شهدت إسرائيل هدوءًا نسبيًا على الساحة السياسية منذ عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها فصائل المقاومة في 7 أكتوبر الماضي، إلا أن بوادر التوتر بدأت تظهر أخيرًا بين الأحزاب السياسية، مع اقتراب المرحلة الأولى من العدوان على غزة من نهايتها. ويُشير تقرير صادر عن مجلة "بوليتيكو" الأمريكية إلى أن الأسابيع المقبلة ستشهد نهاية مُحتملة لحكم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو الطويل، إذ يلقي الكثير من الإسرائيليين باللوم عليه لفشله في منع الهجوم الأمني الكارثي في السابع من أكتوبر.
وتوضح المجلة أن بيني جانتس، وزير الدفاع الأسبق، يُعد المرشح الأبرز لتحدي نتنياهو وإنهاء حياته السياسية الطويلة، إذ قبل الهجوم، أعرب جانتس عن قلقه إزاء الاتجاه "شديد التطرف" الذي يتخذه نتنياهو وحلفاؤه، لكنه بعد 7 أكتوبر كان لا يزال مُستعدًا للانضمام إلى حكومة نتنياهو "من أجل الوحدة الوطنية"، على حد زعمه.
وقد ارتفعت أرقام جانتس في استطلاعات الرأي إلى أعلى مستوى، في حين هبطت أرقام نتنياهو إلى أدنى مستوى على الإطلاق.
لحظة الصفر
سينطلق جانتس، الرئيس السابق لأركان الجيش، في استئناف الحياة السياسية بمجرد قرار مُغادرة الحكومة، بحسب نمرود جورن، أكاديمي ومحلل في معهد الشرق الأوسط.
ويضيف "جورن" لـ"بوليتيكو": "ستكون لحظة مغادرة "بيني" الحكومة هي اللحظة الحاسمة التي سيتغير معها الخطاب السياسي العام بين عشية وضحاها".
وهناك علامات واضحة على أن الأمور بدأت بالفعل تتغير، إذ اعترض جانتس هذا الأسبوع بشدة على إذابة الجمود عن مئات ملايين الشواكل من الأموال السياسية المخصصة للأحزاب الدينية المتطرفة واليمينية المؤيدة للمستوطنات.
وأعلن جانتس يوم الأحد أن وزراء حزبه الخمسة سيصوتون ضد التغييرات في الميزانية.
وفي رسالة إلى نتنياهو، انتقد جانتس "توزيع أموال الائتلاف أو أي ميزانية إضافية لا علاقة لها بالجهد الحربي أو تعزيز النمو الاقتصادي".
تشير المجلة إلى أن نتنياهو وجانتس ووزير الدفاع الحالي يوآف جالانت، امتنعوا عن إظهار شخصياتهم الفائقة والسيطرة على العداء الشخصي بينهم؛ من أجل وحدة إسرائيل. ومع ذلك، غالبًا ما تكون اجتماعات مجلس الوزراء الحربي صاخبة ومتوترة، بحسب مسؤولين إسرائيليين لهما إمكانية الوصول إلى الجلسات.
ضغوط الائتلاف والمعارضة
وبالمثل، في حين رفض الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية، تجنب يائير لابيد، زعيم المعارضة، الانضمام إلى مجموعة من السياسيين في الدعوة إلى استقالة نتنياهو.
وفي 15 نوفمبر، دعا في النهاية نتنياهو إلى التنحي جانبًا، وردًا على هجمات حزب الليكود، أكد لابيد أنه يريد رئيس وزراء جديدًا، وليس بالضرورة حزبًا حاكمًا جديدًا.
وواجه نتنياهو صعوبة في ضبط شركائه من الائتلاف اليميني المتطرف، فقد ظل بعضهم يلعب على وتر قواعدهم المؤيدة ويدعو إلى سياسات أكثر تطرفًا، بما في ذلك منع أي مساعدات إنسانية إلى غزة، وضم القطاع، أو حتى نسفه نوويًا.
ووجهت اتهامات لنتنياهو نفسه بـ "التشهير السياسي" بعد إصداره سلسلة من البيانات المنقسمة التي تلقي باللوم على الجيش وقادة المخابرات لفشلهم في منع الهجوم في 7 أكتوبر.
ورفض نتنياهو تحمل أي مسؤولية عن الفشل الأمني، قائلًا إن ما حدث يجب تقييمه لاحقًا، على الأرجح عندما يأمل أن تتعافى أرقامه في استطلاعات الرأي.
ولم يساعد هذا الهروب من المسؤولية على استعادة شعبية نتنياهو، إذ لم يحصل رئيس الوزراء الإسرائيلي على أي دفعة من الحرب في استطلاعات الرأي، بخلاف جانتس.
صعود نجم جانتس
وفي استطلاع للرأي منتصف أكتوبر، فضّل 41% من المستطلعين أن يصبح جانتس رئيس الوزراء. واختار فقط 25% نتنياهو، وقال استطلاع انتخابي آخر إن حزب الوحدة الوطنية بقيادة جانتس قد يرتفع عدد مقاعده إلى 43 مقعدًا من 12 فقط حاليًا إذا أُجريت الانتخابات.
ويعتقد معظم الإسرائيليين أن هجوم الفصائل كشف عن "فوضى قيادية"، حيث يريد ثلثا الإسرائيليين أي شخص سوى نتنياهو لقيادة البلاد، وفي استطلاع آخر، اعتبر 44% من المستطلعين نتنياهو مسؤولًا عمّا حدث في 7 أكتوبر.
وتوضح المجلة أنه يجب على خصوم نتنياهو الانتظار للوقت المناسب لمواجهته، خشية من مهاراته السياسية وتاريخه في العودة من مواقف مستحيلة ظاهريًا.
وخلف الكواليس، تجري الأحزاب المعارضة محادثات مع عشرات من أعضاء الكنيست المعتدلين في حزب الليكود؛ لمعرفة ما إذا كانوا سيدعمون تصويت سحب الثقة.
كما يناقش قادة حركة الاحتجاج التي تضم أكثر من 200 جماعة معارضة للتغييرات القضائية المثيرة للجدل التي اقترحها نتنياهو، متى يجب أن تندلع مرة أخرى بهدف إسقاطه.
ويخشى المحتجون أنه إذا لم يتحركوا، فقد يستمر نتنياهو؛ رغم استقالة قادة الأجهزة الأمنية والجيش، مما سيكون كارثيًا لإسرائيل.