وضعت إسرائيل، هدف القضاء على المقاومة الفلسطينية، على رأس أولياتها من حرب الإبادة التي تشنّها على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضي، تحت مسمى "السيوف الحديدية"، ردًا على عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة ضدها، وكبدتها خسائر غير مسبوقة في تاريخ الصراع.
ومنذ أكثر من أسبوعين، بدأ جيش الاحتلال حربه البرية على القطاع، في ظل قصف متواصل، لتظهر الأيام أن القضاء على المقاومة ليس أمرًا سهلًا، وأنها قد تكون مجرد طموحات إسرائيلية غربية، ورغم ذلك يناقش الغرب وحكومة الاحتلال مستقبل القطاع، ويرسمونه في ظل سيناريو واحد مفاده أن المقاومة الفلسطينية قد تم القضاء عليها.
في مؤتمر صحفي، اليوم الجمعة، قال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إنه يرفض التهجير القسري للفلسطينيين، وإعادة احتلال قطاع غزة من قبل إسرائيل.
وقال "بوريل"، في المؤتمر الذي جمعه مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، إن إسرائيل عليها احترام القانون الدولي، مشيرًا إلى ضرورة عودة السلطة الفلسطينية لإدارة الوضع في غزة، قائلًا: علينا التحرك دبلوماسيًا لدعم حل الدولتين واتخاذ خطوات عملية نحو السلام.
وفي تصريحات سابقة، كشف بوريل، عن أن الاتحاد يرى أن الوجود الأمني الإسرائيلي في غزة لا يجب أن يستمر، وأن غزة جزء أساسي من أي دولة فلسطينية مستقلة.
القضاء على المقاومة
وفي مقابل كل الدعوات لوقف إطلاق النار، خرج وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، ليؤكد أن العملية العسكرية في غزة "مستمرة حتى القضاء على حماس".
وفي حديثه مع مبعوث البيت الأبيض بريت ماكجورك، قال "جالانت"، إن إسرائيل لن توقف عمليتها حتى تدمر حماس وتعيد الرهائن، ومع التأكيد الإسرائيلي تتزايد السيناريوهات حول مستقبل القطاع حال تحقيق الهدف الإسرائيلي.
وتقول الولايات المتحدة إن الفلسطينيين يجب أن يتولوا إدارة شؤون غزة بعد الحرب، إلا أن سبل تحقيق ذلك على أرض الواقع غير واضحة بعد، إذ قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن عودة السلطة الفلسطينية للقطاع مشروطة بأن يكون هناك حل سياسي شامل يتضمن الضفة الغربية المحتلة.
وأكد الرئيس الفلسطيني، أن السلطة الفلسطينية، يمكن أن تكون جزءًا من حل سياسي أوسع مع إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مؤكدًا أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، وأن الحكومة ستتحمل مسؤوليتها كاملة في إطار حل سياسي شامل على كل من الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة.
حديث الرئيس الفلسطيني يأتي في ظل تعثر المحاولات لإقامة دولة منذ نحو 10 سنوات، بعد فشل آخر جولة من محادثات السلام التي توسطت فيها الولايات المتحدة عام 2014، ورغم الدعم الكبير الدولي لحل الدولتين، لم تظهر أي علامات واضحة على انفراجة حتى الآن.
الخطة لا تسير على ما يرام
لكن مع مرور 42 يومًا من الحرب المعلنة على قطاع غزة، يبدو أن خطة إسرائيل لا تسير على ما يرام، وهدف القضاء على حماس، في غاية الصعوبة، حتى إن صحيفة "هآرتس" العبرية اعتبرت أن هدف القضاء على حماس مجرد طموحات، خاصة مع استمرار القصف والحرب البرية دون نتائج تسير باتجاه ما خططت له تل أبيب.
قوة حفظ سلام
ورغم تلك المؤشرات، ذكرت وكالة بلومبرج، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون إلى وضع خطة لنشر قوة حفظ سلام دولية في قطاع غزة بعد الحرب.
ونقلت الوكالة عن مصادر، أن المسؤولين الأمريكيين يقرون بوجود الكثير من اللغط حول قابلية الخطة للتنفيذ، في ظل تشكيك إسرائيلي في مثل هذا المقترح.
