نجحت الجهود التي تقوم بها القيادة المصرية، 23 أكتوبر 2023، في تحرير رهينتين إسرائيليتين، نوريت كوبر "79 عامًا" ويوشيفيد ليفشيتز "85 عامًا"، كانوا بحوزة فصائل المقاومة الفلسطينية، عقب إطلاق عملية "طوفان الأقصى"، فجر السابع من أكتوبر 2023، التي أدت إلى وقوع ما يزيد على 230 أسيرًا في قبضة المقاومة، منهم 138 أسيرًا من جنسيات متعددة، من بينها "أمريكا، روسيا، أوكرانيا، كمبوديا، فرنسا، البرازيل، سريلانكا، الفلبين، تشيلي، والصين"، وفقًا لما أعلنته حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
تحركات إقليمية ودولية
أعاد تحرير الأسيرتين الإسرائيليتين، الأنظار إلى الدولة المصرية والدور الذي يمكن أن تلعبه في تحرير باقي الرهائن، استنادًا للنجاحات التي حققتها مصر على مدار السنوات الماضية في هذا الملف، التي يمكن أن تحققها في الوقت الراهن، على النحو التالي:
(*) حرص مصري على إطلاق سراح الأسرى المحتجزين بقطاع غزة: لم تخف القيادة المصرية مساعيها من أجل التحرك لإطلاق سراح المحتجزين لدى حركة حماس، خاصة النساء والأطفال وكبار السن، إذ أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، 28 أكتوبر الماضي، خلال كلمته في افتتاح النسخة الثانية من الملتقى والمعرض الدولي السنوي للصناعة، بأن مصر تبذل جهودًا بملف الأسرى، قائلًا: "مصر حريصة على أن يكون لها دور إيجابي في تخفيف حدة الأزمة في قطاع غزة، من خلال إطلاق سراح الأسرى والرهائن الموجودين في قطاع غزة"، كما كشف أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في تصريحات صحفية، 28 أكتوبر الماضي، بأن "ملف الأسرى من أهم الملفات التي تتحرك فيها مصر، من خلال إجراء اتصالات مستمرة مع مختلف الأطراف المعنية لحل أزمة المحتجزين لدى حماس".
(*) مباحثات مصرية مع المقاومة الفلسطينية بشأن "الأسرى": عقب يوم واحد من عملية "طوفان الأقصى" فقد سلطت عدد من وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، الضوء على الدور المصري في ملف الأسرى، والتفاوض مع فصائل المقاومة الفلسطينية بشأن هذا الملف، إذ كشفت وكالة رويترز البريطانية بأن كل من مصر وقطر يمكنهم من خلال التواصل مع "حماس" المساهمة في الإفراج عن الأسرى خاصة المدنيين وليس العسكريين في الوقت الراهن.
(*) تحركات غربية مكثفة نحو مصر من أجل الأسرى: عقب عملية "طوفان الأقصى"، وضعت الدول الأوروبية نُصب أعينها على التحرك نحو مصر التي تمتلك باعًا طويلًا في إدارة ملف القضية الفلسطينية هذا بجانب دورها في تحرير الأسرى، وفي الفترة من (8 – 26 أكتوبر 2023)، زار مصر عددًا من القادة الأوروبيين أبرزهم: الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، جورجيا ميلوني، رئيسية وزراء إيطاليا، ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، والمستشار الألماني أولاف شولتس، وركزت مباحثات هؤلاء القادة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وسبل التوصل لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ، وبجانب ذلك لم تخلو مباحثات المسؤولين الأوروبيين مع الرئيس السيسي من التركيز على "ملف الأسرى"، الذي يعد "أولوية" بالنسبة للدول الأوروبية، التي تسعى في إطار هذه التحركات لتعزيز التعاون والتنسيق خاصة مع القوى الفاعلة في الحرب لتسويتها والإفراج العاجل عن "الرهائن"، نظرًا لأن استمرار احتجازهم سيشكل عامل ضغط على الحكومة من قبل المواطنين وعائلات الأسرى بهذه البلدان.
(*) مباحثات مصرية أمريكية لضمان إطلاق "سراح الرهائن": تجدر الإشارة إن أمريكا من أكثر البلدان حرصًا على التوصل لحل بشأن ملف الأسرى، وهو ما دفعها للتحرك على مستويات عدة من أجل تحرير الرهائن، الأول بـ"إرسال فريق من قوات العمليات الخاصة إلى إسرائيل، لمساعدتها في المعلومات الاستخباراتية الخاصة بمحاولة تحديد مكان الرهائن وإنقاذهم"، وفقًا لما أعلنه مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية لشبكة "سي إن إن الأمريكية"، والتحرك الثاني، بالتواصل مع الدول التي يمكنها إجراء اتصالات مع فصائل المقاومة الفلسطينية بشأن ملف الأسرى، وتحديدًا مصر وقطر، وهو السبب في زيارة أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، القاهرة، 15 أكتوبر الماضي، إذ أكد خلال جزء من مباحثاته مع الرئيس السيسي، أهمية تسهيل العبور الآمن للمواطنين الأمريكيين وأفراد أسرهم من غزة، كما أن الرئيس جو بايدن، خلال اتصال هاتفي مع نظيره المصري، 29 أكتوبر الماضي، استعرض جهود واشنطن الرامية لضمان إطلاق سراح الرهائن.
