مؤشرات صادمة.. تأثير أزمة الطاقة على أوروبا

  • مشاركة :
post-title
أزمة الطاقة الأروربية

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

نتيجة للأزمة الروسية الأوكرانية، تعيش القارة الأوروبية أوضاعًا اقتصادية وسياسية هي الأصعب منذ عقود، بالتزامن مع ارتفاع شعبية تيار أقصى اليمين الذي يسعى لاستغلال أزمة الطاقة، وما يتصل بها من ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وتعطل عجلة الإنتاج الصناعي.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن التأكيد على قيام دول الاتحاد الأوروبي بشد الأحزمة، وتركيز جهوده لتوفير الطاقة للدول الأعضاء، إضافة إلى ضخ حزم اقتصادية كبيرة لدعم الطاقة حفاظًا على استقرار الأسعار.

وتجدر الإشارة إلى أن الأسعار في الدول الأوروبية، ارتفعت منذ أن أعلنت شركة غاز بروم الروسية عزمها إغلاق خط أنابيب الغاز "نورد ستريم1" في 30 أغسطس 2022، لدواعي الصيانة، وهو ما أثار مخاوف أن يقطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الغاز بشكل كامل عن أوروبا قبيل فصل الشتاء.

أزمة الطاقة في أوروبا
مؤشرات الأزمة

ثمة مؤشرات على تفاقم الأوضاع الاقتصادية في أوروبا، وتأثر شعوبها بانعكاساتها السلبية لنقص إمدادات الطاقة على السلع الضرورية، وضمان عملية الشراء الآمن، وتتمثل في التالي:

* تأخر المواطنين في دفع الفواتير في المملكة المتحدة 

أشارت تقارير إحصائية إلى أن هناك حوالي مليوني ونصف المليون أسرة بريطانية تخلفت عن سداد فواتير الطاقة، في الربع الثاني من عام 2022، وذلك وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "The Guardian" البريطانية، واعتبر بيتر سميث، مدير السياسة في"ناشونال إينيرجي آكشن" أن فواتير الطاقة تضاعفت، وهو ما يُنذر بكارثة خاصة مع دخول فصل الشتاء، وانخفاض درجات الحرارة، تأتي هذه الأحداث في ظل وجود أزمة سياسية حادة داخل حزب المحافظين الحاكم الذي اضطر لتغيير حكومة ليز تراس بعد أقل من 45 يوما من إعلان تشكيلها واختيار ريشي سوناك خلفًا لها.

* استمرار الضغط المادي على الموازنات نتيجة المساعدات 

حاولت خمس اقتصادات أوروبية كبرى "ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، وإيطاليا"، تخفيف هذه الضغوط عبر تبني مجموعة متنوعة من المنح والتخفيضات الضريبية لمساعدة المواطنين لتجاوز الأزمة، وتدفئة منازلهم، ولكن المحللين يعتبرون أن هذه الخطوات مسكنة؛ إذ يرون أن الأزمة ستمتد لما بعد الشتاء، وعلى مستوى المنح الحكومية لتجاوز الأزمة، قدمت الحكومة البريطانية، حزمة مساعدات تُقدر بستة مليارات دولار لمساعدة المواطنين على تجاوز ارتفاع أسعار الطاقة، فيما أقرَّت الحكومة الألمانية حزمة تُقدر بـ200 مليار يورو، ومددت الحكومة الإسبانية تخفيضات ضريبية على أسعار الطاقة قُدرت بنحو 2 مليار يورو، فيما تستمر الحكومة الإيطالية بدعم الأسر المتعثرة بمبلغ 9,65 مليار دولار لتخطي أزمة الشتاء.

* تراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية 

تعاني أوروبا من معدلات جفاف غير مسبوقة خلال هذه الفترة، وهو ما انعكس سلبًا على توليد الطاقة الكهرومائية، وأشار تقرير دولي نشرته إحدى المؤسسات البحثية العالمية الكبرى، إلى تراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية بنسبة 21% بين شهري مارس وسبتمبر 2022 بسبب نقصان المياه الناتج عن الجفاف.

* العودة إلى الفحم

رغم تعهدات الدول الأوروبية بالتخلي تدريجيًا عن استخدام الفحم كمصدر رخيص لتوليد الكهرباء بحلول عام 2030، إلا أن أزمة الطاقة كشفت عجز تحقيق ذلك على المديين القصير والمتوسط، لا سيما أن دول الاتحاد الأوروبي صعدت مواجهتها مع روسيا، وهو ما سينعكس سلبًا على الالتزامات المناخية، خاصة في ظل استمرار الأزمة. وارتفعت أسعار الفحم إلى معدلات قياسية نتيجة تزايد الإضرابات في دولة جنوب إفريقيا التي تُعد من أكبر موردي الفحم للسوق الأوروبية، وزادت صادرات الفحم الجنوب إفريقية إلى أوروبا بنسبة 720% منذ بداية 2022. وتشير التقارير إلى ارتفاع الطلب الأوروبي على الفحم خلال 2022 إلى 14%، وشهدت أوروبا توفير 9 جيجا وات إضافية من محطات الكهرباء العاملة بالفحم، لتلبية الطلب على الكهرباء وتعويض الانخفاض في إمدادات الطاقة الروسية، ونلاحظ من الشكل رقم "1" المنشور على موقع الطاقة أن استهلاك الفحم في القارة العجوز مرشح للزيادة خلال عام 2022 مع استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية. ومع استمرار حالة عدم اليقين فيما يتصلب استمرار إمدادات الغاز، فإنه من المتوقع أن يظل استمرار توليد الكهرباء من الفحم هو الخيار الأكثر مرونة مع توقع زيادة إمداداتها بمعدل 63 تيرا وات/ساعة.