قوة متعددة الجنسيات
وأشارت "ذا جارديان"، إلى أن إسرائيل في ظل عدائها مع الأمم المتحدة سوف تعارض أي قوة لحفظ السلام، ما يترك خيارًا آخر، وهو قوة متعددة الجنسيات، ويمكن أن يكون فيها مكون عربي، يشرف على تنفيذ البنود الأمنية.
وفي هذا الصدد، قال عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي، فان هولين وريتشارد بلومنثال، إن واشنطن تدرس مسألة إرسال قوة متعددة الجنسيات إلى قطاع غزة بعد القضاء على حماس.
وبحسب "هولين"، لا يزال التشكيل المحتمل لقوة دولية في إطار "مناقشات هشة"، وأنه حال تشكيلها ستدخل إلى غزة كحلٍ مؤقت للفترة الانتقالية.
وبحسب وكالة "بلومبرج" تدرس الولايات المتحدة وإسرائيل إمكانية إرسال قوات متعددة الجنسيات إلى قطاع غزة، قد تشمل الجيش الأمريكي، بعد "تصفية" حركة حماس، وأيضا إمكانية توفير سيطرة مؤقتة لدول المنطقة على القطاع، بدعم من قوات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وبحسب الوكالة، فإن أحد الخيارات التي يتم دراستها تتمثل في توسيع هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة "يونتسو"، التي تأسست عام 1949 للمساعدة في تنفيذ الاتفاقيات بين الجانبين في أعقاب الحرب، لكن المسؤولين الإسرائيليين يؤكدون أن أي خطة لمستقبل غزة يجب أن تشمل تدمير "حماس"، ونزع السلام من القطاع، إضافة إلى السيطرة الأمنية عليه.
السيطرة العسكرية
هذه الطموحات الإسرائيلية، أعلن عنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث قال إن إسرائيل تسعى للسيطرة العسكرية على القطاع كسيطرتها على الضفة الغربية المُحتلة، وبالتالي ستتواصل العملية العسكرية البرية في القطاع، حتى تضمن إسرائيل "عدم وجود تهديد منه".
البيت الأبيض
في تصريحات سابقة، قال البيت الأبيض إنه لا يعتقد أن قوات إسرائيل يجب أن تعيد احتلال غزة، ردًا على تصريحات نتنياهو التي تحدث فيها أن بلادة ستتحمل المسؤولية الأمنية الشاملة في القطاع بعد انتهاء الحرب.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، إن بايدن يعتقد أن إعادة احتلال القوات الإسرائيلية لغزة ليس بالأمر الجيد، وليس في مصالح إسرائيل.
لكنه أكد أنه مهما كان الأمر، فإنه لا يمكن أن يكون كما كان في 6 أكتوبر، وأن حماس لا يمكن أن تكون في الحكم.
وتحدثت مصادر إسرائيلية، أن هناك خطة بعد الحرب في غزة، تتمثل في إقامة شكل من أشكال السلطة الانتقالية، ربما تشمل دولًا عربية مما يؤدي لإعادتها للسلطة الفلسطينية.
هذا السيناريو ردّ عليه محمد أشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني، بأن السلطة لن تعود إلى حكم غزة دون اتفاق شامل، يتضمن ضم الضفة الغربية في دولة فلسطينية موحدة.
وعن خروج إسرائيل من قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في تصريحات للقناة 12 الإسرائيلية، إن النصيحة الأمريكية بمغادرة قطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب، مرفوضة، مشيرًا إلى أنه ستكون هناك سيطرة عملياتية للجيش الإسرائيلي لسنوات، وأيده في ذلك البروفيسور، جاكوب ناجل، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والذي قال إن إسرائيل لا يمكنها المخاطرة بالتخلي عن سيطرتها الأمنية على قطاع غزة، بحسب "ذا جارديان".
الشيء المشترك في كل السيناريوهات، هو أن "حماس"، لن يكون لها وجود في حكم غزة، لكن الأوضاع على أرض الواقع حتى الآن، لا تشير إلى انكسار للمقاومة الفلسطينية في القطاع.