الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مخاوف متصاعدة.. تداعيات أزمة الغاز على شتاء أوروبا

  • مشاركة :
post-title
أزمة الغاز في أوروبا

القاهرة الإخبارية - شعبان الأسواني

تواجه أوروبا أزمة طاقة عميقة، بينما تستعد لفصل الشتاء البارد؛ إذ وصلت أسعار الغاز إلى مستويات قياسية، والإمدادات آخذة في الانخفاض، والمخاوف منتشرة، وتُستخدم الطاقة بالقارة في مجموعة من الأنشطة، أبرزها النقل والمنازل والصناعة والخدمات والزراعة والغابات وفي إنتاج الغذاء، كما تُستخدم في الأسمدة والحصاد والتبريد والتدفئة.

وفق دراسة حديثة صدرت عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، يوجد نحو 45 تأثيرًا سلبيًا جراء استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية؛ حيث تتصاعد معاناة العالم. بالنسبة إلى التأثيرات الرئيسة المباشرة للأزمة، تمثل أبرزها في ارتفاع أسعار النفط والطاقة والواردات، مقابل تراجع حركة السياحة والإمدادات الغذائية والنمو العالمي والاستثمارات، مع زيادة حدة المواجهات العسكرية والاستقطاب السياسي، وانتهاء الأحادية القطبية، وغيرها من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية.

ومع استمرار تداعيات الأزمة الأوكرانية وعدم وجود مؤشرات حقيقية على قرب انتهائها، يزداد ملف الطاقة في أوروبا تعقيدًا، خاصة وأن أوروبا كانت تعتمد حتى نهاية العام الماضي على روسيا في سد 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي- أي نحو 185 مليار متر مكعب سنويًا، ومع دخول أوروبا فعليًا شهور شتاء تمتد لنحو خمسة أشهر (أكتوبر 2022 ـ فبراير 2023) تزداد أزمة الطاقة تعقيدًا في ظل مناخ شديد الصعوبة، وتحولات مناخية كبيرة تشهدها دول القارة، لدرجة دفعت وزير الطاقة في أهم دولة أوروبية، وهي ألمانيا، للتصريح علنًا: "نحن بصدد مواجهة شتاء حرج للغاية".

وعلى الرغم من الواردات القوية من الغاز الطبيعي المسال لتحل محل الشحنات الروسية، لا تزال القارة الأوروبية؛ التي تعد من أكبر مستوردي الغاز الطبيعي، بحاجة إلى تقليل استهلاك الغاز كثيرًا في فصل الشتاء.

وفي هذا الإطار، يحاول هذا التحليل، تناول الأبعاد التي تُحيط بأزمة الغاز في أوروبا، مع دخولها فصل الشتاء، متطرقًا إلى أهم التداعيات المعقدة المحتملة التي يمكن أن تواجهها أوروبا جراء تلك الأزمة.

أبعاد متشابكة:

تتزامن أزمة الغاز التي تعاني منها أوروبا، بعد دخول فصل الشتاء، مع العديد من الأحداث العالمية التي قد يكون لها تأثير مباشر على تلك الأزمة، ويمكن تناول أبرز الأبعاد المتشابكة لتلك الأزمة فيما يلي:

(*) تفجير الخط الروسي

حتى اندلاع حرب أوكرانيا في أواخر فبراير الماضي، كانت خطوط أنابيب نورد ستريم، تحت بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا، أحد المصادر الرئيسية للغاز في أوروبا الغربية، لكن عُطل ثلاثة من الخطوط الأربعة المكونة لها، بسبب ما وصفه الغرب وروسيا بأنه تخريب تسبب في تسريبات ضخمة، فيما خُفض الضخ من الخط الرابع.

وبعد أضرار لحقت بخطوط نورد ستريم، اشتعلت أسعار الغاز في أوروبا، حيث ارتفعت بعد أربعة أيام من الخسائر بصورة كبيرة، فيما قفزت العقود الآجلة المعيارية بنسبة تصل 12 في المئة، حيث عززت الأضرار التي طالت شبكة خطوط أنابيب نورد ستريم المغلقة، حالة عدم اليقين بشأن الإمدادات الروسية المستقبلية.

