تعقد محكمة العدل الدولية، جلسات علنية في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا، على إسرائيل، تتهمها فيها بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، يومي 11 و12 يناير الجاري، بعد أن قررت دولة الاحتلال المثول أمام المحكمة في لاهاي، للمطالبة برفض الدعوى المرفوعة ضدها.
خطوة إسرائيل، تأتي في محاولة لتجنب إصدار أمر قضائي ضد إسرائيل يطالبها بالتعليق الفوري لعملياتها العسكرية في قطاع غزة، حسبما طلبت جنوب إفريقيا.
وتعتمد الدعوى التي رفعتها "كيب تاون"، على تصريحات علنية لمسؤولين وجنود إسرائيليين وغيرهم، إذ خصصت الدعوى فصلا كاملًا بعنوان التعبير عن نية الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني من قبل مسؤولي الدولة و101 شخص آخر، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.
أدلة جنوب إفريقيا
وأكدت جنوب إفريقيا في مقدمة الالتماس، أن الأدلة على النية المحددة لمسؤولي إسرائيل لارتكاب أعمال الإبادة والاستمرار فيها كانت كبيرة وعلنية، منذ 7 أكتوبر الماضي، وأن تلك التصريحات عندما تقترن بمستوى القتل والتشريد والدمار في غزة، إلى جانب الحصار، فإن ذلك بمثابة دليل على تفاقم الإبادة الجماعية واستمرارها.
واقتبست جنوب إفريقيا، تصريحات وزير التراث عميحاي إلياهو، في دعواها، إذ قال عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن قطاع غزة أجمل من أي وقت مضى، كل شيء يتم تفجيره وتسويته"، أيضًا تصريح وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي السابق، والذي جرى تعيينه وزيرًا للخارجية مؤخرًا يسرائيل كاتس عبر منصة "إكس"، والذي قال فيه إن جميع السكان المدنيين في غزة أمروا بالمغادرة على الفور، سنفوز، و"لن تصلهم قطرة ماء ولا بطارية واحدة حتى يرحلوا عن العالم".
وتضمنت الدعوى كذلك، تصريح نسيم فاتوري، النائب عن حزب الليكود، الذي قال إن هدف إسرائيل هو "محو غزة من على وجه الأرض".
واشنطن تدافع عن جرائم الاحتلال
وبرزت واشنطن هذه المرة أيضًا كمدافع عن دولة الاحتلال الإسرائيلي، إذ قال البيت الأبيض، إن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا لا أساس لها، و "تؤتي نتائج عكسية"، بحسب تصريح المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي جون كيربي.
ومن جانبه قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر ردّاً على سؤال بهذا الشأن، خلال مؤتمره الصحفي اليومي "لا نعتقد أنّ هذا إجراء مجدٍ في الوقت الحالي"، رافضًا الاتهامات التي وجهتها جنوب إفريقيا للدولة العبرية، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لم ترصد أي أعمال تشكل إبادة جماعية في غزة.
هل تنجح جنب إفريقيا؟
وفي تقرير لصحيفة "الجارديان"، قالت إن طلب جنوب إفريقيا باتخاذ إجراء مؤقت من قبل محكمة العدل الدولية لمنع إسرائيل من ارتكاب أعمال إبادة جماعية محتملة من خلال وقف العمليات القتالية، اكتسب فجأة أهمية ملحة بدت غير قابلة للتصديق قبل أسبوعين.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه في الوقت الحالي يتم تجميع فرق قانونية متخصصة، وتصدر الدول بيانات داعمة لدعوى جنوب إفريقيا، مشيرة إلى أن عجلات العدالة العالمية، أو "العدالة المؤقتة" على الأقل لا تسير دائمًا ببطء.
وأوضحت أن طلب جنوب إفريقيا بإصدار حكم مؤقت يتماشى مع الاتجاه الأوسع في محكمة العدل الدولية، ففي العقد الماضي أشارت المحكمة إلى تدابير مؤقتة في 11 قضية مقارنة بعشر قضايا في الخمسين سنة الأولى من وجودها "1945-1995".
