3.85 تريليون روبل (63.6 مليار دولار)، في حين تشير بيانات صحيفة "فيدوموستي" الروسية، حسبما نقلت مجلة "نيوز وييك" الأمريكية، إلى حجم إنفاق فعلي حتى سبتمبر تجاوز 4.7 تريليون روبل "77 مليار دولار".

ويعد رفع ميزانية الدفاع الروسية بمعدل مرة ونصف إجراءًا تكميليًا لخطوات موسكو، في إعلان التعبئة الجزئية لنحو 300 ألف جندي إضافي في المعارك بشرق وجنوب أوكرانيا، بالتزامن مع زيادة الإنفاق الدفاعي لأغلب دول حلف شمال الأطلسي، مما تعتبره موسكو سلوكًا عدائيًا تجاهها، وفيما يلي مؤشرات ذلك التوجه وأسباب الإعلان عنه في هذا التوقيت:

(*) اتساع الحرب الاقتصادية: أقرت دول الاتحاد الأوروبي سقفًا لأسعار النفط الروسي المتداول عبر البحار بحد أقصى 60 دولارًا للبرميل، الذي أعلنت الدول السبع الصناعية الكبرى، دخوله حيز التنفيذ، 5 ديسمبر الجاري، مما سيؤثر على أهم الروافد المالية للاتحاد الروسي بهدف معلن من جانب القوى الغربية، وهو ضمان استمرار ضخ الطاقة المنتجة الروسية، مع تقليص المكاسب المالية الداعمة لاستمرار العملية العسكرية في أوكرانيا. سيدفع ذلك روسيا إما للقبول بذلك السقف وهو خيار غير مرجح، أو قطع شحناتها عن الدول المشاركة في العقوبات.

وفي ذلك معضلة أخرى، فالعقوبات في تلك الحالة مجرد "بالون اختبار" لإمكان التحكم في سوق الطاقة، بعيدًا عن آليات العرض والطلب التي يتبناها كبار المنتجين في تحالف أوبك بلس، بهدف إتاحة النفط بفئات سعرية محددة تقرها مجموعة السبع بصفة دورية، لكنها في المقابل ستحفز سياسة الإنتاج الروسية لاستدامة العائدات المرتفعة والتي ستقدر بنحو 100 مليار دولار سنويًا وفق سقف الأسعار المعلن حاليًا.

النفط الروسي

كما عادت إلى الواجهة مطالبات مصادرة الأصول الروسية المجمدة بالخارج، التي تتجاوز 319 مليار دولار، في إطار مقترح للمفوضية الأوروبية، أعلنته في 30 نوفمبر، ويهدف لإدارة تلك الأصول واستثمارها بهدف حرمان روسيا من تلك الأصول المجمدة وتحويل عائداتها كتعويضات لأوكرانيا.

والثابت أن روسيا حافظت على إنفاق دفاعي مرتفع في أكثر الأزمنة اضطرابًا لمستوى أعلى من 2.7 % من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو ما كشف عنه معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، في رسم بياني عن مستوى الإنفاق كنسبة من الناتج المحلي لأكبر جيوش العالم خلال ثلاثين عامًا، وفي اضطرابات ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

(*) إعادة بناء المخزونات: تتجه روسيا لإعادة بناء وتحديث قواتها العسكرية ورصد التمويل اللازم لخدمة العمليات الجارية في أوكرانيا، منها تعزيز ترسانتها من الصواريخ والطائرات المُسيّرة والمدافع ذاتية الحركة، في ظل اعتماد الجيش الروسي على أساليب قتال جديدة كما أشار وزير الدفاع سيرجي شويجو، مضيفًا أن بلاده ستعزز البنية التحتية لقواتها النووية، خلال العام المقبل.

ويلاحظ في المقابل ارتفاع النداءات لتسريع إيصال الأسلحة لأوكرانيا في ظل تناقص كبير في الأسلحة والذخائر، والمساعي الغربية لدعم كييف في إعاقة أي هجوم روسي كبير، عقب استكمال تجميع قوات التعبئة على الجبهات.

وسيختلف سياق المواجهة في ظل سباق تسلح وبيئات إقليمية عدائية في شرق أوروبا، مع ارتفاع موازنات الدفاع لدول المواجهة من أعضاء حلف الناتو ودخول دول الجوار التي كانت أقرب إلى الحياد على الخط بقرب فنلندا والسويد للحلف، ومن ثم ستمتلك موسكو يدًا عليا في ذلك السباق.