فقد سلم خطوط أنابيب نورد ستريم ما يقرب من 40 في المئة من الغاز الروسي إلى أوروبا العام الماضي، لكن شركة جازبروم الروسية، المشغلة لتلك الخطوط، قلصت التدفقات على هذا الخط عبر عدة خطوات بدأت في يونيو، مستشهدة بمشكلات فنية تتعلق بالمعدات، قبل أن توقف الإمدادات تمامًا.

(*) أوروبا أكبر مستورد ومستهلك للغاز

تعد أوروبا، أكبر مستورد للغاز الطبيعي بالعالم، ففي عام 2021، استهلكت روسيا وألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا ثلاثة أرباع طاقة القارة البالغة 10.073 تيراوات ساعة (تيراوات ساعة) من الطاقة من الغاز.

قراءة تفاصيل استخدام الغاز في أوروبا، يشير إلى أنها تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الغاز لتوليد الكهرباء والنقل والتدفئة، في عام 2021، جاء 34 في المئة من طاقة القارة من حرق الغاز، وبيلاروسيا هي الدولة الأكثر اعتمادًا على الغاز في أوروبا حيث يأتي 62 في المئة من طاقتها من الغاز، تليها روسيا (54 في المئة) وإيطاليا (42 في المئة) والمملكة المتحدة (40 في المئة) والمجر (39 في المئة).

في عام 2021، أُنتج 76 في المئة من الطاقة في أوروبا عن طريق حرق الوقود الأحفوري - الغاز (34 في المئة) والنفط (31 في المئة) والفحم (11 في المئة)، فيما شكلت الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة الكهرومائية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والوقود الحيوي، 14 في المئة، مع الطاقة النووية بنسبة 10 في المئة.

كما يرتفع في أوروبا حجم تخزين الغاز، فقد أجبر شح إمدادات الغاز في روسيا الدول الأوروبية على زيادة المخزونات تحت الأرض، وفقًا لموقع "إيه جي إس آي" (AGSI)، المتخصص في تتبع مخزون الغاز في العالم، فإن الدول الأوروبية الكبرى بلغت مستوى مطمئنًا من التخزين كما هو الحال بالنسبة لفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بخلاف دول أوروبا الشرقية التي تعاني من نقص حاد في مخزون الغاز

(*) تخفيض الغاز القطري

يبدو أن أزمة الطاقة في أوروبا مهددة بمزيد من التعقيد خلال فصل الشتاء، مع تراجع الإمدادات من روسيا، ورفض دول أخرى -في مقدمتها قطر والصين- تحويل المزيد من الشحنات إلى القارة العجوز، فقد أعلنت قطر أنها لن تحوّل الغاز الطبيعي المسال المتعاقد عليه مع مشترين آسيويين إلى أوروبا، خلال الشتاء المقبل، كما قررت الصين وقف صادرات الغاز المسال إلى أوروبا وآسيا، من أجل تأمين احتياجاتها المحلية خلال ذروة الطلب في موسم الشتاء.

وتعد قطر من بين أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، ودخلت عدة دول أوروبية في محادثات معها لتقليل اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية؛ حيث تعمل شركة قطر للطاقة على توسيع إنتاج الغاز وعمليات التجارة مع زيادة الطلب العالمي، وتخطط لتصبح أكبر شركة غاز مسال حول العالم.

وتجدر الإشارة إلى أن كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة في واشنطن، منهم الدكتور أومود شوكري، يرى أن قرار الصين عدم بيع الغاز المسال إلى أوروبا، يمكن أن يتسبّب في اتساع نطاق أزمة الطاقة، مؤكدًا أن أوروبا ستواجه شتاءً قارسًا في جميع الأحوال، أما قرار قطر عدم تغيير وجهة تصدير الغاز الطبيعي المسال فسيزيد من المصاعب التي ستواجه أوروبا في الشتاء المقبل"، على حد قوله.

