الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حدود استخدام الدرونز في الصراع الروسي الأوكراني

  • مشاركة :
post-title
طائرة مسيرة رُصدت في أجواء كييف

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

بدت ساحة الحرب الروسية الأوكرانية مناطق مؤهلة لاستخدام الطائرات دون طيار" الدرونز"، بهدف القيام بوظائف ومهام متعددة في سياق استراتيجية تكبيد الخصوم أكبر قدر من الخسائر لحسم الصراع، الذي تعقدت أبعاده وتداخلت مستوياته، من خلال استهداف القدرات القتالية، وتعطيل مراكز القيادة وقصف المنشآت العسكرية والمدنية التي يصعب الوصول إليها عبر وسائل القصف التقليدية، منها منشآت الطاقة والبنية التحتية الحيوية، مثل محطات المياه والكهرباء وغيرها، لذلك أشارت التقديرات إلى استخدام الطرفين الروسي والأوكراني لنماذج من طائرات الدرونز التي تعددت أنواعها ومصادر الحصول عليها بتنوع وتعدد الاصطفافات خلف كل طرف، بهدف توظيف الصراع في معادلات القوة والنفوذ بين القوى الدولية والإقليمية.

أنواع متعددة ومهام متنوعة:

تنوعت الطائرات المُسيرة التي شهدتها المعارك بين الجانبين الروسي والأوكراني على حد سواء، فبالنسبة للجانب الروسي، أشارات التقديرات إلى استخدام أربعة أنواع من الطائرات المُسيرة روسية الصنع وهي: أيريلون3، جروشا، أورلان 10، أينخوديتس رو، كما استخدمت روسيا طائرات من مصادر أخرى، كان أبرزها الطائرات الإيرانية مثل شاهد-163، ومهاجر 6، أما بالنسبة للجانب الأوكراني، فتشير التقديرات إلى استخدام طائرات مُسيرة أمريكية الصنع مثل سويتش بليد، وكاميكازي، فضلًا عن استخدام طائرات مُسيرة تركية الصنع كالبيرقدار وفق تقارير إعلامية.

تتنوع الأدوار التي تقوم بها الطائرات المُسيرة في ساحات الحروب، منها الصراع الروسي الأوكراني، ويمكن إبراز أهمها على النحو التالي:

(*) استهداف القوات المنتشرة على الأرض: تستهدف الطائرات المُسيرة، القوات المنتشرة على الأرض ومعداتها، بهدف تشتيتها وتقليل حجم المواجهات بين الجانبين لتقليل الخسائر البشرية، منها استهداف قوات المشاه والدبابات والارتال العسكرية التي تنتشر فى مناطق الصراع. لذلك استخدمت أوكرانيا طائرات الدرونز في استهداف الدبابات الروسية بمناطق متعددة، نظرًا لندرة المعلومات المتوفرة عن هذه الطائرات، يسود اعتقاد بأنها مصممة لتنفيذ هجوم واحد تصطدم فيه بالهدف وتوصف "بالانتحارية"، لذلك أطلقت بعض المواقع المعنية بالشأن العسكري، اسم "كاميكازي" عليها، وهو الاسم الذي استخدم للإشارة إلى هجمات الطيارين اليابانيين الانتحارية، خلال الحرب العالمية الثانية.

(*) استهداف المنشآت العسكرية: تمثل المنشآت العسكرية، هدفًا رئيسيًا لطائرات الدرونز، لا سيما وأن تلك المنشآت تمتلك منظومات دفاعية من بطاريات الصواريخ، كما تشكل مراكز القيادة والسيطرة هدفًا محوريًا للطائرات المُسيرة لشل قدرة القوات على التنسيق فيما بينها. ووفق ما أعلنته وزارة الدفاع العسكرية الأوكرانية، في 22 أكتوبر 2022، فإن الدفاعات الجوية تمكنت من إسقاط 20 صاروخ كروز و11 طائرة دون طيار تابعة لروسيا، وأوضحت وزارة الدفاع الأوكرانية أن القوات الروسية شنت 40 ضربة صاروخية على اجزاء متفرقة من البلاد، و16 غارة بطائرة مسيرة هجومية، استهدفت تلك الهجمات مناطق باخموت وأوزاريانيفكا وأودرا ديفكا في منطقة دونيتسك بالجبهة الشرقية.

(*) قصف البُنى التحتية الاستراتيجية: يُمثل قصف البُنى التحتية، أحد أبرز مهام طائرات الدرونز، لا سيما وأن استهداف محطات الوقود والمياه وإخراجها من الخدمة يسهم في عمليات النزوح الجماعي من تلك الأماكن المستهدفة لتتحول لساحة حرب، وفي ظل غياب الخدمات وتدهور المرافق العامة، ينعكس ذلك بشكل مباشر على الروح المعنوية لقاطني تلك المناطق، وهو ما يؤدي إلى التأثير على معنويات المقاتلين أيضًا وفقًا لاستراتيجية الأرض المحروقة، لذلك أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية، أن منشآت الطاقة والبنية التحتية الحيوية في مناطق، مثل فولين وريفني وخاركيف وخميلنيتسك وتشركاسي وزابوريجيا وأوديسا وميكولايف، تعرضت لهجمات روسية.

