الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

شريهان وعبد الله محمود.. قواسم مشتركة في الميلاد والمعاناة مع المرض

  • مشاركة :
post-title
شريهان وعبد الله محمود

القاهرة الإخبارية - محمود ترك

يتوقف الكثيرون عند الفيلم المصري "عرق البلح"، رائعة المخرج المصري الراحل رضوان الكاشف، التي تُعد العمل قبل الأخير له في السينما قبل أن يودع عالمنا عام 2002، هذا الفيلم الاستثنائي ليس فقط على المستوى الدرامي والفني، بل لأنه ثمة لعبة قدرية يمثلها هذا العمل لأبطاله شريهان وعبد الله محمود، المشتركان في نفس يوم الميلاد 6 ديسمبر.

يحكي الفيلم عن قهر النساء وغياب الرجل، وكأنه يصف حال بطلته شريهان والفنان عبد الله محمود، الذي ظهر كضيف شرف بالفيلم، فالأولى عانت من القهر والمرض، والثاني نفتقده نحن بعد رحيله عام 2005، وكما اجتمعت فيهما الموهبة الفنية النادرة رافقتهما آلام المرض والمعاناة.

شريهان التي عرفناها فتاة شقية تقفز على المسرح وتطل علينا من خلال الفوازير الرمضانية كل عام في الثمانينيات من القرن الماضي، تعرضت للكثير من المِحن في حياتها، لكنها تثبت في كل مرة أنها ليست مجرد فتاة منحها الله موهبة فن الاستعراض والرقص والتمثيل، بل تمثل نموذجًا يُحتذى به في قوة الإرادة، وفي أوج مجدها تعرضت لحادث سيارة مروع لتنقلب سيارتها عدة مرات وتصاب بكسور في العمود الفقري والحوض، إضافة إلى إصابات في أماكن متفرقة.

وأصبحت شريهان غير قادرة على الحركة، وممددة على السرير في منزلها لا تنظر سوى إلى سقف غرفتها، ليظهر بصيص من الأمل، عبر السفر إلى فرنسا والخضوع لعملية جراحية استغرقت نحو 10 ساعات، خرجت بعدها لغرفة العناية المركزة، وتخالف كل أوامر الطبيب بالتزام الراحة وتصر على أن تنهض من سريرها وتتحرك، وكأنها تقول للجميع إنها ستعود أقوى.

الأزمة الصحية كانت شديدة على شريهان، ورغم ذلك لم ترحمها أقلام نقدية هاجمتها بشدة، سبق وأن قالت عن هذا الهجوم "كنت اعتقد أنهم سيدعون لي بالشفاء لكنني فوجئت بأنهم يهاجمونني".

بدوافع جديدة عادت شريهان إلى جمهورها رغم أنها عانت للمرة الثانية من آلام الظهر وخضعت لعملية جراحية ناجحة، ساعدتها على أن تشبع رغباتها الفنية، عقب ذلك لتقديم مسرحيات وأعمال فنية عديدة، منها "كريستال"، حاجات ومحتاجات"، "جبر الخواطر"، حتى تصل فيلمها "عرق البلح"، الذي قدمت فيه أداءً مغايرًا، والمفارقة هنا أنها لم تتقاضى أجرًا عن أبرز دور لها في السينما، لإعجابها الشديد بقصة العمل الذي نال الجائزة الفضية بمهرجان قرطاج بتونس.

ويبدو أن آلام المرض رفضت مغادرة جسد شريهان، لتصاب في مطلع الألفية الجديدة بسرطان الغدة اللعابية، ليضطر الأطباء إلى إزالة عظام خدها الأيسر، ويستمر المرض في مهاجمتها بشدة، وكأنه يخوض حربًا معها رافضًا الاستسلام لمقاومتها وتحمّل الهزيمة مرة أخرى من فنانة استعراضية.

عزيمة شريهان في هذه الفترة أُصيبت بوهن لأن ملامحها تغيّرت وزاد وزنها حتى وصلت أكثر من 110 كيلو جرامات، لتسير في الشوارع ولا يعرفها أحد، ولم تشفع لها نظراتها إليهم لكي يتذكروها، وتمر سنوات لتسمع من خلفها صوتًا مألوفًا ينادي عليها باسمها، وترجوها أن تتوقف لتطمئن عليها، وتلتفت نجمة "ألف ليلة وليلة" لتجد أمامها المطربة التونسية لطيفة، وبدلًا من أن تخبرها عن صحتها تسألها بنظرة أمل: "هل عادت إليّ ملامحي.. هل عرفتيني!".

وكما وصف النقاد فيلم "عرق البلح" بأنه معجزة سينمائية، مثلت عودة شريهان إلى جمهورها مؤخرًا بمسرحية مسجلة "كوكو شانيل" وإعلان تليفزيوني، حدثًا لا يتكرر كثيرًا في عالم الفن، لتظهر من جديد النجمة الشهيرة بعد أن توارت لسنوات خلف "تويتر" مكتفية بتغريدات في مناسبات مختلفة، كما ظهرت في أحد مشاهد الفيلم الصادر عام 1999، تحمل فأسًا لتدافع عن الأمل المتمثل في الفتى الوحيد بقرية كلها نساء وأطفال، عادت شريهان بآمال جديدة.

شريهان وعبد الله محمود، اجتمعا في فيلم "عرق البلح"، وقبلها بنحو 13 عامًا شاركا معًا في فيلم "الطوق والأسورة" للمخرج خيري بشارة، والعملان يحملان دراما عن المعاناة والقهر، ولم يكن الفن والمرض فقط القاسم المشترك بينهما، بل في تاريخ المعاناة مع المرض، فالتوقيت متقارب للغاية، إذ عانى الفنان الراحل من مرض سرطان المخ عام 2003، لكنه انتصر على النجم الذي يحفل سجله الفني بأعمال سينمائية عديدة، ضمن موسوعة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، منها "الطوق والأسورة"، و"المواطن المصري".

حاول عبد الله محمود المعافرة مع المرض، وتشبث بحلم تقديم عمل سينمائي من بطولته، ورغم خضوعه للعلاج الكيميائي، واصل تصوير آخر أفلامه، والأول له في البطولة المطلقة "واحد كابتشينو"، الذي عُرض في بداية 2005، ووقتها اشتد المرض على الفنان الأسمر، ودخل كثيرًا في غيبوبة يستفيق منها لساعات ويقرأ القرآن، ثم يستسلم غير طواعية للمرض اللعين، ليلفظ أنفاسه الأخيرة في شهر يونيو 2005.