(*) تحركات إسرائيلية لدعوة مصر للإفراج عن الأسرى: يعي الشارع الإسرائيلي جيدًا الدول التي يمكنها التدخل والتوصل لحل بشأن ملف الأسرى، ونظرًا لكون مصر حققت نجاحات كثيرة في هذا الملف على مدار السنوات الماضية، ولدورها في إدارة القضية الفلسطينية وقدرتها على الضغط على طرفي الصراع وإقناعهم بإتمام صفقة التبادل، ولعل هذا السبب الرئيسي في خروج أسر المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس في تظاهرات، 26 أكتوبر الماضي، أمام السفارة المصرية في تل أبيب، ورفعوا لافتات كتب عليها "أحضروهم" للمطالبة بالإفراج عن ذويهم المحتجزين، كما أصدرت منظمة إسرائيلية تم تشكيلها للحديث نيابة عن أهالي الأسرى تطلق على نفسها اسم "أعيدوهم إلى الوطن الآن"، بيانًا دعت فيه بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لضرورة الإفراج عن الأسرى والتوقف عن إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
دبلوماسية مصرية
في ضوء التحركات سالفة الذكر، يمكن القول إن تسليط الضوء وتكثيف التحركات لدفع مصر لإدارة ملف الأسرى، ينبع من ثلاثة أسباب،
(&) السبب الأول، يكمن في الدور التاريخي لمصر في إدارة الأزمة الفلسطينية، إذ لطالما كانت الإدارة المصرية حريصة على التعاون مع مختلف الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي، من أجل محاولة التوصل لحل يحقق تطلعات ومصالح الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ولم تحاول القاهرة بأي حال من الأحوال كغيرها الاتجار بالقضية الفلسطينية، وهو ما يكشف السبب في توافد عدد من القادة الأوروبيين إلى القاهرة وإجراء مباحثات مع الرئيس السيسي، من أجل إدارة الأوضاع في قطاع غزة.
(&) السبب الثاني، يكمن في المكانة التي تحظى بها القاهرة على الصعيد الإقليمي، وحرصها المتواصل على دعوة دول المنطقة من أجل التفاوض وبحث سبل تعزيز التعاون المشترك للتوصل لحل للقضية الفلسطينية، ولعل القمم الثلاثية التي عقدها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع نظيريه الفلسطيني محمود عباس والأردني الملك عبدالله الثاني، خلال الأشهر القليلة الماضية، خير دليل على ذلك هذا بجانب "قمة القاهرة للسلام" التي دعا إليها الرئيس المصري، وعقدت 21 أكتوبر الماضي، وضمت عددًا من الدول والمنظمات الإقليمية بل والدولية، لبحث سبل تسوية شاملة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، بموجب حل الدولتين.
(&) السبب الثالث، يرجع إلى إلمام الدولة المصرية بملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والدور الواعي لمؤسسات الدولة على مدار السنوات الماضية في إدارة "ملف الأسرى" بل وحل أي خلافات بين الأطراف الفلسطينية، ولطالما أكد قادة حماس أهمية الدور المصري في أزمة فلسطين، واستجابوا في أوقات كثيرة لجهود مصرية بشأن الإفراج عن الأسرى، ولعل إعلان حركة حماس في بيان لها، 26 أكتوبر الماضي، إجراء رئيس المكتب السياسي للحركة "إسماعيل هنية" مباحثات مع المسؤولين في مصر، لمناقشة تطورات الأوضاع المتعلقة بقطاع غزة وبحث ملف المساعدات الإنسانية، خير دليل على أهمية الدور المصري.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن ملف الأسرى الذي يعد الأبرز والأهم في الوقت الراهن لحكومة الاحتلال الإسرائيلي التي تتعرض لضغوط من الشارع الإسرائيلي، خاصة من عائلات الأسرى للإفراج عن ذويهم، قد يدفع بـ"نتنياهو" لتكثيف الاتصالات مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية، من أجل محاولة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وفي الوقت ذاته، قد يرضخ رئيس حكومة الاحتلال لمطالب حركة حماس التي دعت للإفراج عن الفلسطينيين في سجون الاحتلال مقابل الأسرى الإسرائيليين، وفق قاعدة "الكل مقابل الكل".
وفي ضوء ذلك ستلعب مصر خلال الفترة المقبلة دورًا مكثفًا للوساطة بين حركة "حماس" وإسرائيل، للإفراج عن الأسرى المحتجزين في غزة، سواء باستضافة قادة حماس على أراضيها أو بإجراء اتصالات مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالإفراج عن الأسرى، خاصة في ضوء تصاعد حدة الانتهاكات الإسرائيلية على قطاع غزة.