الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أبعاد الموقف الأمريكي من "طوفان الأقصى"

  • مشاركة :
post-title
وزير الخارجية الأمريكي مع نتنياهو

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء الموقف الأمريكي داعمًا لإسرائيل، التي تعد بمثابة الحليف الاستراتيجي لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، عقب شن فصائل المقاومة الفلسطينية عملية عسكرية نوعية استهدفت المستعمرات الإسرائيلية بغلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، الذي أسفر عن مقتل ما يزيد على 1300 إسرائيلي وإصابة نحو 3192 جريح، وتنوع ذلك الدعم سواء على المستوى المعنوي، الذي تبلور في بيانات المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى المساندة لإسرائيل أو من خلال اتخاذ إجراءات سريعة لترجمة هذا الدعم على أرض الواقع، الذي جسده قرار وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بإرسال حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس جيرالد آر فورد" إلى البحر الأبيض المتوسط، وتعزيز الإمدادات الجوية في المنطقة.

دعم متنوع

توالت البيانات الأمريكية الرسمية الداعمة لإسرائيل، التي يمكن الإشارة إلى أبرزها في التالي:

(*) الرئيس بايدن: أجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن اتصالًا هاتفيًا برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، 7 أكتوبر 2023، عقب شن حركات المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى"، مؤكدًا أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف إلى جانب إسرائيل، وتدعم بشكل كامل حق تل أبيب في الدفاع عن نفسها، ووصف الرئيس الأمريكي بايدن هذا الدعم بأنه صلب كالصخر.

(*) وزارة الخارجية: جاء بيان وزارة الخارجية الأمريكية داعمًا لإسرائيل، إذ أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في ذات اليوم، تضامن الولايات المتحدة الأمريكية مع حكومة وشعب إسرائيل، وكذلك إدانتها للهجمات التي تشنها حماس ضد إسرائيل، كما أجرى وزير الخارجية الأمريكية اتصالات هاتفية متعددة مع العديد من وزراء الخارجية المعنيين بتطورات الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لبحث وقف الهجمات ضد إسرائيل، منهم وزراء خارجية مصر والسعودية وقطر والأردن وإسرائيل وتركيا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، كما أجرى بلينكن، اتصالات هاتفية بكل من الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوج، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والحث على تعزيز الجهود الرامية لاستعادة الهدوء والاستقرار في الضفة الغربية، وفقًا لما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، فضلًا عن زيارته اليوم إلى إسرائيل لإظهار المزيد من التضامن الأمريكي.

(*) وزارة الدفاع الأمريكية: أعلن البنتاجون عن تواصل وزيري الدفاع الأمريكي والإسرائيلي، للعمل على ضمان امتلاك إسرائيل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها، لذلك جاء بيان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، ليعزز من دعم ومساندة إسرائيل، ويعلن أن الولايات المتحدة ستزود قوات الدفاع الإسرائيلية بسرعة بمعدات وموارد إضافية بينها ذخائر، وتنوع ذلك الدعم من خلال مستويين، الأول بحرًا: إذ وجه وزير الدفاع حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد" والسفن الحربية المرافقة لها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، قبل أن تعلن عزمها إرسال حاملة أخرى في الفترة المقبلة. أما المستوى الثاني للدعم جاء جوًا، إذ أكد وزير الدفاع الأمريكي، تعزيز أسراب الطائرات المقاتلة في المنطقة، التي تشمل بالإضافة إلى حاملة الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية "يو إس إس جيرالد فورد"، طراد الصواريخ الموجهة من فئة "تيكونديروجا يو إس إس نورماندي"، ومدمرات الصواريخ الموجهة من فئة "أرلي بيرك يو إس إس توماس هودنر"، و"يو إس إس راماج"، و"يو إس إس كارني"، و"يو إس إس روزفلت". وكذلك تعزيز أسراب الطائرات المقاتلة التابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز "F-35"، و"F-15"، وF-16""، و"A-10".

الرئيس الإسرائيلي في الكونجرس - أرشيفية

(*) الكونجرس الأمريكي: على الرغم من أن الكونجرس الأمريكي يعاني من تعطل مجلس النواب بعد الإطاحة برئيسه كيفن مكارثي، إلا أن هناك مقترحات من المشرعين الأمريكيين لتوظيف صلاحيات مجلس الشيوخ في دعم ومساندة إسرائيل، منها المصادقة على تعيين السفير الأمريكي جاكوب لو، الذي عينه الرئيس جو بايدن، ولم يحظ بتصويت المجلس بعد. كذلك ثمة اقتراح يطرحه بعض هؤلاء المشرعين يقوم على إدراج المساعدات لإسرائيل مع حزمة المساعدات لأوكرانيا، التي يتوقع أن يصوت عليها الكونجرس في المدى القريب، رغبة في أن يحفز هذا دمج المعارضين من الكونجرس للدعم اللامحدود والمقدم لأوكرانيا بالتصويت لصالح الحزمة، كما تطرح مساعدات مقترحة تقوم على إعادة تزويد نظام القبة الحديدية بالصواريخ الدفاعية لعدم نفاد مخزونها.

