فاجأت الجميع بإتقان اللكنة الصعيدية رغم تقديمي لها لأول مرة في "ستهم"
كنا نصور تحت القذائف وانقطاع الكهرباء بسبب الحرب
توليت رئاسة المسرح القومي لمدة 6 سنوات وكانت فترة ازدهار بسوريا
عادل إمام قال لي " أنت جننت المصريين" بعد "ناجي عطاالله"
المنصات لم تؤثر بشكل كبير على الحركة المسرحية ولكن الحرب صاحبة التأثير الأكبر
كتابة سيرتي الذاتية صعبة ومعقدة والأسهل لي كتابة الروايات والعروض
حقق الفنان السوري جهاد سعد شهرة عربية بجولاته خارج سوريا والتي فتحت له أفاقًا جديدة من التعاون في الأعمال المصرية والتونسية والأردنية واللبنانية، وساهم إتقانه للغات الأجنبية في تقديمه أدوارًا بلغات مختلفة، وتنوعت مواهبه ما بين التأليف والإخراج والتمثيل بجانب خبرته في العمل الإداري والأكاديمي.
فتح جهاد سعد دفاتر ذكرياته وقلب في صفحات مسيرته الطويلة التي امتدت لنحو نصف قرن، في حواره مع موقع "القاهرة الإخبارية"، ليتحدث عن علاقته بمصر والسبب وراء عدم استجابته للنصيحة التي أسداها له الراحل زكي طليمات بالعودة إلى فرنسا وتمسكه بالعمل في مصر، متطرقًا لتجربة رئاسته المسرح القومي السوري لمدة 6 سنوات، وتأثير الحرب على الحركة الدرامية والمسرحية والسينمائية، ومدى تأثير المنصات الرقمية على تراجع جمهور المسرح.
شكلت مصر جزءًا من شخصية جهاد سعد، حيث عاش ودرس وعمل بها، وتعلم السينما على يد كبار المخرجين المصريين مثل صلاح أبو سيف، ويوسف شاهين، ليقول عنها: "لم أشعر أبدا أنني في بلد غريب، فمصر هي بلدي الأم وتربيت وعشت فيها وأتقنت الحياة المصرية، فعلاقتي طيبة بكل الفنانين المصريين الذين عملت معهم، ورحبوا بي وكنت أشعر أنني بين أهلي وعائلتي، وقدمت فيها الكثير من الأعمال ففي التلفزيون المصري قدمت مسلسل "لا تطفئ الشمس" مع ميرفت أمين ومسلسل "شطرنج" بالجزء الثالث، "تماسيح النيل"، و"المحروسة" وقدمت دوري باللغة الفرنسية، ومشاركتي في فيلم "فص ملح وداخ" إخراج تامر بسيوني، وغيرها".
برع جهاد سعد في موسم رمضان الماضي بتقديم شخصية "رماح" في مسلسل "ستهم" مع روجينا، ورغم نجاحه بها ولكن وقف أمامه تحدٍ كبير وهو اللكنة الصعيدية التي قدمها لأول مرة في حياته، فيقول عنها: "قدمت تجربة عظيمة وهي صعبة ومريرة في نفس الوقت، فعلى مدار 3 أشهر لم أخرج من الغرفة لتحضير اللكنة الصعيدية التي لم أكن أعرف عنها شيئًا، وفاجأت الجميع بإتقاني اللكنة الصعيدية وروح وعالم الصعيد، وقد حظي العمل بمشاهدة كبيرة في مصر وأتمنى من كل قلبي أن تستمر تجربتي الفنية فيها".
يضيف: "ارتباطي بمصر ارتباط حياة وفن وتعلم، وتتلمذت على يد أساتذة كبار، والذين ساعدوا في تكوين شخصيتي الثقافية، فولدت فنيًا في مصر وتتلمذت على يد هؤلاء العظماء الذين أسسوا علاقتي بالمسرح الكلاسيكي اليوناني، فأنا ابن مصر الشرعي حيث ولدت ولادة جديدة، وتكونت شخصيتي الثقافية والفنية والأدبية في مصر الحبيبة وهي لها فضل علىَّ في كل ما قدمته من سينما ومسرح وتلفزيون".
رغم مشاركة جهاد سعد في العديد من الأعمال المصرية ولكن عمله مع الفنان عادل إمام يمثل علامة فارقة في حياته، ليسرد ذكرياته معه قائلًا: "استمتعت بالشغل مع الفنان عادل إمام في مسلسل فرقة ناجي عطاالله حيث قدمت دور الموساد الإسرائيلي، وقالي لي الزعيم عن هذا الدور (أنت جننت المصريين) وكان عملًا مهمًا ودورًا عظيمًا ويكفي مشاركتي له وللمخرج رامي إمام، كما شاركت الزعيم في مسلسل "مأمون وشركاه" وكان العمل كوميديًا وقدمته باللهجة اللبنانية والمصرية واللغة الإيطالية وصورته ما بين القاهرة وروما".
