في الأونة الأخيرة، شهدت فرنسا تراجعًا كبيرًا في موقفها تجاه حرية التعبير، وذلك بسبب الأحداث المتصاعدة في غزة وتأثيرها على المشهد السياسي الفرنسي، إذ تحاول السلطات الفرنسية قمع أي تعبير يدعم القضية الفلسطينية ووصفه بأنه "دعم للإرهاب".
التطورات الأخيرة
منذ بداية أكتوبر الماضي، تعيش أوروبا أحداثًا مروعة تؤثر بشكل كبير على الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، على خلفية عملية طوفان الأقصى، وأشار الباحث لوران بونفوا من المعهد الوطني للبحث العلمي، في مقال بموقع "أوريان 21" إلى أن فرنسا من بين الدول التي تتأثر بهذه الأحداث بشكل خاص، إذ تلاشت مساحة التعبير المتبقية في البلاد، وخاصة في ظل تضيق الدعم على الحقوق الفلسطينية، لتتراجع بشكل كبير في الدفاع عن حرية التعبير.
حظر المظاهرات وتقييد الحريات
وأكد بونفوا منذ اللحظة الأولى لتصاعد الأحداث في غزة، اتخذت السلطات الفرنسية إجراءات صارمة لقمع المظاهرات وتقييد حرية التعبير، إذ أصدر وزير الداخلية الفرنسي تعليمات تحظر المظاهرات، وأصدر وزير العدل تعميمًا لتوسيع نطاق القيود المفروضة على حرية التعبير فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ويرى أن دعم فصائل المقاومة الفلسطينية "يعتبر دعمًا للإرهاب".
التناقضات والتضييق
وسلط الكاتب الضوء على تناقضات مجلس الدولة الفرنسي في موقفه من المظاهرات، بعدما حظرها في باريس وسمح بها في مرسيليا، كما استعرض قضية طرد الناشطة الفلسطينية مريم أبو دقة، واعتبرها مثالًا على انجراف السلطة العامة في فرنسا.
وأقر المجلس بأنه "لم يتمّ لحظ أي إضرار مادي بالانتظام العام" خلال النشاطات العامة التي نظمتهابها أبو دقة (72 عامًا) على الأراضي الفرنسية، وفق "فرانس برس".
إلا إنه أشار إلى أن أبو دقة "ليست فقط من أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لكنها قيادية في الحركة"، زاعمًا أن الجبهة "ارتكبت 13 اعتداء ضد مدنيين إسرائيليين بين عامي 2002 و2015، أوقعت العديد من الضحايا"، على حد تعبيره.
ورأى المجلس أن "الوجود على الأراضي الفرنسية بغرض التعبير عن الرأي بشأن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، لقيادية في منظمة تبنت هجمات ضد مدنيين إسرائيليين، قد يثير اضطرابات خطرة في الانتظام العام".
وتعكس أحدث تطورات هذا التضييق طلب السيناتور اليمينية فاليري بوير سحب الجنسية الفرنسية من لاعب كرة القدم كريم بنزيما، بسبب تغريدة دعم فيها المدنيين في غزة.
المجتمع الفرنسي والألماني
وأثارت عملية طوفان الأقصى الضخمة مخاوف في الغرب، وأشار بونفوا إلى أن الحد من حرية التعبير هو الأقوى حاليًا في فرنسا وألمانيا، ربما لأسباب تاريخية مرتبطة بالمحرقة، يضاف إلى ذلك وجود أقليات مسلمة ويهودية كبيرة في فرنسا.
وأكد الكاتب أن هذه التطورات تتسبب في تفاقم التوترات والانقسامات في المجتمع الفرنسي، فالمشهد السياسي يتجاذب بين الذين يدعمون حقوق الفلسطينيين ويطالبون بحرية التعبير، وبين الذين يرون في أي تعبير دعمًا للإرهاب، وينعكس هذا الانقسام أيضًا على المستوى الاجتماعي والثقافي، حيث يشهد البلد نموًا في مظاهر التمييز والتحيز وتصاعد العنف الكلامي.
وعلى الرغم من أن بعض القادة السياسيين أعربوا علنًا عن دعمهم لإسرائيل، إلا أن الاحتجاجات الداعمة لفلسطين وضد العدوان على غزة لم يتم حظرها في بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، ونقلت وسائل الإعلام في بعض الأحيان مواقفهم الجريئة هناك.
وخلص الكاتب إلى أن حظر الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين والسماح للزعماء الأوروبيين والأمريكيين بالخطاب المؤيد لإسرائيل يسهم بصورة كبيرة في ترسيخ فكرة أن الغرب توقف عن الدفاع عن القيم العالمية والإنسانية.