(*) الرصد والمتابعة: تناولت تقارير إعلامية أن وزارة الدفاع الأمريكية لمحت إلى أن مهمات بعض طائرات الدرونز ليست مصممة فقط للعمليات التكتيكية، مما يعني أنها تستخدم في الرصد والمراقبة، لذلك يتم توظيف الدرونز في الوصول إلى المعلومات التي تجمعها وترسلها إلى وحدات التحكم التي تدعمها الهواتف الذكية في كثير من الأحيان، وأن طائرات الدرونز تتواصل مع وحدات التحكم الخاصة بها على الأرض باستخدام إشارات لاسلكية، وتشير التقديرات إلى استخدام روسيا لطائرات مسيرة هدفت لمراقبة تحرك القوات الأوكرانية على الأرض، فضلًا عن رصد الخسائر في صفوف القوات الأوكرانية وتوظيفها إعلاميًا.

مبررات حاكمة:

هناك العديد من المبررات الحاكمة لتوظيف الدرونز في الصراع الروسي الأوكراني، وفق إدراك كل طرف. وهو ما يمكن الإشارة إليه في التالي:

(*) تعزيز القدرات القتالية: وفق تقارير غربية أظهر الصراع الروسي الأوكراني تفوق روسيا في الأسلحة الاستراتيجية والقاذفات والصواريخ الباليستية فرط الصوتية، لكنها كشفت عن الضعف في إنتاج الطائرات المسيرة. لذلك اتجهت روسيا لاستيراد الدرونز من إيران التي نجحت في تحقيق طفرات تقنية في هذا المجال، في حين اتجهت أوكرانيا للدرونز الأمريكية والطائرات المُسيرة التركية، لمواجهة التفوق الروسي في مجال الأسلحة التقليدية.

(*) تحول الاستراتيجيات العسكرية: وفق موقع "ميليتري ووتش" الأمريكي فإنه "لم يحدث في تاريخ الحروب أن استخدمت المسيرات بالكثافة التي تم استعمالها في حرب أوكرانيا"، وأسهم توظيف طائرات الدرونز بكثافة في الصراع الروسي الأوكراني إلى تغيير في الاستراتيجيات العسكرية الغربية لمواجهة التمدد الروسي في أوكرانيا. لذلك قرر عدد من الدول الغربية جعل الطائرات الدرونز ضمن المساعدات الغربية لأوكرانيا، سواء من ناحية تمويل صفقات لشرائها أو إمدادها بها لمواجهة التفوق العسكري الروسي

(*) اصطفاف الحلفاء: عكس استخدام الدرونز في الصراع الروسي الأوكراني عملية اصطفاف واضحة ما بين القوى المتنافسة على رقعة الشطرنج الأوكرانية، فالطائرات المسيرة إيرانية الصنع أمدت بها روسيا، أما الطائرات المُسيرة التركية والدرونز الأمريكية فقد استخدمتها أوكرنيا وفق بعض التحليلات، وتشير تلك الاصطفافات إلى رغبة كل طرف في مساندة حليفه. فإيرن تسعى من خلال إمداد موسكو بتلك الطائرات لتخفيف الضغط عليها، ونقل ساحة المواجهة مع القوى الغربية بشأن برنامجها النووي بعيدًا عن أراضيها، كما أن كلا الدولتين تقعان فى مرمى العقوبات الاقتصادية الأمريكية. في حين تسعى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية لدعم أوكرانيا بطائرات الدرونز، لتقليم أظافر الدب الروسي في أوكرانيا ومنع وصوله لتحقيق أهدافه الاستراتيجية من إسقاط نظام كييف ومنع تمدد الناتو على التخوم الروسية.

في النهاية، يمكن القول إن قدرة الدرونز على التأثير في مسيرة المعارك وعلى مسرح عمليات الحرب في أوكرانيا، ربما يمثل نقطة تحول في إرساء استراتيجيات عملياتية جديدة تستند بالأساس على تزويد القوات القتالية بأعداد متطورة من الدرونز، ليكون لها القدرة على تكبيد العدو أكبر خسائر وحسم الصراع لصالحه وتغيير معادلة الحرب لمن يمتلك أسراب من الطائرات المسيرة الأكثر تطورًا وكفاءة، وهو ما ستعكسه نتائج حرب روسيا على أوكرانيا.

وسوم :