(*) مركز عالمي للغاز في تركيا

تأتي أزمة الغاز الأوروبية، وسط مساعي موسكو وأنقرة تدشين مركز للغاز الروسي في تركيا؛ اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على نظيره التركي، خلال لقائهما، في أستانة على هامش قمة "التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا" (سيكا)، أن تنشئ روسيا مركزًا للغاز في تركيا لتصديره إلى أوروبا. واعتبر أن مركز الغاز المقترح يمكن أن يصبح منصة لتحديد سعر الغاز، ما يستبعد تسييس هذه القضية.

كما أعلن بوتين، خلال منتدى "أسبوع الطاقة الروسي"، أن روسيا يمكن أن تضخ كميات الغاز التي خسرتها أوروبا جراء تضرر خطَّي أنابيب السيل الشمالي (نورد ستريم) إلى الدول الأوروبية عبر تركيا، من خلال إنشاء مركز للغاز، معتبرًا أن المقترح يتمتع بجدوى اقتصادية ومستوى أمن عالٍ.

فيما يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن الاتحاد الأوروبي لن يكون بمقدوره تأمين احتياجاته من الغاز، سوى عبر تركيا، من خلال إنشاء مركز دولي لتوزيع الغاز الروسي على أراضيها، في السياق ذاته، ذكر إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية، أن أوروبا لديها بديلان عن الغاز الروسي، وهما: زيادة القدرة في خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول (تاناب) عبر إضافة غاز تركمانستان إلى الغاز الأذربيجاني، أو إضافة الغاز الإيراني.

تداعيات معقدة

قد يتمخض عن أزمة الغاز التي تواجه القارة الأوروبية مجموعة من التداعيات المعقدة، التي تتمثل أبرزها فيما يلي:

(*) توتر مع واشنطن

تؤدي الأزمة الراهنة للغاز في أوروبا، إلى توتر العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة، فقد استنكر وزير الاقتصاد الألماني، في 5 أكتوبر 2022، طلب دول صديقة، في مقدمتها واشنطن، من بروكسيل، أسعارًا خيالية لتوريد الغاز من أجل تعويض وقف الشحنات الروسية، مؤكدًا أن ذلك يطرح مشكلة في العلاقات، داعيًا المفوضية الأوروبية للبحث في ذلك مع هذه الدول. خاصة وأن القارة الأوروبية بأكملها لجأت إلى الولايات المتحدة التي زادت صادرات الغاز الطبيعي المسال نحو أوروبا من 28 في المئة إلى 45 في المئة بين عامي 2021 و2022.

(*) تأجج الداخل 

تدفع تلك الأزمة بالشعوب الأوروبية لزيادة الاحتجاجات النابعة عن الغضب الذي يزداد يومًا بعد يوم، كرد فعل على ارتفاع أسعار الطاقة، ويعتقد الخبراء أن استمرار فواتير الخدمات في الارتفاع، وزيادة أعداد البطالة، والتباطؤ الاقتصادي، على الشوارع، كما توقعت نائبة رئيس وزراء إسبانيا، ناديا كالفينو- إلى حدوث اضطرابات اجتماعية في بلدان أوروبية.

فهناك احتجاجات مخطط لها في أوروبا بالفعل، فقد تظاهر العديد من دول الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا وألمانيا والتشيك وإيطاليا، ضد ارتفاع تكلفة المعيشة بعد السياسات التي تم إقرارها مؤخرًا على خلفية استمرار الحرب في أوكرانيا، والإجراءات التقييدية التي اتخذها الاتحاد مؤخرًا، بسبب استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، وتؤدي إلى ارتفاع التضخم. كما تهدد أزمة الطاقة الطاحنة في أوروبا بخطر متزايد من الفوضى السياسية، بسبب الارتفاع الرهيب في أسعار الطاقة؛ بما يفوق القدرات المالية للعديد من الأسر في الدول الأوروبية خاصة مع قدوم فصل الشتاء.

