بينما تُواصل ميليشيا الدعم السريع جرائم القتل والتشريد والنهب في السودان، ادعى قائدها محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي"، أن قواته تحقق انتصارًا مزعومًا على الأرض.
وقال حميدتي في خطاب وجهه للسودانيين بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لاستقلال البلاد، ونشره على حسابه في منصة "إكس"، أمس الاثنين، إن "قواته لا ترغب في الاستيلاء على السلطة بالقوة، كما أنها لا تنوي أن تصبح بديلة للجيش السوداني".
ويواصل طيران الجيش السوداني، في الوقت الراهن، قصف مواقع ميليشيا الدعم السريع في مدينة ود مدني، ومنطقة جنوب الحزام، تجاه مقر قيادة الجيش السوداني وسط الخرطوم وسلاح المدرعات في الجنوب.
وتبدو تلك التصريحات الصادرة عن حميدتي، محاولة من جانبه لفرض أمر واقع، عقب رفضه مساعي "إيجاد" في لقاء جمعه مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان؛ من أجل بحث سبل التوصل إلى حل سياسي في البلاد، بعد الحرب التي تفجرت في منتصف أبريل الماضي.
وقال "البرهان"، خلال كلمة بمناسبة الذكري 68 لاستقلال السودان نقلتها قناة "القاهرة الإخبارية"، إن ميليشيات الدعم السريع مستمرة في تدمير السودان، وتواصل عمليات القتل والتشريد. وأضاف أن الجيش السوداني، سوف يحرر البلاد من العملاء، وينتصرون على المجموعات الإرهابية قريبًا.
تداعيات الاشتباكات
واندلعت الاشتباكات المسلحة في السودان، في منتصف أبريل الماضي، بعد رفض ميليشيا الدعم السريع لخطط الدمج في الجيش الوطني السوداني.
ووفق الأمم المتحدة، أسفرت الحرب في السودان عن مقتل أكثر من 12 ألف شخص، وأدت إلى نزوح أكثر من 7 ملايين سوداني، منهم 1.5 مليون شخص لجأوا إلى الدول المجاورة.
ودفعت المعارك الدامية قرابة 500 ألف شخص للنزوح من الخرطوم إلى ولاية الجزيرة التي ظلت في منأى عن النزاع، حتى تمكنت ميليشيا الدعم السريع من السيطرة على ولاية الجزيرة، أخيرًا، حين تقدمت الميلشيا المتمردة على الطريق السريع الرابط بين الخرطوم ومدينة ود مدني، وسيطرت على قرية تلو أخرى.
وهاجمت ميليشيا الدعم السريع ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، منتصف ديسمبر المنصرم، ما دفع 300 ألف شخص إلى النزوح مجددًا سواء إلى مناطق أخرى في ولاية الجزيرة أو نحو الولايات المجاورة، مثل سنار والقضارف، وفق الأمم المتحدة.
وفى وقت سابق الشهر الماضي، نقلت شبكة "فرانس 24" عن سكان بولاية الجزيرة، أن عناصر الميلشيا المتمردة نهبوا كل شيء، الأسواق السيارات وعربات نقل التجارة والجرارات، فيما انتاب الرعب السيدات والفتيات من التعرض "لعنف جنسي".
كارثة إنسانية وصحية
وتشير تقارير سودانية أيضًا لكارثة إنسانية وصحية مع نفاد المواد الغذائية والصحية، وأدانت وزارة الخارجية السودانية بأقوى العبارات، الجريمة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع المتمردة؛ بنهبها مستودعات برنامج الغذاء العالمي بولاية الجزيرة والاستيلاء على أكثر من 2500 طن من المواد الغذائية، كانت مخصصة لمساعدة النازحين من الحرب التي تشنها ضد الشعب السوداني.
وجددت الوزارة -في بيان السبت الماضي- الدعوة للمجتمع الدولي لتجاوز مرحلة الإدانات اللفظية لجرائم الميليشيا المتمردة، واتخاذ خطوات فعالة لمواجهة هذه الجرائم بتصنيفها جماعة إرهابية، واعتبار داعميها شركاء لها ويتحملون المسؤولية عن إرهابها.
وأشارت إلى ما أوضحه برنامج الغذاء العالمي، من أن هذه المواد الغذائية المنهوبة تكفي لإطعام أكثر من مليون ونصف المليون من المواطنين المتضررين من الحرب، إلى جانب ما تسبب فيه عدوان القوات المتمردة على مدن وقرى ولاية الجزيرة وتشريد مئات الآلاف من المواطنين والنازحين.
وذكرت الخارجية السودانية، أن الممارسات الإرهابية للقوات المتمردة ضد المدنيين العزل في الولاية وسرقتها للآليات الزراعية، ستؤدي إلى تعذر حصاد المحاصيل الغذائية التي تعد ولاية الجزيرة من أكبر مناطق إنتاجها في السودان، واستحالة زراعة محاصيل الموسم الشتوي، ومن أهمها محصول القمح، مما سيفاقم من الأزمة الغذائية بالبلاد، وأن كل هذه الممارسات وما سبقها من جرائم التطهير العرقي والاغتصاب وتدمير البنى التحتية وغيرها من الجرائم، تجسيد لمخطط الإبادة الجماعية الذي تنفذه الميليشيا ضد الشعب السوداني.
خسائر الاقتصاد السوداني
وتوقّـعت دراسة أجراها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، ومقره الولايات المتحدة الأمريكية، خسائر الاقتصاد السوداني خلال فترة الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع بـ(15) مليار دولار بنهاية العام الحالي، وهو ما يُعادل 48% من الناتج المحلي الإجمالي.
وكانت الدراسة قدّرت حجم الخسائر بـ(5) مليارات دولار في الفترة من (أبريل – يونيو)، فيما رجّحت أن تصل إلى (15) مليارًا بنهاية 2023.
وفي وقتٍ سابقٍ، قدّر وزير المالية في الحكومة الانتقالية د. إبراهيم البدوي، حجم الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية للبلاد بنحو 60 مليار دولار؛ وسط توقعات بأن ترتفع الخسائر بشكل كبير في ظل استمرار الحرب، وتوقع البدوي أن يتراجع الناتج المحلي بنحو 20 في المئة إذا لم تتوقّـف الحرب سريعًا.
وبحسب الدراسة؛ انخفض الناتج المحلي الإجمالي في قطاعات الصناعة، الخدمات والزراعة بنسبة (70%، 49%، 21%) على التوالي.
وتوقعت الدراسة التي طُبِّقت على 10 ولايات؛ خسارة 5.2 مليون وظيفة وهو ما يقرب من نصف القوة العاملة في البلاد، بناءً على خسائر قطاعات الصناعة، الخدمات والزراعة.
وتضمّنت الدراسة 10 ولايات من أصل 18 ولاية وهي (ولاية الخرطوم، ولايات دارفور الخمس، ولايات كردفان الثلاث وولاية النيل الأزرق) حسب مُستويات القتال.
وأظهرت الدراسة، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لنظام الأغذية الزراعية بنسبة 22%، ويمثل هذا القطاع 33% من الناتج المحلي الإجمالي، مع خسائر تُقدّر بـ2.2 مليار دولار بنهاية العام.
وخلصت الدراسة إلى أن يرتفع معدل الفقر الوطني بنسبة 4.5 نقطة مئوية مقارنةً بعام 2021، ليصبح 65.6% بنهاية العام. ووفقًا للدراسة، فإنه من المتوقع دخول 1.8 مليون شخص إضافي تحت خط الفقر.