التوسع في استهلاك الفحم
* تزايد دعوات تشغيل المفاعلات النووية 

على مستوى الطاقة النووية، برزت جدوى الاستثمار في الطاقة النووية بعد أزمة الطاقة التي تواجهها أوروبا نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، وفي هذا الصدد، تراجعت الحكومة الألمانية عن خطة إغلاق آخر ثلاثة مفاعلات نووية قبل نهاية عام 2022، وأضحى الجدل حول الطاقة النووية يتوسع أوروبيًا لا سيما قبيل الانتخابات خصوصًا في ألمانيا وفرنسا والسويد؛ إذ ارتفعت مطالب الاستثمار فيها، وإعادة تشغيل المتوقف منها، وكمؤشر على ذلك تعاني فرنسا من أزمة حادة في الطاقة بعد توقف عدد من مفاعلاتها النووية للصيانة، وتعتمد باريس على ما نسبته 70% من الطاقة النووية لتغطية احتياجاتها، وهو ما يُفسر خطوتها تخصيص أكثر من 500 مليار يورو للاستثمار في الطاقة النووية حتى عام 2050.

عودة أوروبا للطاقة النووية
خطوات للأمام:

اتخذت الدول الأوروبية، مجموعة من الخطوات الفاعلة للتقليل من آثار الأزمة وتعزيز تدفقات الغاز، ومن أبرز هذه الخطوات التوجه نحو توسيع الشراكات الخارجية مع الدول المنتجة للطاقة كأذربيجان، وقطر، ومصر، والجزائر، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، والنرويج، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية للفئات الأقل حظًا، والتوسع في توليد الطاقة النظيفة والمتجددة بالإضافة إلى الاتجاه لملء خزاناتها قبيل فصل الشتاء، وفيما يلي أبرز تلك الخطوات:

* توسيع الشراكات الخارجية: 

يعول الاتحاد الأوروبي على دول الجوار في جنوب وشرق البحر المتوسط؛ لمساعدته في تجاوز أزمة نقص الإمدادات؛ حيث قال فرانس تيمرمانز نائب رئيس المفوضية الأوروبية للصفقة الخضراء: "إن مصر يمكن أن تساعد الاتحاد الأوروبي في تنويع وارداته من الغاز". وفي سياق متصل، فتحت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر والتي تعتبر عاشر أكبر منتج للغاز في العالم في سبتمبر 2022، والجولة التي قام بها المستشار الألماني أولاف شولتس لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، والمملكة العربية السعودية، فرصة أمام دول الاتحاد الأوروبي لإعادة رسم خريطة شراكة جديدة مع دول المنطقة لتخطي أزمة الطاقة العالمية التي تضغط على الاقتصادات الأوربية بشكلٍ عام. وتصدر مصر 500 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميًا إلى أوروبا، فيما تتجاوز هذه الكمية المليار في فصل الشتاء.

* الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة

تشير التحليلات إلى أن دول الاتحاد الأوروبي، تتجه إلى الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة "الرياح، الطاقة الشمسية". وأعلن الاتحاد الأوروبي عن خطة حديثة للطاقة، تهدف إلى التوسع في مجال الطاقة المتجددة عبر حشد مزيد من الاستثمارات، وإزالة الحواجز المعرقلة أمام المستثمرين، وتمكين المستهلكين من ممارسة دور فعال في سوق الطاقة. وعلى مستوى ضغوطات الشارع الأوروبي، يجد القادة الأوروبيون أنفسهم أمام ضغوط شعبية للتقليل من استخدام الوقود الأحفوري، وضرورة خفض الحرارة بمقدار درجة واحدة مئوية، مما سيسفر عن تخفيض 7% من استهلاك الغاز في أوروبا، وبالتالي سيكون الاستثمار في الطاقة المتجددة فرصة للتجاوب مع الضغوط والظروف المحيطة. وفي ذات السياق، توقعت منظمة الطاقة الدولية أن يشهد عام 2022 رقمًا قياسيًا بزيادة قدرات مجال الطاقة الكهربائية المتجددة، خاصة في مجال الطاقة الشمسية في أوروبا والصين نتيجة تزايد ضغوطات ارتفاع أسعار سوق الطاقة العالمي. ووفقًا لخطط الاتحاد الأوربي، من المتوقع أن تصل حصة الطاقة المتجددة بدول الاتحاد إلى ما نسبته 40% من الاستهلاك الختامي مع حلول عام 2030.

* تعبئة خزانات الغاز:

 سارعت الدول الأوروبية إلى تأمين احتياجاتها من الغاز لمواجهة برد الشتاء القارس، عبر تأمين الملء الكامل لصهاريج تخزين الغاز، وذلك لتجاوز أزمة الطاقة التي تتزايد آثارها في فصل الشتاء. وقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن احتياطيات الغاز في الاتحاد الأوروبي وصلت إلى نحو 80 %. ومع ذلك، يشير المحللون إلى أن هذه المخزونات لن تكون كافية لحل مشكلة الطاقة خاصة إذا استمر تراجع الإمدادات.

وختامًا، تُعد أزمة الطاقة في أوروبا ضاغطة لعجلة الاقتصاد العالمي بشكلٍ عام، والأوروبي على وجه الخصوص خاصة عند الأخذ في الاعتبار استمرار تداعيات أزمة كورونا الاقتصادية، والتي كانت القارة العجوز من أكثر دول العالم تأثرًا بها.