تداعيات محتملة

الثابت أن مفردات الموقف الأمريكي السابق من عملية "طوفان الأقصى"، تعكس تحيزًا واضحًا لإسرائيل، دون البحث عن جذور المشكلة الرئيسية في مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي، ومحاولة حلها، التي تقوم على احتلال إسرائيل لأراضي عربية، منها الأراضي الفلسطينية التي تشكل جوهر هذه المشكلة، مع رفض إسرائيل الانصياع لقرارات الشرعية الدولية، التي تقر الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وحمايته وفق المواثيق المتعارف عليها دوليًا بأنه شعب أعزل تحت الاحتلال. وربما يدفع الموقف الأمريكي المتحيز لإسرائيل المنطقة إلى سيناريوهين لا ثالث لهما:

(&) الأول، هو سيناريو التصعيد: ويقوم هذا السيناريو على استمرار الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل مع تجاهل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عمليات إبادة جماعية يقوم بها جيش الاحتلال، من خلال استهداف المنشآت والمدنيين وقطع المرافق الرئيسية من كهرباء ومياه عن قطاع غزة، بما أدى إلى تزايد الخسائر البشرية، إذ وصل عدد الشهداء من الفلسطينيين، وفقًا لوزارة الصحة إلى ما يقرب من 1400 شهيد نصفهم تقريبًا من الأطفال والنساء، وإصابة نحو 6000 شخص.

ومع استمرار الدعم الأمريكي، فإنه سيكون بمثابة إعطاء الحكومة الأكثر يمينية وتطرفًا في تاريخ إسرائيل، الفرصة لتحقيق مشروعها في تصفية القضية الفلسطينية برمتها بعد إعلان بنيامين نتنياهو، بأن إسرائيل في حالة حرب، وانضمام بعض رموز المعارضة إلى حكومة طوارئ تدير تلك الحرب، وموافقة الحكومة الإسرائيلية على تجنيد 360 ألف جندي من الاحتياط للمشاركة في العمليات العسكرية، وصولًا لما وصفه بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل ستغير الشرق الأوسط. هذا الواقع سيدفع المنطقة إلى أتون عنف محتمل وصراعات ممتدة، وربما ستتعدد ساحاتها ولا يُعرف مداه المتوقع.

(&) السيناريو الثاني، يتمثل في التهدئة، ويقوم على ضرورة دخول قوى إقليمية ذات ثقل للتهدئة بين الجانبين ومنع التصعيد المتبادل، وتأتي في مقدمتها مصر التي نجحت في تجارب سابقة لتحقيق تلك التهدئة. غير أن سيطرة روح الانتقام على أعضاء الحكومة الإسرائيلية، أمثال وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، قد تؤخر تحقيق هذا السيناريو الذي سيكون هو المخرج الملائم للطرفين للخروج من المأزق، لا سيما وأن الوسائل السلمية هي الأنسب لتسوية مثل هذا الصراع المعقد مهما طال أمد التصعيد، وهو الأمر الذى يدعمه الموقف الروسي، وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا، أن موقف بلادها المبدئي والثابت يقوم على أنه لا يمكن بوسائل القوة حل هذا النزاع المستمر منذ 75 عامًا، ولكن يمكن حله بالوسائل السياسية والدبلوماسية، ومن خلال عملية تفاوضية كاملة على الأسس القانونية والدولية المعروفة، التي تنص على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتعيش بسلام وأمن مع إسرائيل.

مجمل القول: إن الموقف الأمريكي من عملية "طوفان الأقصى"، يعكس الانحياز المطلق لإسرائيل بما يعقد الموقف ويسهم في تزايد دائرة العنف والعنف المضاد، وهو الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي ضرورة التدخل لوقف التصعيد بين الجانبين ومنع استهداف المدنيين وهدم المنشآت وحماية الشعب الفلسطيني من الآلة العسكرية الإسرائيلية الغاشمة، وهو ما دعت إليه وزارة الخارجية الصينية جميع الأطراف المعنيين بالتزام الهدوء وممارسة ضبط النفس ووقف إطلاق النار فورًا وحماية المدنيين ومنع تدهور الوضع أكثر.