وفقًا للمؤسسة البريطانية "العمل للطاقة الوطنية" (National Energy Action)، فإن عدد الأسر التي ستدخل في خانة الفقر الطاقي (وهي الخانة التي توجد فيها الأسر التي تنفق 10 في المئة من مداخيلها على فاتورة الطاقة)، سيرتفع من 4.5 مليون أسرة بريطانيا إلى 8.5 مليون أسرة، مشيرة إلى أن بعض المدن الأوروبية سوف تعاني من انقطاع للكهرباء لمدة تتراوح بين الساعة والـ3 بشكل يومي.

(*) تعزيز البديل المصري

تؤدي أزمة الطاقة الحالية التي تعاني منها أوروبا، إلى تعزيز البديل المصري، لتأمين إمدادات الطاقة الأوروبية، فقد جددت مصر عرضها مساعدة الدول الأوروبية في أزمتها، والحفاظ على "أمن الطاقة"، مطالبة المؤسسات الأوروبية بتوفير "تمويل مُيسر" لتعظيم احتياطيات غاز شرق المتوسط، فقد أعلن طارق الملا، وزير البترول المصري والثروة المعدنية المصري، خلال مشاركته في مؤتمر منتدى غاز شرق المتوسط للتحول الطاقي، بالعاصمة القبرصية نيقوسيا، في 16 أكتوبر 2022، أن احتياطيات الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط يمكنها أن تساعد في الحفاظ على أمن الطاقة في أوروبا.

وسبق أن عرضت مصر مساعدة أوروبا في أزمة الغاز، وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في مؤتمر صحفي مع أولاف شولتس، المستشار الألماني، في برلين، يوليو الماضي، إن "بلاده مستعدة لتقديم ما لديها من تسهيلات لإيصال الغاز الموجود في شرق المتوسط إلى أوروبا"، علمًا بأن مصر تسعى لأن تكون مركزًا إقليميًا لتصدير الغاز. ففي إطار مساعي مصرية للتحول إلى مركز إقليمي لإنتاج وتبادل الطاقة، يعتبر منتدى غاز شرق المتوسط، فرصة لتعزيز النمو الاقتصادي، والتوسع في العلاقات مع أوروبا في مجال الطاقة، خاصة وسط مذكرة التفاهم الثلاثية التي تم توقيعها في القاهرة للشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي.

وتُقدم مصر نفسها للعالم باعتبارها مركزًا إقليميًا للطاقة بشكل عام، والغاز الطبيعي على وجه الخصوص، اعتمادًا على البنية التحتية التي تمتلكها في مجال الغاز الطبيعي، من خطوط الأنابيب ومصانع إسالة تمكنها من تسييل غاز شرق المتوسط، وإعادة تصديره مرة أخرى، إضافة إلى سعيها لبناء ممر أخضر بين شرق المتوسط وأوروبا يركز على توفير الهيدروجين والكهرباء والطاقات المتجددة، مصر هي الدولة الوحيدة بالمنطقة التي تمتلك بنية تحتية لتصدير الغاز الطبيعي من خطوط الأنابيب، ومصانع إسالة الغاز الطبيعي، في إدكو ودمياط على البحر المتوسط، وتتميز بوجود طاقة استيعابية كبيرة للغاز المنتج من حقول شرق المتوسط.

(*) تدهور اقتصادي

يتوقع الخبراء دخول الاقتصاد الأوروبي في حالة من السقوط الحر المطلق؛ لأنه لن يكون بالمقدور إنتاج أي شيء، لأنه مكلف للغاية، ولأن الحكومة تعطي الأولوية لإرسال الغاز لتدفئة المنازل بدلًا من الصناعة؛ إذ تشير توقعات صندوق النقد الدولي أن اقتصادات دول أوروبا الشرقية، ستتضرر بشكل كبير من قطع الغاز الروسي، ويتراجع الناتج الداخلي الخام بنسبة 6 في المئة بهذه الدول، وسيؤثر قرار وقف الغاز الروسي عن أوروبا على الاقتصاد العالمي، حيث تشير توقعات صندوق النقد أن الناتج الداخلي العالمي سوف يتراجع بنسبة 2.6 في المئة، سنة 2022، وبنسبة 2 في المئة خلال 2023.