أسدى زكي طليمات نصيحة لجهاد بالعودة لفرنسا، ولكنه آثر البقاء في مصر وهو ما أضاع عليه فرصة الاحتراف بالخارج، فيقول عن ذلك: "كنت في فرنسا بعد دراسة هندسة العمارة ولم أستطع استكمال الدراسة المسرحية والسينمائية وجئت إلى مصر وجمعني لقاء مع زكي طليمات في مصر وعندما التقيت به قال لي "ماذا تفعل هنا، فقلت له أريد أن أدرس المسرح بمصر فقال لي "ارجع فرنسا أحسن لك يا ابني"، ولكنني أكدت أنني أحب مصر وأريد أن أدرس المسرح بها، فرد قائلًا: "بلادنا بها حرب وليس فن"، فأنا أدرك تأثير الحرب على بلادنا سواء في سوريا حاليًا أو على مصر عام 1967، ولكني صممت على الدراسة بمعهد الفنون المسرحية وتقدمت للدراسة به".
وعن حرصه على تقديم المسرح رغم تراجع الجمهور عن الذهاب للمسارح بعد دخول المنصات الرقمية يقول: "المنصات الرقمية على الإنترنت لم تؤثر كثيرًا على جمهور المسرح، لأن جمهور المسرح مختلف ولا تزال المسارح ممتلئة بالجمهور رغم التطور التكنولوجي بالعالم والذي جذب الناس مثل المنصات واليوتيوب، فالمسرح مسرح وله جمهوره، وتجربتي المسرحية "وجوه" التي أقدمها حاليًا لجمهور اللاذقية السورية رغم هذه الظروف والحرب على غزة وانشغال الناس بها، لكن الجمهور أثبت جدارته وقدرة العرض في جذب الحضور، وامتلأت صالة المسرح بالحضور وتفاعلهم مع العرض، فالجمهور يحتاج إلى الكثير من الطاقة وأفكار جديدة في الأزمات، فالمسرح يرتقي بالجمهور عند الأزمات، فلم تؤثر المنصات بشكل كبير في الحركة المسرحية ولكن الظروف العامة التي مرت بها سوريا وما زالت حتى الآن، صاحبة التأثير الأكبر ورغم ذلك كله لم يحدث أي انحسار للحركة المسرحية.
رغم قدرة جهاد سعد على الكتابة والسرد والحكي ولكنه رفض كتابة سيرته الذاتية، حيث يقول عن ذلك: "من السهل أن أكتب العديد من المسرحيات والروايات ولكن من الصعب أن أكتب سيرتي الذاتية، لأنني أعلم أنها مسألة صعبة جدًا ومعقدة ويدخل فيها العمل والدراسة والحياة والسفر في العديد من أنحاء العالم، فكل ذلك لا يمكن حصره في سيرة ذاتية وقررت كتابة الروايات بدلًا من كتابة سيرتي الذاتية ويبقى الباقي للزمن والتاريخ".
تولى إدارة المسرح القومي السوري لنحو 6 سنوات، إذ وصفها بمرحلة الازدهار للمسرح السوري ليقول عن ذلك: "تسلمت إدارة المسرح القومي السوري منذ عام 1993 حتى عام 1999 لمدة 7 سنوات، وكانت مرحلة ازدهار في المسرح السوري والمعهد العالي للفنون المسرحية وزارة الثقافة، وعلى مدار 6 سنوات أنتج المسرح القومي أكثر من 52 مسرحية، وكانت تجربة عظيمة وأعطتني الكثير من الخبرات والإشراف على العروض التي قدمت في هذه الفترة، وكان التفرغ للمسرح القومي جزءًا من عملي حيث لم أتوقف عن الإخراج مثل مسرحية "أواكس" وعرضت في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، ومسرحية " كاليجولا" والتي حصلت على جائزة أفضل إخراج من مهرجان قرطاج للمسرح بتونس، وكنت أعمل وأدير المسرح وأعمل أيضًا في السينما والتلفزيون وكانت مليئة بالزخم والعطاء في سوريا، وحقق المسرح القومي 6 أعمال بقيت في ذاكرة الجمهور، وإقبالا كبيرًا".
يرى أن الحرب السورية أثرت على المسرح والدراما في بلاده، فيقول: "تأثير الحرب في سوريا له شقين، إذ أثرت على قلة العروض وسيرها، ولكن استمر المسرح بدون توقف رغم كل الضغوطات الموجودة، كان هناك عروض مضيئة ومنها "هيستيريا" التي كتبتها وأخرجتها بعد ورشة عمل 4 أشهر، وعرض في دمشق عام 2014، وكان في أقصى أيام الحرب، وكانت الصواريخ تقصف من فوق المسرح مع انقطاع الكهرباء، واستمرت وعرضت في عدد من المهرجانات".
يتابع: "لقد مرت الدراما السورية بمحنة كبيرة تسمى الحرب، ولكنها لم تنقطع يومًا واحدًا عن التصوير رغم كل الضغوط، وكنا نصور تحت القذائف وليلًا وفي كل مكان، ومرت الدراما بمرحلة انعطاف شديد ضمن الظروف، وبدأت بعض الأعمال تظهر كنتيجة لبعض القصص التي حدثت في الحرب، وتعود الدراما السورية إلى الواقع السوري منذ فترة مع تنوع شديد في الموضوعات بعد الحرب التي تعطي أفكارًا جديدة، والدراما السورية حاليًا في مرحلة شفاء وتعافٍ بعد الحرب، ورغم أنني لم أعمل منذ فترة طويلة في الدراما السورية لتركيزي في أعمال لبنانية وأعمال مشتركة في دبي وأبوظبي والتي صورت بممثلين سوريين ولبنانين ومصريين، لكنني أتمنى أن تعود الدراما السورية لسابق عهدها من قوة وزخم".