(*) معارك انتقامية: رافق زيادة ميزانية الدفاع ارتفاع ميزانية الأمن الداخلي من مستوى 2.9 تريليون روبل في موازنة 2022، إلى 4.2 تريليون روبل وهو انعكاس لطبيعة التهديدات التي تواجهها في الداخل الروسي أو في الأقاليم التي تسيطر عليها منذ انطلاق الحرب، وأكثرها إيلامًا تفجير جسر كيرش الرابط بين البر الروسي وشبه جزيرة القرم، بجانب أعمال التخريب والممارسات الانتقامية التي سادت المواجهات الروسية الأوكرانية، وتبادلت موسكو والعواصم الغربية الاتهامات بشأنها، مثل تفجير خطي نورد ستريم، والطرود المفخخة في مدريد، ومن ثم تفرض أعباءً إضافية على الموازنة الروسية.

وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو
كيف ينعكس على الحرب في أوكرانيا؟

أثبتت الحرب الروسية الأوكرانية أن موسكو في حالة بحث دائم عن حلول غير تقليدية في مواجهة العقوبات والمواقف الغربية ورفض تجحيم دورها كقوة كبرى طامحة لتعزيز نفوذها الدولي، لكن العقوبات الغربية في طريقها لتدمير الاقتصاد الروسي وإلحاق الهزيمة بروسيا مع اختلاف شروط الهزيمة، ستعزز نزوع الكرملين للخيارات الصعبة في مواجهة الضغوط، وهو ما يشير إلى التالي:

(*) تأهب لمواجهات أشرس: يشهد الموقف الميداني حالة تباطؤ في سير المعارك أكدت عليها أفريل هاينز، مدير المخابرات الوطنية الأمريكية، سوى في نقاط محدودة بإقليم دونباس، بجانب العمليات الانتقامية على البنية التحتية للطاقة، عقب انسحاب القوات الروسية في مقاطعة خيرسون الجنوبية إلى الضفة الشرقية لنهر دنيبرو، متخذة وضعًا دفاعيًا، بالتزامن مع الحديث عن استنزاف مخزونات أسلحة الجيشين الروسي والأوكراني، فمع حديث المخابرات الأوكرانية والبريطانية ووزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف، مؤخرًا عن النقص الحاد في مخزونات الصواريخ الروسية المتطورة من طراز "اسكندر" بلغ نحو 80%، مع استنزاف مخزون المسيرات الإيرانية. ويشير المحللون الغربيون إلى أن جانبًا من القدرات الروسية لايزال بعيدًا عن أنظار القوى الغربية وأجهزتها الاستخباراتية وهو ما يظهر في التفاوت بين تقديراتهم وما يكشف عنه سير المعارك.

(*) سلام بعيد: أشار المسئولون الروس إلى صعوبة تحقيق السلام وإنهاء الحرب في الظروف الراهنة في ظل رفض الرئيس الأوكراني التفاوض مع روسيا قبيل انسحابها إلى حدود ما قبل 24 فبراير 2022 والانسحاب كذلك من شبه جزيرة القرم، بصفة أساسية، وهو ما قاله دميتري بيسكوف، متحدث الكرملين، متهمًا الغرب بدفع كييف، لرفض التفاوض.

الإعلان وإن كان مقررًا مسبقًا، إلى أنه جاء عقب دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن، للحوار والتفاوض مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بدفع ربما من الجانب الأوروبي، وبصفة خاصة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكن تلك الدعوة بمؤشراتها لم تحمل الرسالة المطلوبة للكرملين، الذي يرغب في سلام المنتصرين ولكن قبوله في تلك الحالة سيكون إعلانًا بالهزيمة والاستسلام أمام القوى الغربية، ولعل المعنى الدقيق لهذا المفهوم يتجلى في تأجيل روسيا المحادثات بشأن معاهدة نيو ستارت للحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية، والاحتفاظ بتحديد موعد جديد للقاءات، وفي تأكيد أن موسكو شريك مساوٍ لواشنطن في الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي، ولديها شواغل ينبغي تلبيتها.

يلتقي ذلك، مع ما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية السلام النووي" والتي ترفع من خلالها روسيا خطر التحذير من اللجوء الاضطراري للسلاح النووي تحت وطأة انخراط حلف الناتو في الحرب الأوكرانية، سعيًا لفرض قواعد جديدة تسمح لها بالتفاوض من موقع المنتصر، وهنا لم تعد بحاجة لصيغة الضمانات الأمنية قبل بدأ الحرب، وإنما في ترسيخ الواقع الجديد حتى السيطرة على حدود المقاطعات الأربعة التي أعلنت ضمها.

وإجمالًا؛ اتخذت روسيا مسار رفع ميزانية الدفاع، في إطار سلسلة إجراءات لدعم الحرب الجارية وأهمية تعزيز البنية التحتية للقوات الصاروخية النووية، في ظل ارتفاع مماثل لميزانيات الدفاع بأوروبا، ولا يمكن الاستناد على نفاد المخزونات أو تجفيف الموارد المالية كسبيل لوقف العمليات العسكرية، وسيدفع ذلك لمعارك أكثر شراسة تستهدف مرافق البنية التحتية التي تستخدم لنقل الأسلحة والإمدادات الحيوية وتوسيع الهجمات الانتقامية من الجانبين.