هذا وتسابق الدول الأوروبية الزمن من أجل إيجاد بدائل دائمة للغاز الروسي، إلا أن مجلة "تايم" (TIME) الأميركية، تتوقع أن هذه البدائل تحتاج لمدة تتراوح بين 6 أشهر للتخزين بالنسبة للمحطات العائمة، و10 سنوات من أجل بناء محطات نووية جديدة.

وتضررت الأسواق المتعلقة بصناعات الألبان والمخابز بشدة؛ لأنها كثيفة الاستهلاك للطاقة. فقد ارتفعت أسعار الزبدة بنسبة 80 في المئة منذ بداية العام حتى أغسطس الماضي، في حين ارتفعت أسعار الجبن بنسبة 43 في المئة، وارتفع لحم البقر بنسبة 27 في المئة، وارتفع مسحوق الحليب بأكثر من 50 في المئة، كما تضررت الأسمدة بشدة، وزادت أسعارها بنسبة 60 في المئة سنويًا، مما وضع المزارعين تحت ضغوط اقتصادية وتوقف 70 في المئة من إنتاج المنطقة.

وموجة الغلاء التي تجتاح القارة العجوز. طالت أسعار الخبز التي ارتفعت بنسبة 20 في المئة تقريبًا، ما يهدد بتجويع دول الاتحاد الأوروبي، وارتفعت تكلفة الخبز بالاتحاد الأوروبي في أغسطس بنسبة 18 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وهو رقم قياسي منذ ديسمبر 2017 بفرنسا، ارتفع سعر الخبز بنسبة 80 في المئة، وفي هولندا ولوكسمبورج بمقدار 10 في المئة. وفي ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وبولندا وكرواتيا وسلوفاكيا. بنحو الثلث.

ويتوقع تقرير صدر عن وحدة تحليل المعلومات في "إيكونوميست انتليجنس يونيت"، وعنوانه "منتصف شتاء سيئ لأوروبا"، أن يدخل الاقتصاد الأوروبي في ركود بحلول الربع الأخير من هذا العام أو الربع الأول من العام المقبل 2023، ومما سيزيد عمق الركود في أوروبا المناخ العالمي العام المتراجع من تشديد السياسة النقدية في أمريكا إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني وارتفاع معدلات القلق لدى المستثمرين في الأسواق بشكل عام.

وبشكل عام ستتضرر القطاعات الصناعية أكثر في أغلب الدول الأوروبية، ما يعني تراجع عائدات الشركات وانهيار أرباحها، وستكون أول الصناعات المتضررة صناعة المعادن والكيماويات التي تعتمد على تشغيل أفران مصانعها بالغاز.

(*) بدائل تقليدية

تعود تلك الأزمة في أوروبا إلى خمسينيات القرن الماضي بسبب حرب الغاز، خاصة وسط احتمالات لجوء أوروبا لبدائل تقليدية، لسد عجز الغاز، فوسط تحذيرات مجلة "energy industry review" الأوروبية، من تداعيات نقص الغاز الروسي على أوروبا، خاصة في فصل الشتاء المقبل، وسط اضطراب أسواق الطاقة وارتفاع الأسعار- أكدت المجلة أن "احتمالات إعادة إحياء المحطات العاملة على الفحم والطاقة النووية"، متناولةً خمسة إجراءات قصيرة ومتوسطة المدى تتخذها أوروبا لمعالجة أزمة نقص الغاز، يتقدمها تمديد فترة عمل محطات الطاقة التي تعتمد على الفحم وإعادة إحياء بعض المحطات التي أُغلقت في السابق وتعمل على الفحم أيضًا.

