للمرة الثانية في الشهر نفسه، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية، اليوم السبت، أن وزير الدفاع يوآف جالانت، وعضو مجلس الحرب بيني جانتس رفضا مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمره الصحفي اليوم. الأمر الذي حدث قبل ذلك في 2 ديسمبر الماضي، عندما أشار نتنياهو للصحفيين إلى رفض وزير دفاعه مشاركته في المؤتمر الصحفي الذي عقده بقاعدة كيريا العسكرية في تل أبيب، قائلا: إنه "اختار ما اختار".
يأتي رفض جالانت، الذي يتخذ وعضو مجلس الحرب (الكابينت) موقفًا مناهضًا لرؤية رئيس الوزراء حول العدوان على غزة، ليُسلّط الضوء على الأزمة التي بدأت كواليسها في الانكشاف أمام الرأي العام، وبدت في استطلاعات الرأي التي انخفضت فيها شعبية "بيبي" وارتفاع القبول لدى خصمه -ووزيره- بيني جانتس.
دعوات الاستقالة
أمس الجمعة، طالبت المقالة الافتتاحية لصحيفة بوسطن جلوب (Boston Globe) الأمريكية نتنياهو بالاستقالة، واصفة الموقف الحالي بأن الولايات المتحدة تقوم بتزويد إسرائيل بالسلاح، وتدعمها عسكريًا ودبلوماسيًا وماليًا "لكن على الأمريكيين أن يرسلوا إلى إسرائيل رسالة مفادها أن البلاد لن تستمر طويلًا في دعم قائد لم يعد رجل المرحلة المنشود".
وأشارت الافتتاحية إلى أن أغلب المسؤولين في دولة الاحتلال اعترفوا للرأي العام بأخطائهم منذ اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي، حيث اعترف قادة الجيش والمخابرات والأجهزة الأمنية بعدم قدرتهم على توقع هجوم الفصائل الفلسطينية أو صده؛
كما قدّم بعضهم استقالته، ومنهم عضو مجلس الحرب الحالي يوآف جالانت.
لكن "نتنياهو" الوحيد الذي لم يعترف بالتقصير، فقط قال بأن كل الأسئلة التي يوجهها الرأي العام لا مجال لإجابتها إلا في أعقاب انتهاء العدوان. لذلك دعته الصحيفة إلى "تحمل مسؤولياته وتقديم استقالته"، مشيرة إلى ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) الذي أكد أن المسؤولين الأمنيين في تل أبيب حصلوا بالفعل على مخطط حماس قبل عام من تنفيذه.
كما أشارت إلى محاولة زج السلطة الفلسطينية لتولي مسؤولية القطاع في أعقاب العدوان، في مقابل التوقف عن الدعوات لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، الأمر الذي يرفضه نتنياهو، لكنه لم يعرض بديلًا مناسبًا.
وأكد المقال أنه ينبغي على الولايات المتحدة إقناع الرأي العام الإسرائيلي بأن نتنياهو لم يعد رجل المرحلة القادر على حماية الدولة العبرية؛ وأن الموقف الدولي، المتداعي حاليًا، لن ينصلح بوجود "بيبي" في السلطة.
فوق مصلحة إسرائيل
في منتصف ديسمبر الجاري، تساءل اثنان من منتجي الأخبار في شبكة NBC news الأمريكية حول ما إذا كان نتنياهو "يضع مستقبله السياسي فوق مصلحة إسرائيل"؛ حيث قضى وقته طيلة شهري أكتوبر ونوفمبر في العديد من المناورات السياسية، من أجل كسب تأييد شعبي ودعم الإدارة الأمريكية، بينما كان جيش احتلاله يواجه هزائم متلاحقة.
بل، ورفض نتنياهو الحديث مع الرئيس الأمريكي جو بايدن حول "حل الدولتين" واصفًا اتفاقية أوسلو -التي وقعتها إسرائيل مع السلطة الفلسطينية عام 1994- بأنها "خطأ". في محاولة لإظهاره بالمظهر الصلب الذي يليق بأطول رؤساء وزراء الدولة العبرية حكمًا.
ونقل الكاتبان عن مسؤولين من الولايات المتحدة وإسرائيل آراءهما بأن كثيرًا من قرارات نتنياهو بشأن غزة "اتخذها من أجل النجاة سياسيا". كما أكد مسؤول إسرائيلي، رفض ذكر اسمه، أن كل القرارات التي اتخذها "بيبي" كانت تدعم آراء اليمين المتطرف وتأخذها في الاعتبار.
في الوقت نفسه، لفتا إلى أن زعيم المعارضة الحالي، يائير لابيد، أعلن استعداده لتشكيل "حكومة إنقاذ وطني"، يقودها الليكود -حزب نتنياهو- ومشاركة الأحزاب اليمينية والتحالف الذي يقوده بيني جانتس "لكن نتنياهو لا يستطيع قيادتها"، حسب قوله.
الاستطلاعات في صالح جانتس
قبل أيام، أشار تقرير لقناة DW الألمانية إلى أن استطلاعات الرأي في إسرائيل تشير إلى تآكل الدعم الشعبي لنتنياهو، الذي وصفته بأنه "بقي في السلطة أكثر من أي رئيس وزراء آخر في البلاد".
ولفت إلى أن الصور التي تجمع نتنياهو مع أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي (الكابينت) ووزيريه يوآف جالانت وبيني جانتس، ليست سوى "صور مُضللة تهدف إلى إظهار التوافق، بينما في حقيقتها تحاول إخفاء الصدع والانقسام بينهم".
وأوضح أنه مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعدم قدرة نتنياهو على استعادة الرهائن الذين تحتفظ بهم حركة حماس "يزداد الغضب الشعبي على الرجل الذي وعد الشعب الصهيوني بإبقائهم آمنين، لكنه فشل في تحقيق وعده".
وتؤكد القناة الألمانية أنه في مقابل الغضب الشعبي تجاه نتنياهو، بدأ وزير الدفاع السابق وعضو مجلس الحرب الحالي بيني جانتس، في كسب قلوب الإسرائيليين، الذي صار يتقدم استطلاعات الرأي.
ورغم تصريح نتنياهو بأن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي غير قادرة على تولي الأمور في غزة بعد نهاية العدوان؛ إلا أن انحيازه لآراء اليمين المتطرف، والطريقة التي يدير بها عمليات جيش الاحتلال في القطاع تزيد من خسارته، سواء دعم زملائه في مجلس الحرب، أو دعم الإدارة الأمريكية التي بدأت تتضح الخلافات بينها وبين تل أبيب.