الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الهروب من الموت.. روايات "مريرة" للنازحين من شمال غزة

  • مشاركة :
post-title
إحدى العائلات النازحة - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - أحمد أنور

قصة تتشابك خيوطها وفصولها، كتبها الفلسطينيون خلال الحرب على غزة الدائرة رحاها منذ 51 يومًا، دون أن يضعوا لها نهاية، فالمشاهد تعيد نفسها وتسمح لمطالعها أن يتخيل حجم المأساة، بين عالم غزة التي تضيق بسكانها، إلى خروج لغير وجهة محددة، إلى أي أرض لم تطلها قذائف جيش الاحتلال.

وخلال الهدنة الإنسانية التي تمت بوساطة مصرية قطرية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التقطت غزة أنفاسها، واستراح سكانها من عناء الاحتماء من طلقات العدو، ومن بين هؤلاء أربعة أشخاص يحاولون البقاء على قيد الحياة، ومن خلال هواتف تغيب عنها الشبكة أكثر الأوقات، أخذوا في توثيق معاناتهم، وتأريخ هروبهم من الموت ومن اليأس في آن واحد.

بيت "عودة".. حلم تحول إلى كابوس

أنهى "عودة" بناء منزله الذي استغرق منه وقتًا كبيرًا، نظرًا لصعوبة الوضع الاقتصادي المحاصر منذ عام 2006، وكان من المخطط أن ينتقل بصحبة عائلته للمنزل الذي أنفق عليه جميع مدخراته خلال عمله لدى وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، "الأونروا"، في يوم السابع من أكتوبر، الذي تزامن مع عملية "طوفان الأقصى"، بحسب "أسوشيتد برس".

واستيقظ حسين عودة في ذلك الصباح على وابل من صواريخ الفصائل الفلسطينية، وعرف أن الرد الإسرائيلي سيكون سريعًا، فكان تفكيره الأول ضرورة تأجيل هذه الخطوة.

وفي غضون أيام، انهار عالمه بسرعة مذهلة، بعد أن دُمرت شقة "عودة" الجديدة في إحدى الغارات الجوية، وقُتل أحد أعز أصدقائه في غارة جوية أخرى.

لم يكن أمامه هو وعائلته المكونة من 15 شخصًا غير الفرار في سيارتين، قبل أن يصبحوا جزءًا بين 22 ألف شخص لجأوا إلى مركز التدريب المهني التابع للأمم المتحدة في خان يونس، في أوضاع مأساوية إذ يوجد 24 حمامًا، ما يعني أن أكثر من 900 شخص يتقاسمون مرحاضًا واحدً، ولا توجد أسرة أو مراتب أو مياه جارية.

حسين عودة بصحبة عائلته
آية الوكيل.. رحلة نزوح مع والدها المصاب بالشلل

تحلم آية الوكيل، المحامية، بحياة وحقوق أفضل للمرأة، وعندما اندلعت الحرب، ظلت تركز على الحق في حياة كريمة، وجمعت الأموال لتوفير الضروريات للآلاف الذين اتبعوا بالنزوح إلى الشمال، لكنها وعائلتها صمموا على ألا يكونوا من بينهم، خوفًا من تغريبة جديدة، وتكرار نكبة " عام 1948، عندما تم طرد نحو 700 ألف فلسطيني أو فروا من منازلهم.

لن نرحل ولن نعطيهم ما يريدون ما كتبه الله سيحدث".. شعار رفعته عائلة الوكيل قبل أن يستسلموا في النهاية لقصف منزلهم وحصاره، بعد أن مكثوا لمدة 12 يومًا مع والديها وشقيقتها وإخوتها وأعمامها في مبنى العائلة عندما سقطت القنابل بالقرب منهم.

قصف جيش الاحتلال منزلها، قامت هي وجيرانها بسحب والدها المصاب بالشلل الجزئي إلى بر الأمان، حمله أربعة أشخاص، وطلب منهم والدها مرتين أن يتركوه ليموت.

تمكنت آية من حمله خارجًا، لكنهم لم يسلموا من القصف الذي فرقهم، ثم اجتمع شملهم لاحقًا في مستشفى الشفاء.

ومع حصار حلقة النار كما وصفته، كتب آية الوكيل: "أنا آسفة، لا أستطيع البقاء على اتصال الآن، الوضع مرعب منذ أن غادرت المنزل في 19 أكتوبر، استحممت مرة واحدة ولم أغير ملابسي، ولا يوجد إنترنت".

مخيمات اللجوء
 أسعد علاء الدين.. قسم عائلته نصفين لضمان الحياة

هرب أسعد علاء الدين من منزله، القريب من الحدود الإسرائيلية، قاصدًا وسط مدينة غزة، وهي عادة المكان الأكثر أمانًا في الحروب السابقة.

وفي 11 أكتوبر، حوصر وحيدًا في مكتب بوسط المدينة بسبب الدخان اللاذع الناتج عن القنابل الإسرائيلية، وبحلول صباح اليوم التالي، غامر بالذهاب إلى منزل جده، لينضم إلى عائلته المباشرة، الذي انصاعوا لرغبة والدته بتقسيم أنفسهم ليضمنوا أن فريقًا منهم سيضمن البقاء على قيد الحياة.

انطلقوا في السابعة من صباح يوم 13 أكتوبر، وهو اليوم الذي أمر فيه الجيش الإسرائيلي بإخلاء مليون فلسطيني في شمال غزة توجه هو ووالدته وشقيقته إلى رفح، ولم يتمكنوا من البقاء طويلًا، بعد أن طلب منهم مضيفوهم المغادرة لأنهم كانوا يخشون أن يؤدي تصوير علاء الدين للحرب إلى تعريضهم للخطر.

لقد تفككت النواة الأخيرة لعائلته، وذهبت والدته وشقيقته إلى خان يونس، وتاهت عائلته في رحلة النزوح.

جيش الاحتلال الإسرائيلي
سالم الريس.. غسيل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع

استيقظ سالم الريس، الذي يعمل صحفيًا، على صرخات ابنته من صوت مئات الصواريخ المنطلقة في وقت مبكر من يوم 7 أكتوبر الماضي، ونبهته إلى أحداث عملية "طوفان الأقصى".

في البداية، اعتقد أنها صواريخ أطلقتها الفصائل الفلسطينية ردًا على هجوم إسرائيلي، واعتاد الصحفي البالغ من العمر 37 عامًا، الذي غطى جميع حروب غزة منذ عام 2008، على تلك الأوضاع ولم يشعر أبدًا بالحاجة إلى تخزين الإمدادات في الماضي.

كانت والدته تحتاج إلى غسيل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع، وكانت مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وهو الأكبر في القطاع، مكتظ بالفعل.

وفي 13 أكتوبر، اصطحب زوجته وأطفاله إلى شقة في خان يونس، ثم عاد من أجل والديه، وأخذهما إلى مخيم للاجئين في وسط غزة بالقرب من مركز طبي يقدم خدمات غسيل الكلى.

استقر سالم في مستشفى خان يونس، ثاني أكبر مستشفى في غزة، حيث وثق التفجيرات وطوفان القتلى والجرحى.

كانت قطعة الخبز القديمة هي الوجبة الوحيدة التي تناولها الريس، وكشفت كلماته عن حجم المأساة التي يتعرض لها حين قال :"نحن لا نأكل جيدًا، نحن لا ننام جيدًا، نحن نمرض بسهولة، ناهيك عن الصواريخ وأي شيء آخر يطلقونه علينا".