وأكد عامر الشوبكي، مستشار الطاقة الدولي، وكحل متوسط المدى لأزمة الغاز، أنه بدأ الحديث في أوروبا عن تخفيف القيود على استخراج الغاز غير التقليدي (الغاز الصخري)، وخصوصًا أن القارة الأوروبية لديها احتياطيات كبيرة من هذه الثروة تقدر بـ13.5 تريليون قدم مكعب يكفيها للاستخدام لغاية 20 عامًا، وبالفعل بدأت بريطانيا برفع القيود عن هذا النوع من الغاز.

ولكن وسط منع قوانين الاتحاد الأوروبي استخدام الحفريات الأفقية والتكسير الهيدروليكي، وهي التكنولوجيا التي تستخدم في استخراج الغاز الصخري، وبالتالي فإن الأمر يحتاج إلى تغيير القوانين، فضلًا عن أن عمليات الاستثمار تحتاج إلى وقت طويل، لذلك لا يمكن أن يكون هذا الحل آنيًا بل متوسط المدى.

(*) تفاقم المشكلة في المستقبل

اعتبر فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية (EIA)، أن الأسعار المعتدلة والأرقام المتوفرة حول تخزين الغاز الطبيعي في قارة أوروبا، ليست معبرة بالشكل التام عن وضع الغاز في القارة العجوز على المدى الطويل، على خلفية ما تعانيه السوق من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أن الغياب المحتمل على المدى الطويل للإمدادات الروسية، والزيادة المتوقعة في الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال هذا الشتاء، والنمو المحدود على المدى القريب في إمدادات الوقود شديد البرودة، سيجعل إعادة تعبئة مرافق التخزين في الاتحاد الأوروبي لفصل الشتاء 2023-2024 "صعبة للغاية".

أظهرت بيانات من شركة الأبحاث "Wood Mackenzie" أن حصة روسيا من واردات الكتلة من الغاز الطبيعي تراجعت من 36 في المئة خلال أكتوبر 2022 إلى 9 في المئة فقط بعد عام، وانخفضت واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الخام الروسي بنسبة 33 في المئة قبيل حظر من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في ديسمبر 2022، بحسب وكالة الطاقة الدولية، فيما قال الرئيس التنفيذي لشركة شل: إنه من المرجح أن يستمر نقص الغاز في جميع أنحاء أوروبا لعدة فصول شتاء مقبلة، مما يزيد من احتمالية استمرار تقنين الطاقة مع سعي الحكومات في جميع أنحاء القارة لتطوير إمدادات بديلة.

هذا ويشعر الكثير من الخبراء بالقلق بشأن موسمي الشتاء المقبلين، بسبب وتيرة بدء مشروعات الغاز الطبيعي المسال، المصدر الرئيسي لإمدادات الغاز الإضافية في أوروبا، لا سيما وأنه من غير المقرر أن يبدأ تشغيل مشروع حقل الشمال الشرقي القطري وبعض محطات التصدير الأمريكية حتى عام 2025، ونتيجة لذلك، تضطر أوروبا إلى خفض الطلب أكثر مما كان متوقعًا حاليًا، حيث إنها تواجه أيضًا انخفاضات حادة في توليد الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية.

بدائل مبتكرة

اتجهت أوروبا للبحث عن بدائل متعددة لمواجهة تلك الأزمة، وكان من أبرز تلك البدائل ما يلي:

(*) صندوق سيولة 

أنشأت وزارة الخزانة البريطانية، في 8 سبتمبر 2022، صندوق بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني مع بنك إنجلترا، لمساعدة شركات الطاقة في الوصول إلى السيولة الإضافية التي تحتاجها للتعامل مع ارتفاع أسعار الطاقة، لاعتقاد الحكومة البريطانية بأن ما يسمى بخطة تمويل أسواق الطاقة ستوفر الاستقرار لأسواق الطاقة والأسواق المالية والاقتصاد وتساعد في خفض التكاليف للمستهلكين.