ولفتت الصحيفة إلى أن التدابير المؤقتة تسعى لتجميد الوضع القانوني بين الأطراف لضمان نزاهة الحكم النهائي، ورغم أنه كانت هناك شكوك حول ما إذا كانت هذه التدابير ملزمة من قبل المحكمة، فقد بددت تلك الشكوك في الحكم الصادر في قضية لاجراند في يونيو 2001، حيث رأت أن الأحكام ملزمة، نظرًا للوظيفة الأساسية للمحكمة المتمثلة في التسوية القضائية للمنازعات الدولية.
إلا أن أحد التقييمات التي أعدها المحامي الأمريكي، ماتي أليكسيانو، إلى أن الدول الأطراف التزمت بإجراءات المحكمة في 50% فقط من القضايا، بينما بعض القضايا وهي عادة "القضايا الأحدث شهرة"، بما في ذلك أوكرانيا ضد روسيا وادعاءات جامبيا بارتكاب إبادة جماعية ضد ميانمار في 2020، وناجورنو كاراباخ، والعقوبات الأمريكية على غيران، فقد تحدت الدولة "الطرف الخاسر" (المحكمة) ببساطة.
وأضافت "الجاريان"، أنه ليس من الغريب أنه كلما كان الحكم أكثر تدخلًا في شعور أي بلد بالسيادة الوطنية كلما قل احتمال امتثاله.
وبالنسبة لإسرائيل قالت الصحيفة، إنه إذ تم وضع مسألة امتثال إسرائيل لأي أمر من محكمة العدل لتغيير تكتيكاتها العسكرية والكف عن أي عمل يُحكم عليه باعتباره إبادة جماعية، فإن الضرر الذي سيلحق بسمعتها نتيجة الحكم سيكون كبيرًا، وقد يؤدي على الأقل لتعديل حملتها العسكرية الغاشمة على قطاع غزة.
وذكرت الصحيفة أن حقيقة اختيار إسرائيل للدفاع عن نفسها، أمام محكمة العدل الدولية، وأنها من الدول الموقعة على اتفاقية الإبادة الجمعية، يجعل من الصعب عليها تجاهل أي نتيجة سلبية.
خطوة عالية المخاطر
ورغم أن إجراء جنوب إفريقيا يبدو أنه جاء فجأة من العدم في 29 ديسمبر، إلا أنه ليس شيئًا جمعه محاموها أثناء تغليف هدايا عيد الميلاد، فهو ادعاء موضوعي ومبني على حجج قوية مكونة من 80 صفحة، ومليء بإشارات مفصلة إلى كبار مسؤولي الأمم المتحدة وتقاريرها، إضافة إلى أنها ترسل أفضل المحامين لديها، كما أن الكثير من حجج جنوب إفريقيا مستمدة من حكم محكمة العدل الدولية بشأن التدابير المؤقتة التي أصدرتها في قضية جامبيا ضد ميانمار في عام 2020.
وبحسب "الجاريان"، فإن جنوب إفريقيا من خلال طلب الإغاثة المؤقت بموجب المادة 74 من المحكمة، على عكس الحكم النهائي، فيمكن أن تخفض عتبة ما هو مطلوب إثباته قبل أن تتخذ المحكمة إجراءً مؤقتًا.
فلسطين
من جانبهم رحب الفلسطينيون بدعوى جنوب إفريقيا، والتي تطلب فيها من محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة إصدار أمر عاجل تعلن فيه أن إسرائيل تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 في الحرب التي تشنها في غزة، أما إسرائيل فأعربت عن "اشمئزازها" من الاتهام.
وفي بيان لها طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية محكمة العدل الدولية بسرعة الاستجابة إلى طلب جنوب إفريقيا للإجراءات المؤقتة وبشكل عاجل من أجل منع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، بإصدار قرار بوقف العدوان، وإطلاق النار.
عدد شهداء غزة
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى 22 ألفًا و313 شهيدًا، إضافة إلى 57 ألفًا و296 مصابًا منذ 7 أكتوبر الماضي، مؤكدة أن الاحتلال ارتكب 10 مجازر ضد العائلات في القطاع راح ضحيتها 128 شهيدًا، إضافة إلى 261 إصابة خلال الـ 24 ساعة الماضية.