(*) تعزيز حالة الشفافية المعلوماتية 

دعت توصيات لجان الخبرة الاستشارية التي انبثقت عن الاجتماعات التحضيرية لقمة الاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز حالة الشفافية المعلوماتية لأوضاع التخزين والاستهلاك والشراء الخاصة بكل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والعمل معًا بروح الفريق لرصد الاحتياجات الجماعية لبلدانهم من الطاقة، وإنشاء مرصد أوروبي موحد لمراقبة أمن الغاز والطاقة والاسترشاد بتقاريره عند إقدام الاتحاد الأوروبي على التعاقد الشرائي جماعيًا من الأسواق الدولية.

(*) آلية شراء موحد

أوصى الخبراء المشاركون في الاجتماعات التحضيرية لقمة الاتحاد الأوروبي، بأن تعمل آلية الشراء الأوروبية الموحدة للغاز بصورة استهدافية وتدخلية استنادًا إلى العامل السعري والمفاضلة السعرية.

(*) رفض سقف سعري للغاز 

أحجمت المفوضية عن وضع سعري للغاز في أسواق الاتحاد الأوروبي خلال الوقت الراهن، في ظل الخلافات السياسية والمخاوف بشأن أمن الإمدادات بدول الاتحاد، كما تحفظت العديد من الدول على تلك السياسة، وعلى رأسهم ألمانيا؛ التي ترى أن وضع سقف سعرية للغاز الذي تستورده أوروبا، سيحد من المعروض منه، وبالتالي سيفاقم مشكلة الندرة.

(*) الاتجاه نحو الطاقة المتجددة

اتجهت بعض الدول الأوروبية لزيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، فالمفاعلات النووية هي الحل الألماني نحو شتاء دافئ؛ إذ أعلنت الحكومة الألمانية أنه سيتم وضع الأساس القانوني لإتاحة تشغيل المفاعلات إيزار2 ونيكارسفستهايم 2 وكذلك أمسلاند، إلى ما بعد 31 ديسمبر المقبل حتى الخامس عشر من أبريل المقبل على أقصى تقدير.

(*) رفع وتيرة الاستيراد

فمن هذه البدائل، رفع وتيرة استيراد الغاز الطبيعي المسال، حيث اشترت أوروبا من واشنطن نحو 40 في المئة من إنتاجها، وحوّلت مسارات ناقلات الغاز المسال الأمريكية الضخمة من آسيا نحو أوروبا، كما عقد الاتحاد الأوروبي شراكات مع أذربيجان والجزائر لضخ الغاز المسال نحو أوروبا، وعمدت أوروبا إلى رفع نسبة التخزين من الغاز لتصل نحو 95 في المئة حتى تتجاوز أزمة الشتاء، وفي هدف نهائي يرمي إلى الاستغناء كليًا عن الغاز الروسي باعتباره مصدرًا غير موثق للطاقة.

(*) الاعتماد على البديل النرويجي 

اتفقت النرويج والاتحاد الأوروبي، في 6 أكتوبر 2022، على "تطوير أدوات مشتركة" تهدف إلى خفض أسعار الغاز المرتفعة في أوروبا، بينما تندفع بروكسل لإيجاد تدابير فعالة ومقبولة سياسيًا لمعالجة أزمة الطاقة التي تلوح في الأفق هذا الشتاء، كما افتتحت النرويج خط أنابيب لضخ الغاز من حقولها نحو بولندا، بقدرة بلغت 10 مليارات متر مكعب سنويًا، كجزء من تعويض نقص الغاز الروسي.

في النهاية؛ من المرجح أن تكون أوروبا قادرة على التغلب على إمدادات الغاز المتناقصة لروسيا هذا الشتاء مع استمرار الحرب في أوكرانيا، ومع ذلك، فإن تغطية احتياجات الطاقة في مواسم الشتاء المقبلة مشكلة كبرى، لا سيما فيما يخص وتيرة تنفيذ مشروعات الغاز الطبيعي المسال، والتي تشكل المصدر الرئيسي لموارد الغاز الإضافية لأوروبا.